ما بال أناس يتحدثون ويروجون للسخرية والاستهزاء من سيدي بوزيد وأهلها؟ ان كان هذا احتقارا واستصغارا فهم واهمون فأهل تلك الربوع اهل عزة وكرامة ورجولة، وان كان استضعافا واستنقاصا فهم مخطؤون فسكان سيدي بوزيد ابطال اشاوس غيروا مجرى التاريخ وكتبوا على جبين الدنيا عشق الموت لأجل الكرامة والحرية وان كان استعلاء واستكبارا فهم كاذبون فالانفة والكبرياء وعلوّ الهمة لأولئك القوم منذ القدم. لقد كانت هذه الجهة عرضة لممارسات دنيئة منذ زمن، وما موقف بورقيبة من الهمامة وما قول المخلوع (ها الولاية الكلبة) وما قول هالة الركبي على مرأى ومسمع من الجميع (الهمامة رعاة) الا خير دليل على ذلك، لكن أهالي تلك الربوع الشامخة سكتوا على ذلك ليس خوفا ولا طمعا ولا نفاقا ولكن سكتوا لعلوٍّ همتهم ورفعة انفتهم وتعاليهم عن السفاسف عملا بمقولة (ما ضرٍّ السحاب نبح الكلاب). واليوم ورغم ماقيل عن كرامة الانسان فقد عادت تلك الممارسات، فهذا يلوح بيده تعبيرا عن سخرية فاضحة عندما ذكر سيدي بوزيد، وذاك قول (كان من المفروض ألا ينتخب هؤلاء) والاخر يقول: »انا لا أتعامل معهم«. أنسي هؤلاء ان سكان سيدي بوزيد المهمشين هم اسياد اشعلوا فتيلا أنار الدنيا وأزال الظلم والظمات بدمائهم وارواحهم وعلموا الناس حب الحرية والعدل والوقوف في وجه الطغاة. كما عامر بوترعة رحمه الله قد قالها لهالة الركبي: ولولا شحوب ترين في وجهي ما كاد وجهك يقطر دمَا فعلا فلولا روح محمد البوعزيزي التي ترفرف على كامل تراب تونس ما خرج الكثير من غياهب السجون، ولولا دماء الشباب الزكية في الرقاب وبوزيان وسيدي بوزيد وجلمة وغيرها لظلت افواه كثيرة مكممة وما عرفت لحرية الكلمة طريقا ولولا امهات حرائر زغردن وراء فلذات اكبادهن ودعوْنهم الى الشهادة ما تمتع الكثير بهذا الفيض من الحرية ولا شك في ان معظم التونسيين قد شاهدوا ام الشهيد الكدوسي (أول شهيد الثورة المباركة في الرقاب) على التلفاز وهي تزغرد فرحا لاستشهاد ابنها (لان الشهادة في ربوع سيدي بوزيد شرف وفخر وحياة أبدية) ولولا آباء مشوا وراء ابنائهم وبناتهم يشجعونهم على المضي قدما على درب الثورة والحرية ما عرف الكثير حرية الاختيار والتعبير. لماذا نسيان سيدي بوزيد؟ لماذا تهميش سيدي بوزيد؟ بل لماذا السخرية والازدراء من سيدي بوزيد؟ هل استكثر الناس على هؤلاء الشرفاء ان صنعوا الثورة؟ ام يريدون ان يفتكوا هذه الثورة؟ ام يريدون ان يثبتوا: (الثورة يقوم بها الابطال ويستغلها ال...) لن يستطيعوا ذلك ابدا فالتاريخ شاهد والدنيا شاهدة والرب شاهد على ان اهالي سيدي بوزيد هم أرباب هذه الثورة وقد ورثوا ذلك عن الاجداد والاباء الذين كانوا يطربون لصوت الرصاص المدوي بينهم وبين جيش الاحتلال ايام الكفاح المسلح وكانوا لا يهابون الموت يغنون الصالحي والركروكي والمزموم وهم في جبهة القتال بأصوات عالية رددتها جبال واحراش الجهة وكانت الامهات والجدات عندما يسمعن هذا الغناء يتناغمن مع الرجال الابطال بالزغاريد في معارك ضارية خاضها هؤلاء الابطال مع المستعمر لقّنوه فيها دروسا في الشجاعة وحب الحرية في قبرار وقولاب والخشم ومغيلة وسيدي خليف وسمام وقارة حديد وفائض وقضوم ومزرق الشمس وما جوراء وأم العلق وخنقة هداج وبوهدمة والجباس والزياق والقرن الابيض وناب الكلب وام الغنائم وقصر حديد والحرات والعوافي... فاي نخوة بعد هذا؟ هذا تاريخ سيدي بوزيد وهذا مجد ورصيد سيدي بوزيد فاين انتم ايها الساخرون؟ ان المرأة في هذه الربوع لا تلد للحياة بل تلد للموت والرجل لا يخاف الموت من اجل كرامته وشرفه وما الشاب الذي فجر الثورة المباركة التي رفعت قدر تونس عاليا الا ابن ذلك الرجل وارضعته تلك المرأة فلْنتَّق هبّ-ة وغضب الثائر الجريح المظلوم المهمش المنسي، وعلينا ان نفتخر ونعتز به ونعتني به ونوفر له ما دفع من اجله الدم والروح لانه يستحق كل الاحترام والتقدير والاعتراف بالجميل ونتجنب الاستنقاص والسخرية والتهميش والنسيان لكل تونسي اينما كان.