منذ نشأتها تعتبر الحركة النقابية في العالم حجر الزاوية في حياة كل المجموعات والتجمعات العمالية و في بناء اقتصاديات بلدانها و رغما عن هذه الصفة التي لا غنى لأي كان عنها ورغم ما قدمه ويقدمه العمل النقابي بالبلاد التونسية و عن الدور الذي لعبه حشاد و من قبله محمد علي الحامي ومن بعدهما جماهير لا تحصى و لا تعد من المناضلين و المنتسبين إلى هذه المنظمة الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل استقلال البلاد والنهوض باقتصادها و الرفع من شأن الفرد التونسي و مازالوا متمسكين بضرورة تطور و نماء المؤسسة التي يشتغلون بها لأن النقابي يؤمن أن ظروفه المعيشية و تحسنها ونمائها مرتبط عضويا باستمرارية المؤسسة وازدهارها وتقدمها و مواكبتها للتطور التكنولوجي و الاجتماعي لكن الطرف المقابل وبعقلية مختلفة تماما مازال يعتبر أن العامل و حقوقه الاجتماعية و الصحية وبرامج السلامة المهنية إنما هي أعباء تثقل كاهل المؤسسة و لا تبوبها في جملة أولوياتها بل هي ثانوية و في بعض الأحيان غير ضرورية بالمرة ويعتبرون النقابي عنصر إزعاج يلزم التخلص منه بأي طريقة رغم أن دستور البلاد و كل التشريعات تقر بضرورة تمتع العامل بمثل تلكم الحقوق ومن المؤسف أيضا أن منظمة الأعراف و هي عضو قار و أساسي في منظمة العمل الدولية التي يرافقها في فيها عنصران هامان هما منظمة العمال والطرف الإداري ممثل في وزارة الشؤون الاجتماعية ومن المؤسف أكثر أن منظمة الأعراف بصفتها عضوا أساسيا في هذه المنظمة الدولية مطلعة على كل القوانين و الاتفاقيات الصادرة عنها وهي ملزمة لكل طرف يوقعها لكنهم يمعنون في معاداتهم للنقابيين و من هنا تنشأ المصادمات و الخلافات التي ينتهي بها المطاف للإضرابات و الاعتصامات التي كثيرا ما يدينها الجميع ويصنف العمال ومن ورائهم بصفة أساسية النقابيون في خانة المشاغبين والمخربين لاقتصاد البلاد و تنحاز إليهم في أغلب الأحيان الدوائر الرسمية باعتبار التحركات النقابية عندهم أبغض الحلال و كم من نقابي خسر موقعه في المؤسسة؟ و كم من نقابي أدخل السجن لأجل التمسك بما جاءت به اللوائح و القوانين الداخلية و الدولية التي في ظن البعض إنما يقع إدراجها في التراتيب و القوانين و الاتفاقيات الداخلية فقط للاستضهار بها عند الحاجة لدى المنظمات الدولية و المؤسسات المالية المانحة للقروض و التي من ضمن ما تشترطه على الدول أو المؤسسات المنتفعة بالقروض احترام الجانب الاجتماعي و التشريعات الدولية ومازال النقابيون يضطهدون إلى يوم الناس هذا تحت هذا العنوان ورغم كل ذلك لم يستسلموا ولم يفتر عزم العمال في النضال من أجل الاستقرار النقابي واحترام حق الجميع في هذا النشاط الذي يعتبر من أنبل الأنشطة الاجتماعية على الإطلاق لأن الأنشطة الأخرى ذات الطابع الإجتماعي تدخل في الجانب الخيري المسالم المناشد للدعم والمساعدة من هذا الطرف أو ذاك و يمكن أن توظفه بعض القوى السياسية لمصالحها و لمخططاتها لكن العمل النقابي و النقابيون يلتقون مع هؤلاء في نقطة واحدة و وحيدة هي التطوع بدون مقابل لكن البون شاسع فيما تبقى لأن النقابيين بصفة عامة هم طلاب حقوق ورافضين استغلال الإنسان لأخيه الإنسان و دعاة مساواة لأن العارفين بخصوصية العمل النقابي يدركون أنه في داخله لا فرق بين رجل أو إمرأة إنما يلتقي الجميع في الدفاع عن العامل بالفكر و الساعد من أجل ذلك لم تطرح داخل الاتحاد العام التونسي للشغل مشكلة المرأة و الرجل لأن الجميع يؤمن بأن المكان للأجدر و للأحق و لم تكن يوما المرأة عند النقابيين أداة ديكور على المنصات التشريفاتية لكن الجميع يناضل جنبا لجنب من أجل الحريات العامة و الخاصة و حقوق الإنسان وحرية التعبير و التنظم و هي مطالب كل القوى الحية بالبلاد لكن في خفاياها هناك اختلاف كبير بين منظور النقابيين لهذه القيم المجتمعية النبيلة و ما يطالب به الآخرون من أحزاب سياسية حيث تغيب عن إجندتهم الحقوق النقابية لأن طبيعة عملهم مرتبطة عضويا بالتقلبات السياسية و مصالحهم الحزبية و هي سنة السياسة و السياسيين يتقلبون مع الأحداث و ما هو سائد و لا أريد هنا أن أتوسع في الأمر من أجل ذلك يطالب النقابيون اليوم و بكل إلحاح و من منطلق حق مشروع انطلاقا مما قدمته هذه المنظمة للبلاد أيام الثورة و بعدها من دعم مادي و بشري و فكري لا يمكن تجاوزه أو نكرانه و بما أن الجميع يتحدث عن دولة القانون و المؤسسات و إرساء الديمقراطية فلا مجال لأن يتغاضى واضعو الدستور الجديد عن الحق النقابي و وجوب إفراده ببند خاص به يحترم فيه المسؤول النقابي كأحد ركائز المؤسسة يتمتع بكل مقومات المسؤولية تماما مثل المسؤول الإداري و لا بد أن يقر الدستور الجديد بالحق النقابي على وجوبية احترام كل المواثيق و التشريعات الداخلية والدولية إطلاقا من الاتفاقية 135 وغيرها من الاتفاقيات التي تهتم بالشأن العمالي و المهني و حق الأمومة و تشغيل الأطفال و لفها برداء قدسية القانون و علويته لأن الاتحاد العام التونسي للشغل هذه المنظمة العريقة والكبيرة في تاريخها و مساهمتها في بناء الوطن منذ عهد الإستعمار و التي ينشط بداخلها ما يفوق الستين ألف مسؤول نقابي و هو عدد لا يستهان به إضافة إلى ما يقارب المليون منخرط كما لا بد لواضعي الدستور الجديد أن لا يتناسوا فرض احترام القانون على الجميع و حياد الإدارة في كل النزاعات التي تحصل بين النقابات و رؤساء الأموال و أصحاب الشركات و في القطاع العمومي نطرح هذه المسائل و نحن على خطوات من بدء المجلس التأسيسي أشغاله في صياغة الدستور الجديد للبلاد لأننا نساند كل الحريات و الحقوق ونؤمن بعلوية القانون و الديمقراطية في جميع مجالاتها و بكل أركانها وبالفصل بين السلطات واستقلالية القضاء و حرية التعبير و حرية الصحافة لكن على نفس القدر نتمسك بحق النقابي في ممارسة نشاطه الوطني والإجتماعي بكل حرية و في كنف حماية القوانين الداخلية و الدولية و كم نتمنى أن تكون قوانيننا الداخلية أدق في صياغتها و أقوى في صبغتها التشريعية من أي قانون وارد علينا من أي منظمة أو تنظيم كان لأن الثورة قامت لأجل حريتنا و إستقلالية قرارنا و أن يعيش الجميع في كنف الكرامة والعزة بكل حرية و ديمقراطية لقد أبطلت الثورة السمسرة باليد العاملة و حراسة المؤسسات و العمال العرضيين و ظلم المرأة العاملة فما على أعضاء المجلس التأسيسي إلا إتمام الخطوة المتبقية هذا إذا ما علمنا بأن كل الأحزاب المكونة للمجلس التأسيسي ذاق مناضلوها ويلات الظلم و القهر و التعسف فلا مجال لإسقاط حماية المسؤول النقابي من حسابات بنود الدستور المرتقب لأن النقابي طرف فاعل في خدمة البلاد و لأن الإتحاد العام التونسي للشغل يضم تحت ردائه كل أطياف المجتمع المدني بمعنى أن كل الأحزاب ممثلة في المسؤولية النقابية و في النضال العمالي فلا مجال إذا لتهميش هذا الكم الهائل من مكونات الشعب التونسي وتعريضهم للظلم من جديد حتي لا نعود للمربع الأول من ناحية الإقصاء والتعسف والظلم الإجتماعي لأننا جميعا ننتظر عهدا جديدا عهد ما بعد الثورة تكون فيه حصانة النقابي على نفس القدر من حصانة نواب مجلس الشعب باعتبار أن كل منهما منتخب من المجموعة العمالية و الوطنية.