زارت جريدة «الشعب» عمّال شركة بوتفاحة لصناعة الآجر الذين قاموا بعدّة وقفات احتجاجية في مقر عملهم ثمّ شنُّوا اضرابا استمرّ أيّام 14، 15 و16 نوفمبر الجاري، وأدّت زيارتنا إلى الاطلاع على أبْعَادِ المظلمة الشنيعة المسلطة على رقاب هؤلاء العمّال منذ أكثر من عقدين من الزّمن من قبل مُشغّلهم المدعو البلاڤي الذي كوّن ثروته الطائلة على كاهِلهم وتمكن بواسطتها من شراء ضمائر زبانية وأزلام النظام البائد في الجهة الذين قاموا بدورهم بتغطية تجاوزاته المشينة. ٭ التلاعب بحقوق العمّال: أبرز لنا العمّال مجموعة من كشوفات الحساب وهي عبارة عن وثائق تثبت تلاعب صاحب الشركة بالمبالغ المدفوعة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعنوان التغطية الاجتماعية لفائدة العمّال حيث يبدو التفاوت بين هذه المبالغ جليا من ثلاثية الى أخرى كما سجلنا امتنتاع المشغل عن دفع هذه المعاليم التي يقتطعها من أجور العمّال في عدّة ثلاثيات ما أدّى بالعمّال إلى رفع شكاوى ضدّه لدى الصندوق. تجدر الاشارة الى هُزَال هذه الجرايات التي لا تُواكب أبدًا ارتفاع تكاليف المعيشة وقد عاينّا حالات عمّال تجاوزت مدّة شغلهم 21 سنة ولم يتجاوز سقف أجورهم 270 دينارًا، أمّا الحالة الأخرى فهي لعامل اشتغل مدّة 26 سنة متواصلة دون أن يتمّ ترسيمه وبالتالي فهو لا يتمتع بأي حق من الحقوق المكفولة للعمّال قانونا. هذا ويشكو العمّال من انعدام مرافق يؤدي غيابها الى تهديد السلامة الجسدية للعمّال المعرضين بحكم طبيعة شغلهم للحوادث الخطيرة ونخصُّ بالذكر الافتقار الى سيارة خاصة بالاسعاف وقد رَوَى لنا العمّال حادثة نقل أحد زُملائهم (وهو مصاب) الى المستشفى الجهوي بباجة على متن شاحنة أحد زبائن الشركة!! ٭ حيل خبيثة واستهانة بالقانون: منذ انطلاق احتجاجات العمّال، عمد المشغل الى استعمال عدّة حيل وخزعبلات بدأها يوم الأحد 13 نوفمبر الجاري بمحاولة تفريغ المصنع من معدّاته بعد ترويج دعايات عن التفريط فيه بالبيع دون القيام بالاجراءات القانونية للأزمة وقد تفطّن العمّال لهذه الخطّة وأفشلوها، ثمّ لجَأَ إلى حيلة أخرى تمثلت في مغالطة الشركة الوطنية للكهرباء والغاز عبر إيهَامِهَا بوجود خلل كهربائي يقتضي قطع التيّار عن المصنع فانخدعت الشركة بالأمر وحلّ عدد من أعوانها بالمكان لهذا الغرض الذي لو تمّ لتَعرّض كلّ المنتوج للتّلف ولكن العمّال بيّنوا الحقيقة ومنعوا الكارثة من الوقوع. أمّا آخر شطحاته فتمثلت في تعمّد الادارة بغضّ النظر عن نفاذ كميّات «الفيول» اللازمة لتشغيل الأفران بتعلّة عدم إبلاغ العمّال الادارة بهذا الأمر بينما يثبت واقع الحال أنّ العمّال قاموا بإبلاغ الادارة عن هذه المسألة بواسطة عدل منفذ! إنّ ما يلفت الانتباه في تعامل السيد بشير البلاڤي مع هذه الأزمة إصراره الكبير على توريط العمّال واتهامهم واضعًا نصب عينيه هدفا أساسيا هو انتهاك حقوقهم وسرقة عرقهم بكل الوسائل ووصل به الأمر الى تحدّي قوانين البلاد حيث لم يحضر 3 جلسات صلحية متتالية ممّا أدّى بالتفقدية الجهوية للشغل بباجة الى توجيه محضرَيْ تقصير في حقّه. هذا والتأم مساء الجمعة 18 نوفمبر الجاري اجتماع عام حاشد حضره كافة عمّال الشركة بمقر الاتحاد الجهوي للشغل بباجة واستمرّ الى ساعة متأخرة من اللّيل وقد أشرف عليه الاخوة: محمد بن يحيى الكاتب العام الجهوي وعبد الحميد الشريف مسؤول القطاع الخاص ورابح المغراوي المسؤول عن النظام الداخلي وتداولوا على أخذ الكلمة مستعرضين مختلف الأحداث والمراحل التي مرّت بها الحركة الاحتجاجية القانونية ذات الوعي الراقي بالنضال النقابي وقد تمّ الاتفاق على إصدار برقية اضراب لمدّة 10 أيّام يوم الاثنين 21 نوفمبر 2011. هكذا إذا وفي مرحلة ما بعد الثورة مازالت مجموعة من «رجال الأعمال» الطفيليين تعيش في عباءة دكتاتورية افتراضية وتواصل اضطهاد الضعفاء والتلاعب بمصائرهم وانكار أبسط حقوقهم في العيش بكرامة ضاربة عرض الحائط بكل القيم الإنسانية النبيلة.