من اي مرفإ أو نقطة ماء من الساحل التونسي الذي يفوق طوله 1300 كلم. وعلى اي زورق مهما كانت حالته ومع اي مجموعة حتى ولو كان لا يتسع للجميع حتى وقوفا، وفي اي وقت وفصل وبأي ثمن يغامر البعض من المهاجرين التونسيين سرا نحو «الفردوس الموعود» نحو فرنسا او ايطاليا او قل نحو اوروبا عموما، والتي كانت بالامس القريب تستقبل التونسيين دون تأشيرة دخول الى حدود عام 1990 السنة التي اصبح فيها البحر الابيض المتوسط يفرق بين تونس واوروبا ولا يمكن عبوره الا خلسة وسرا خوفا من يقظة حفر السواحل. انها مغامرة جنونية اصبحت مكثفة زمن ثورة 14 جانفي وما بعدها خاصة اذا علمنا ان هنالك حوالي 11 الف سجين فروا من السجون التونسية ومصيرهم المعلوم هو العودة الى السجن مع تجريمهم فترة اضافية ثمن هروبهم من السجن وثانيا اجتيازهم الحدود خلسة العقوبة الاخرى والاخيرة هي اكمال فترة العقوبة التي سجنوا من اجلها قبل الهروب امام هذه الحتميات الثلاث الصعبة يبدو لنا ان اي شخص اقدم على مغامرة الهروب من السجن لم يبق له سوى الهجرة السرية او «الحرقة» اما بقية المهاجرين السريين «الحارقين» الطبيعيين بمعنى غير الفارين من السجن او من اية عقوبة اخرى فان اعدادهم تزداد يوميا. العلاقة التونسية الأوروبية على ضوء المؤشرات الجديدة في دراسة قامت بها الجمعية المتوسطية للدراسات والتنمية الاجتماعية اثبتت ان اغلب المستجوبين يرغبون في الهجرة الى اوروبا وهذه نتيجة طبيعية لما تتميز به هذه القارة من الرفاهة والحرية وفرص الاقامة والعمل والبحوث العلمية فحتى المناخ متميز والمتعة تفوق الخيال، اما المؤشرات الديموغرافية الاوروبية خاصة في فرنسا وايطاليا تثبت ان هذه المجتمعات تتجه نحو الشيخوخة وهي بالتالي في حاجة الى العمالة والكفاءات التونسية، فلماذا تضيق عليهم الخناق للوصول اليها، كما ان المؤشرات الاقتصادية هي الاخرى في نمو، قالتبادل التونسي مع فرنسا استيرادا وتصديرا يفوق ال 70 ٪، هذا من حيث النسبة اما حجمه فهو في ازدياد مستمر اما الاستثمارات بين البلدين فهي في نمو وتطور هذا بقطع النظر عن ارتفاع نسبة الاستثمارات السرية من سرقة وتهريب الاموال التونسية الى اوروبا خاصة فرنسا وسويسرا مع التذكير بالمفارقة الغريبة هي الاختلال وعدم التوازن في المعاملات، كل هذه المؤشرات تدل على ان التعامل في الاتجاهين من المفروض ان يكون طبيعيا فلمذا هو عكس ذلك في الهجرة من تونس الى اوروبا؟ كم سائح اوروبي يزور تونس سنويا، بالمقابل كم تونسي يزور اوروبا سنويا؟ كم يخسر الاقتصاد التونسي نتيجة عدم التوازن في الميزان التجاري بينه وبين اوروبا من بقي من الكفاءات والخبرات التونسية لبناء اقتصاد وطني يخول للمواطن التونسي العيش بكرامة ويحقق من خلاله أمنه الغذائي والصحي والعلمي وغيره؟ لقد ساهمت اوروبا قديما وحديثا في تحضّر المجتمع التونسي واصبحت السبب المباشر في ظاهره الهجرة السرية والتي ولا شك في ان هنالك عدة اسباب اخرى متفاعلة تقف وراء هذه الظاهرة.