موقع لبناني: شخصية معروفة تجسست لصالح إسرائيل وأطاحت برؤوس حزب الله    وزير الخارجية يلتقي نظيره الجيبوتي بمناسبة مشاركته في أشغال القمة العربية ببغداد    الفرجاني يؤكد استعداد تونس للعمل مع منظمة الصحة العالمية في مجال تصنيع اللقاحات    يوم دراسي للترويج للسياحة بالقصرين    قريش بلغيث رئيس مجلس إدارة شركة التجميع بالقيروان ل «الشّروق» الأولوية لتخزين القمح    وزير التجهيز من نابل ..تقدّم أشغال مشروع طريق قربص بأكثر من 80 %    لا يشتري القدس من باع بغداد    الرابطة الثانية    بعد تفكيك شبكتين دوليّتين في تجارة المخدّرات...أسرار جديدة عن عمليتين أمنيّتين ضد تجّار السموم    القبض على تاجر مخدّرات محلّ 10 مناشير تفتيش..    بعد طغيان المادة على كل المبادئ .. الربح السريع يسقط القيم    في انتظار فكّ اللغز .. رفض الإفراج عن فتحي دمق    الوقاية من الأمراض المعدية: خطوات هامة لحماية صحتك    مجموعات غنائيّة هاوية بصفاقس ابدعت في آدائها ….الازهر التونسي    "إعلان بغداد" يطالب بوقف فوري لحرب غزة ويدعم المحادثات الأميركية الإيرانية    تحسّن الوضع المائي في تونس: سدود تقترب من مليار متر مكعّب بعد الأمطار الأخيرة    بوعرادة تحت شعار تراثنا وهويتنا: ايام تثقيفية و ندوات فكرية    الحرارة تتجاوز الثلاثين: تونس تستعدّ لموجة حرّ شديدة بعد الأمطار الأخيرة    أسباب فقدان الوزن المفاجئ    صفاقس : الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 18" …دورة واعدة لأكبر معارض البناء في تونس    طقس الليلة    القصرين: وزير السياحة يعلن حيدرة بلدية سياحية    مهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية.. معرض أكابر شلبي في رواق يوسف الرقيق    مغلق منذ عقد و نصف.. نزل الغابة يعود النشاط    مدير تعداد السكان: نحو التشجيع على الإنجاب ومراجعة سياسات السبعينات.. #خبر_عاجل    مصر.. تحقيق في حادثة مشجع "رقص عاريا" احتفالا بالفوز    قربص.. البحر يلفظ جثة امرأة مجهولة الهوية    عاجل/ العدوان على غزّة: مفاوضات جديدة في قطر دون شروط مسبقة أو مقترحات    عاجل/ قمة بغداد: عبّاس يدعو المقاومة الى تسليم سلاحها    تعداد السكّان: أبرز الأرقام.. #خبر_عاجل    قضية رحمة لحمر: أصابع الاتّهام موجّهة إلى 31 شخصا    حادث مرور قاتل في القيروان.. #خبر_عاجل    النفيضة: سيدي سعيدان تحتفل بثروتها الخزفية    الملعب التونسي: 5 لاعبين يعودون ضد النجم    تونس: شلل في حركة الميترو رقم 1 و 6    رسمي: تونس تتّجه نحو التهرّم السكاني    جندوبة: يوم مفتوح لتحسيس وتقصي أمراض الكلى    تونس الكبرى والساحل في الصدارة: تفاصيل توزيع السكان في مختلف الجهات    عاجل/ تعداد سكّان تونس: الإناث يتجاوزن الذكور بهذه النسبة..    دراسة: المشي يخفض خطر الإصابة ب 13 نوعا من السرطان    وفد صيني يزور القيروان    برنامج مقابلات ربع نهائي كأس تونس لكرة القدم    تونس: مشروع قانون جديد لتنظيم التسويق الإلكتروني في تونس    "موديز" تخفّض التصنيف الائتماني لأمريكا والبيت الأبيض يرُد بحدّة.. #خبر_عاجل    تونس تعرب عن استعدادها لتكون أرض التلاقي بين الأشقاء الليبيين من أجل حوار ليبي – ليبي برعاية بعثة الأمم المتحدة    صفاقس عرض "وشام" في افتتاح تظاهرة "جذور وأجنحة"    الرابطة 2 (الجولة 25): شبيبة القيروان تواصل الصدارة في المجموعة الثانية، وصراع مشتعل على البقاء    أي مستقبل للمؤثّرين؟    نهائي كأس تونس لكرة القدم يوم 1 جوان في ملعب رادس    أحوال طقس الليلة    قرارات الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة    الملتقى العربي للنص المعاصر من 23 إلى 25 ماي 2025    استعدادات استقبال موسم حج لعام 1446هجرية...تفاصيل    موعد وقفة عرفات 2025...فضل الدعاء والأعمال المستحبة في هذا اليوم    زغوان: انطلاق أشغال ترميم قوس النصر الجنوبي    جريمة مروعة: شاب يقتل صاحب مقهى والسبب لا يصدق..!!    دعاء يوم الجمعة للأبناء وزيادة الرزق    برشلونة يحسم لقب البطولة الإسبانية للمرة 28 في تاريخه    









للمثقف والمبدع رأي ودور
نشر في الشعب يوم 25 - 02 - 2012

يبدو أنّ سقوط «بن علي» وفوز اليمين في انتخابات أعدّت على عجل قد حرّر أصواتًا لم نكن نسمعها من قبل فخنقت بتحرّرها عديد المجالات وحاصر المتحررون لتوّهم كل رأي اختلفوا معه واحتكموا إلى الشريعة الاسلامية التي تجمع المجتمع التونسي ليقسموه من خلالها إلى كافر ومسلم فانطلقوا من المشترك ليصنعوا الفرقة وليصلوا الى التقسيم وفي زخم هذه الأصوات العالية جدّا والمدعومة بقوّة ضاع أو كاد أن يضيع صوت العقل والفكر، صوت المثقف، ولأنّ الهيمنة على الثقافة وسيلة للابقاء على الحكم في مجتمع رأسمالي على حدّ قول قرامشي فإنّ مصلحة البعض تقتضي اخراس أصوات قد تزعجهم. ولأنّ القمع والسجن وسيلة غير متاحة ولنقل عرضا وتجاوزا أنّها لا تمثّل خيارًا فإنّ تكفير المثقفين والمبدعين واطلاق أيدي المتشدّدين ضدّهم يعتبر وضعا مريحًا لفاعل جديد له تصوراته المختلفة حدّ التناقض أحيانا مع ماراكمه شعبنا من مخزون ثقافي وفكري فما كان بالأمس ممنوعا أصبح اليوم حراما وطال التحريم ما لم يطله المنع، ولأنّ تقديم ثقافة بديلة لا يكون فقط بهدم القديم وتشويه صورته بل يكون أيضا بتقديم بدائل وهو ما قد يفسّر الزيارات المتكرّرة لشيوخ الدعوة الذين نسوا أنّ عقبة بن نافع سبقهم إلى «فتح» بلاد افريقيا منذ ما يزيد عن 14 قرنا وانّ هذه الأرض الطيبة ليست في حاجة إلى غزوة وانّ هذا الشعب الكريم لا ينقصه غير صلاح حال حاكمه والعدل بين أفراده وطبقاته وجهاته بعيدًا عن فتاوى الإرضاء والختان. وحتى لا يضيع صوت المثقف بين زحام الأحداث وحتى نذكر البعض أنّ لنا تاريخا وحاضرا ومستقبلا التقت «الشعب» بعدد من المثقفين المبدعين لتسألهم عن رأيهم فكانت الحوارات التالية:
خالد بوزيد: الحريّة معركة دائمة وعلى الفنان أن يكون مُحايدًا في أعماله
الفنّان خالد بوزيد هو مسرحي شاب برز من خلال مشاركته في عدد من الأعمال المسرحية الجادة «لخمسون» و«يحي يعيش» وهو أيضا ذلك الشاب الظريف الذي اقتحم قلوب التونسة بعفويته في دوره في السلسلة الهزلية «نسيبتي العزيزة». رغم انشغاله بالتصوير التقياناه وكان معه الحوار التالي:
? أي دور للمثقف بعد 14 جانفي؟
بغض النظر عن الاشكالات التي تطرحها مسألة تعريف المثقف وهي إشكالات عميقة فإنّي أعتقد أنّ تاريخ 14 جانفي لا يغيّر شيئار يذكر في دور المثقف داخل المجتمع أو في أسلوب عمله. فالأصل أنّ المثقف وأخصّ هنا الفنّان المسرحي، يكون عادة صاحب مشروع فنّي متكامل قد يتأثّر إنجازه بطبيعة السلطة وبالمناخ السياسي ولكنّه لا يتأثر من حيث الجوهر والنظرة التي يحملها عن الواقع. وانطلاقا من تجربتي في مسرحية «خمسون» يتأكد موقفي حيث أنّ النظام الدكتاتوري القائم ما قبل 14 جانفي حاول منع عرض المسرحية وأوقف عرضها لمدّة 6 أشهر إلاّ أنّنا نجحنا في فرض عرضها اثر العرائض وتحركات المثقفين في الداخل والخارج. اذن الدكتاتورية تعطّل المشروع الثقافي ولكن لا تستطيع أن تغيّر جوهره. ومظاهر التعطيل لا تتوقف عند المنع بل تتجاوزه إلى هيئات الرقابة الجاهلة بخصوصيات المهنة التي كانت تفرض على المسرح. و«الأغرب من ذلك هو بعض المظاهر المضحكة من ذلك أنّ المسرحييّن مجبرون على العرض في فضاءات تحمل صورة المخلوع في قلب المسرح». وهو ما يعكس جهل المشرفين على المسرح في تونس الذين ينتقون حسب ولائهم للسلطة. ولا يعرفون أبجديات العمل المسرحي وشرط الحرية اللازم للمهنة.
وعموما فإنّ هناك من المبدعين المسرحيّين من فرض نفسه وأعماله رغم إرادة السلطة وذلك للصّيت العالمي والخبرة الطويلة في المجال المسرحي أوّلا ولجمالية الأعمال المقدمة ثانيا.
? هناك من يرى أنّ سقوط «بن علي»، خلق واقعا جديدًا ورهاناتٍ جديدة وهو ما يجعل تاريخ 14 جانفي مهمّا في المستوى الاجتماعي العام والأكيد أنّ لهذا التاريخ تأثيرًا على الواقع الفنّي فماهو الدور المطروح على الفنان بعد 14 جانفي؟
أعتقد أنّ الفنان المسرحي يشهد تغيرا كبيرا في الواقع المحيط به فمع إزاحة قيد كان يكبّل العقل والفكر أصبح الواقع مفتوحا على كل الاحتمالات. ففي السابق كانت هناك عملية تطويق للفكر والرأي وكانت الرؤية للأمور تقدّم من زاوية نظر وحيدة وهي زاوية نظر السلطة وهو ما ولد مواطنا غير عارف بشؤون السياسة والثقافة شغوفًا بما أراده له النظام. الآن مع سقوط الدكتاتور لم تعد الآفاق محدودة لذلك نحن في مرحلة التحضير للفترة القادمة والأكيد أنّ الصراع القادم سيكون سياسيّا بحتًا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بين الأطروحات والتصورات وهو ما يجعل دور المثقف والفنان أكثر حساسية. هذه المهمّة ستكون محاطة بميزتين أساسيتين كسبناهما بعد الثورة وهي الاحساس بالوطنية والتضامن بين المواطنين وهما ميزتان نرجو دوامهما.
? وماذا عن معركة الحرية؟
الحرية هي الاطار الطبيعي لعمل الفنّان لذلك هي فعلا معركة دائمة والحرية هي مطلب ولكنّها أيضا واجب فالثقافة والحرية تفاصيل يومية بسيطة في السلوك تنطلق من احترام اشارة المرور وعدم تلويث المحيط الى المحاكمة العادلة. فقبل الذهاب إلى المطالب لابدّ من تهذيب السلوك، لأنّ ما أراه الآن في تونس هو بمثابة من زرع شجرة ويريد ثمارها في الحين وهو أمر غير ممكن فالعمل في المجال الفني والانحياز إلى جانب القيم العادلة مجهود يومي مُضْنٍ قد يأتي أكله بعد أجيال أمّا الآن فأعتقد أنّ المهام المطروحة على الفنان وخاصة المسرحيّ تنطلق أولا بخلق جمهور مثقف للمسرح الراقي بعد عقود من التهميش.
? هناك فعلا من انطلق في تقديم أعمال مسرحية يرى البعض أنّها متسرّعة تصف الواقع ولا تستشرف المستقبل فماهو تعليقك؟
هي ظاهرة عادية ففي كل المجالات يوجد المتمعشّون ممّن لا يملكون مشاريع فنية وفكرية ويستغلورن الظرف لانتاجات رديئة. وقد لا يفاجئني أن أسمع عن مسرحية بعنوان «بن علي الهارب» أو «ليلى الحجامة» وهي أعمال عادة ما تكون لأُناس لا وعي لهم ولا يمثّلون الفن، فالفنّان مطالب بأن يمتلك نظرة ضاربة في التاريخ مع نظرة ميكروسكوبيه للواقع الآن وهنا تصاحبهما نظرة استشرافية للمستقبل، فالفنّان لا يكتفي بنقل قضايا المجتمع التي يعرفها الجميع بل عليه قراءة الأحداث لعالم اجتماع وعالم النفس وعالم الحضارة.
? تشهد تونس في الفترة الحالية تضاربًا في البرامج السياسية والرؤى الايديولوجية فماهو مدى انعكاس هذا التضارب الفكري والايديولوجي على المسرح؟
من الممكن وجود المسرح المتأدلِجُ أو المسيس ولكنّها ظاهرة غير صحية فالأصل في الفنان المسرحي هو الحياد في النقل والطرح. وأعتقد أنّ المسرح تطوّر بشكل يجعله قادرا على ملامسة العقل لا على ملامسة عاطفة الجمهور فقط. فيخرج لذلك الجمهور بعد العرض وهو يحمل تساؤلات لذلك أنا ضدّ فرض أي ايديولوجيا أو فكرة سياسية غير المسرح دون ابراز نقيضها. ويمكن أن يكون للفنّان ايديولوجيا أو هوية سياسية ولكنّه مطالب بعدم نقلها عبر المسرح حتى يكون العمل فنيا وجماليا وفكريا يطرح صراعا جدليّا فالوعي بالمحيط والبحث العلمي لاستنتاج الأفكار والاطلاع على التفاصيل الفكرية والايديولوجية كما فعلنا في مسرحية «خمسون» التي تعرّضت للأفكار والايديولوجيات مسألة مفصولة عن الانحياز لفكرة دون غيرها خلال العمل المسرحي.
? ألا ينحاز المسرح للقيم الانسانيّة العامة كالعدل والحرية والمساواة مثلا؟
هناك أنواع من المسرح وليست جميعها مطالبة بأن تنحاز للقيم ثانيا هناك معضلة أخرى وهين ضعف المسرح في تونس وعدم تأثيره في الواقع ومن نقاط الضعف غياب الفضاءات فدور الثقافة في تونس غير مؤهلة لعرض مسرحي ولم يُبْنَ أي مسرح جديد منذ 50 سنة. فالمسرح التونسي اذن غير مهيكل ونجاح المسرح التونسي عالميا يعود إلى مجهود بعض الأشخاص وليس إلى توفّر الهيكلة.
? ألا يعود جزء من المشكل إلى نخبوية المسرح؟
لا المسرح التونسي ليس نخبويا غير أنّ الاعلام الرسمي في عهد بن علي شوّه المسرح والذوق العام. وإصلاح الذوق العام يتطلّب مجهودا كبيرا بعد أن غلب الاعلام كفة كرة القدم وأشباه المثقفين والقضايا شبه الثقافية أو الفضائح الشخصية على حساب المسرح والثقافة.
? أفهم من كلامك أنّ وعي الجمهور يجب أن يرقى إلى المسرح لا أن يلامس المسرَحُ وعي الجمهور؟
هناك قولة مأثورة عن المسرح وهي «مسرحي نخبوي للجميع» وهو طرح المجموعة الفنية التي أعمل معها. وهذا الطرح ممكن شرط المعاودة أي تعويد المتقبّل بنوعية المسرح المتقدّم والبعيد عن الابتذال، ذلك السهل الممتنع البسيط المعقد. فالمسألة مرتبطة بطبيعة الجمهور الذي أُريد له أن لا يكون مهتمّا بالمسرح لا بطبيعة المسرح في حدّ ذاته.
? ماهي الحلول التي تراها لتمكين المسرح من لعب دوره الاجتماعي والثقافي السياسي؟
تكون الحلول على المدى البعيد عبر إعادة هيكلة التعليم والثقافة في تونس للأجيال الجديدة من خلال البرمجة والتي التحتية وعلى الفنان في هذا الصدد أن يخضع إلى رقابة فنّية وليس إلى رقابة سياسية. كما أنّه من الضروري إعادة تقييم منظومة الدعم واسناد الحوافز حسب المجهود المبذول والمساهمة الجادة من طرف الفنان في صنع واقع ثقافي بعيدا عن منطق التمعش. والحقيقة أنّني لست متفائلا في هذا الصدد على اعتبار أنّني من يشرف على المسرح مثلا في الغالب هم فنّانون يفتقدون للثقافة بل ومنهم من كان يتمعش من احتفالات السابع من نوفمبر.
جليلة بكار: لا حديث ع ن الإبداع إلا بالحرية الكاملة
جليلة بكار هي أبرز الوجوه المسرحية التونسية والعالمية رغم تميزها في عالم الفن الرابع فقد خرجت جليلة بكار من الركح إلى مسرح الحياة لتشارك بقوّة في الحراك الحقوقي التونسي منحازة إلى الأفكار التقدمية لتجسد بذلك دور الفنان المثقف المبدع المنحاز إلى قضايا شعبه.
?ماهو الدور الذي ترينه للمثقف بعد 14 جانفي؟
أود أولا التمييز بين دور الثقافة التي تهم عديد الميادين ودور المثقف فإذا ما تحدثنا عن دور الثقافة بصفة عامة فإني اعتبر ان ما حصل هو ثورة ثقافية. علي اعتبار أن الاشكال الجديدة للاتصال وطريقة تعامل المواطن معها ساهما في تأجيج الثورة ونقلها وهي لغة الشباب فإذا اردنا التطور بالمجتمع واحداث نقلة حضارية وثقافية أعتقد ضرورة انعكاس هذه الثورة علي التعليم ولابد من اعادة الاعتبار إلى الجدل والتفكير والابداع داخل المنظومة التعليمية فهذا الشباب المتعلم الذي أنجز الثورة قادر علي الابداع اكثر اذا ما تطورت المنظومة التعليمية. فالثقافة ليست فقط دراسة الكتب بل هي أعمق من ذلك فهي فهم للواقع وتحديد واضح لطريقة الفعل داخل منظومة عالمية معقدة.
?أريد الآن أن أحدد شكلا خاصا من الثقافة وهي الفنون على اعتبار قربها من الجمهور فماهو دور الفنان في هذه المرحلة؟
بالنسبة إليّ، إنّ دور الفنان مرتبط بالحرية المطلقة للابداع لان غياب الحرية او جعلها تحت اي عنوان يحد من امكانات الابداع والحرية هي الحرية الكاملة أو لا تكون.
?ماهي الأهداف العامة التي يطرحها الفنان علي نفسه؟
ان الحديث عن أهداف يقلص حُرية المبدع، فالفنان فرد والافراد متنوعون، وقد يحدث ان يتجمعوا وهاته المجموعات تنتمي بدورها إلي مجموعات أخري وساعتها يصبح الفن ينتمي إلي تلك المجموعة أما تحديد الاهداف المسبقة فيبدو أمرا غير مستساغ.
?أقصد بالأهداف الدفاع عن القيم العامة مثلا؟
حتى في هذا المجال فإن الفنان ملتزم بقيم عامة دائما وهي القيم الإنسانية والوطنية فلا يمكن مثلا لفنان ان ينادي في أعماله بالقتل او الارهاب. اذا، فقيم الفنان هي ذاتها التي يجتمع حولها المجتمع التونسي. وأوّد العودة إلى مسألة الحرية حيث طلبنا منذ زمن بعيد بإزالة لجنة توجيه المسرح ومحاسبة الفنان وفقا للقانون التونسي أي ان مطلب الفنان هو كسر كل القيود في مجال حرية التعبير والمحاسبة على قاعدة القانون وليس علي قاعدة مصلحة النظام أو السلطة السياسية، أي لابد ان يخرج اختيار موضوع الفنان عن إرادة الحاكم وعن كل جهة اخرى اذا فإن وجود قانون واضح يبعد الفنان عن التجاذبات والتقييمات الأخلاقية والدينية وبعبارة أوضح لا يجب على الفنّان ان يكون مقيدا بممنوعات اخلاقية ودينية واجتماعية وانما عليه احترام القانون القائم.
?هل أفهم من كلامك أن معركة استقلالية المثقف مازالت مطروحة؟
لقد لاحظنا منذ بداية الثورة (لا أعتبرها قد اكتملت) أن عدد من الفنانين قد تعرضوا لاعتداءات ومُنِع عدد منهم من انجاز عروضه واعماله وهو ما يعني وجود مشكل ولابد من تضافر جهود الجميع لان في حرية المبدع مصلحة للمجتمع عمومًا.
?هناك عدد من المواضيع الفنية التي تمثل نقاط خلافيّة بل هي محلّ احتجاج فهل سيغير الفن هوالتونسي من مضامينه؟
لا أعتقد أنّ هناك من المواضيع ما يمثل مشكلا لأنّه وكما قلت في البداية، الفن حر أولا يكون ولا وجود مطلقا لمشكل أخلاقي، وأعلم اننا في مجتمع عربي مسلم وأن هناك منظومة أخلاقية ولكن لا يجب ان تمثل هذه الأخلاق عائقا أمام حرية المبدع ونظرا إلى أنّ الأخلاق هي الوجه الثاني للدين فإني اتخوف من أن تنطلق المحاسبة أو القيود ممّا و أخلاقي لتصل إلى ماهو ديني. وبالنسبة إليّ فإن الدين والأخلاق لا يجب ان تمنع المبدع من فنه بل يجب الاحتكام إلى دستور البلاد وقوانينها وهي الوحيدة المخوّلة لمنع موضوع من عدمه وأنا أطالب ان يحميني القانون في اختياراتي الشخصية التي لا تهم سواي فإذا ما كان القانون يسمح للفنان بتناول موضوع ما او اختيار شكل تجسيد افكاره فلا حق لاحد في منعه وعلي من لا يعجبه الموضوع أو طريقة التجسيد اما المقاطعة او النقد فحرية المبدع لا تتجزأ وفي الاخير فإني اعتقد ان الاصل هو حرية المبدع ووفرة العروض والاعمال وترك الجمهور ليحكم دون وصاية فلا اعتقد ان احدا يزعم الحديث بإسمه وهو حر في اختيار الاعمال الفنية التي تتماشى مع ذوقه.
?هناك من يرى أن الفن التونسي في أغلبه نخبوي فماهو تعليقك؟
لقد طرحت مسألة النخبوية منذ انطلاقنا في مسرح قفصة ثمّ المسرح الجديد وفاميليا ولا أعتقد انه حكم صحيح لأن متابعة العروض التي قدمناها بكل موضوعية تكشف ان الجمهور يحضر بكثافة وبأعداد غفيرة بالآلاف وهو ما يفند مقولة نخبوية الفن التونسي وعلى العموم فلا أعتقد ان هناك نوعا واحدا للفن والفنانون في تونس كي نقول إنّهم نخبويّون أو شعبيّون، إذْ هناك انواع من الفن وأنواع من الجمهور فنحن نقدم نوعية من المسرح وهناك آخرون احترمهم يقدمون نوعا آخر من المسرح ولا أرى في ذلك مشكلاً فلكلّ فنّ جمهوره.
معز بن طالب: بعض المتطفلين أفسدوا صورة المسرح وتونس تعجّ بالطاقات الواعدة
معز بن طالب هو فنان مسرحي شاب ساهم في عديد الاعمال المسرحية الراقية ضمن مجموعة من الشباب اختارت ان تشق الطريق الصعب ضد تيار الاغراءات والدعم فانتخب اعمالا محترمة، التيقناه لنعرف رؤيته للمسرح بعد الثورة وكان معه الحوار التالي:
 بعد بروز السياسي وظهور القراءات المتنوعة للمجتمع ما هي علاقة الفنان بالسياسي؟
الفنان «مثقف» ويجب ان يحمل موقفا تجاه الواقع وله قراءاته به يبلغها من خلال اعماله أما عند وجود علاقة مباشرة بين السياسة والمثقف أعتقد ان ذلك أمر خاص بكل فنان، يمكن القول اذن ان الفنان عموما والمسرحي خصوصا لا ينحسر فهمه واداراك في مجاله الفني فقط بل يتجاوز ذلك الى فهم طبيعة المجتمع والحقوق والواجبات والمبادئ ودور المجتمع المدني، وتنعكس هذه الرؤية على اعماله. وهو ما يتناقض مع بعض الظواهر الغريبة وأتحدث هنا عن المسرح حيث لاحظنا و جود اعمال مسرحية رديئة متسرعة وتعبوية أخذت شعارات الثورة او بعض العبارات الشهيرة وركبت حولها عملا اساء للمسرح والمسرحيين، فاذا كنا قد ناضلنا سابقا من اجل الغاء التوجيه المسرحي وجاءت الثورة لتحقق هذا المطلب فان الغاء الرقابة لا يعني مطلقا الاسفاف والرداءة، بل على العكس من ذلك لابد من الارتقاء بالمسرح وغلق المجال امام المتطفلين اصحاب الاعمال التجارية الرديئة.
وقد استعمل بعض هؤلاء شعارات الثورة كعناوين لبعض الاعمال واعتقد انها ظواهر ستزول سريعا فالفنان يتأثر بمحيطه ويعيش واقعه ولكنه لا يسقط في المباشرتية من ناحية ولا يقدم احكاما نهائية من ناحية اخرى فهو ليس رجل السياسة المطالب بحلول بقدر ما هو ناقل للواقع ويعيد انتاجه في اعمال فنية لابد لها من عمق جمالي.
 اذن يمكن القول إن الفن يرفض الانخراط في السياسي؟
في الحقيقة لا أدعي ان الفن يرفض الانخراط في العملية السياسية ولا أمثل الفن وقد يجيب الفن بنفسه عن هذا السؤال اما ماقلته فهو رأي شخصي وموقفٌ فنيّ مما يحدث وأؤكد ان الفنان لا يجب ان ينغمس الى ان يصبح جزءا من المشهد ومن العملية السياسية كي لا يفقد دوره فالفنان يطرح الظاهرة وما يحيط بها ويترك الحكم للمشاهد او المتلقي اي ان الفن وخاصة المسرح لا يعطي الأجوبة بقدر ما يطرح الاشكالات القائمة.
وفي اعتقادي ان انخراط الفنان في الاحداث الثورية الحاصلة في البلاد يكمن في ان تنسجم الاعمال مع روح الثورة لا ان ترفع شعاراتها كما يفعل البعض من المتطفلين.
 كيف يمكن إعادة هيكلة القطاع الفني وتخليصه من المتطفلين؟
أعتقد ان القطاع الفني متجه بخطى ثابتة الى ازاحة هؤلاء عبر ما يقدمه من اعمال والحقيقة ان دور الفنان لم يقتصر على الجانب الفني بل تعداه الى المشاركة الفعلية في الاحداث وقد كانت النقابات الفنية عموما أفضل اطار لمساهمة الفنان في «ثورة الشعب» وقد كانت عديد الوجوه الفنية حاضرة بقوة اثناء الثورة في مختلف التحركات وهو ما يمثل في نظري احد مقاييس الفرز بين الفنان الملاصق بهموم شعبه في الممارسة اليومية والمبدع في فنه وبين المتطفلين الذين يتخلون عن واجبهم ازاء الشعب ويقدمون في المقابل اعمالا لا تصلح الا للضحك على الذقون والركوب على الاحداث.
 كيف يمكن للفنان أن يساعد المجتمع على الفرز السياسي والقيمي في هذه اللحظات التاريخية المليئة باللخبطة؟
لا أعتقد ان دوره في هذا المجال مباشر، ولكن دوره يكمن في الانحياز للقيم النبيلة وللعدالة والحرية والديمقراطية والحداثة، وأعتقد ان في جيلي عدد من الشباب ممن طرحوا على أنفسهم أداء رسالتهم الفنية الهادفة والمنحازة للقيم المذكورة وهي مهمة شاقة حيث اختار هؤلاء الطريق الأصعب وتجاهلوا الحلول السهلة وأذكر هنا غازي الزغباني وصالح حمودة وآخرين ممن تمسكوا برسالتهم الفنية رغم نقص الامكانيات وفتحوا فضاءاتهم الخاصة بامكانيات متواضعة وقدموا داخلها أعمالا محترمة بل وتجاوزوا بذلك ليحتضنوا زملاءهم الأحدث تجربة واعتقد ان هذا هو جوهر الرسالة الفنية والمتمثلة في التمسك بتقديم فن محترمٍ جماليًا ومضمونيًا وهو ما سيساعد شعبنا على الفرز اثر طرح الظواهر واثارة التساؤلات ودفع الجمهور الى التفكير.
غازي الزغباني: الفنان صاحب مشروع لا يتأثّر بواقعه السياسي والثورة خلقت مجالا من الحرية لابد من حسن توظيفه
يعمل غازي الزغباني بصمت ويقدّم إضافة بهدوء إلى المشهد المسرحي التونسي. اختار أن يخوض تجربته الخاصّة مبكرا فأنشأ فضاءه الخاص. هذا التحرّر من القيود المادية جعله يتحرّر بفنّه ويتجرّأ بكتابة نصوص مسرحية تركت جانبا كلّ مظاهر التهريج والعبث.
? ماهو الدور الذي يطرحه المثقف على نفسه بعد ثورة 14 جانفي؟
الأكيد أنّ هناك تغييرًا حاصل في كل المجالات فالشارع والمواطن والدولة تغيّروا وأعتقد أنّ الفنّان يتغيّر كثيرا خاصة إذا كان له خط سير واضح فإنّ عمله بعد 14 جانفي لا يختلف عن عمله ما قبل هذا التاريخ ولكن أعتقد أنّ مساحة الحرية الأوسع ستدفعه إلى مزيد العمل والاجتهاد فالفنان يمكن أن يكون الرقيب والموجّه للمجتمع وهو ما يدفعه إلى مزيد الحذر والاجتهاد في هذه الفترة خاصّة أنّ المجتمع هو في حاجة الى الفنان الآن أكثر من أي وقت آخر وعموما فإنّ المجتمع في حاجة الى الثقافة بشتى أنواعها.
ما يمكن أن يتغيّر في المجال الفنّي بعد 14 جانفي هو أنّه ربّما قد تزال تلك الخطوط الحمراء بما يسمح للفنان بالتطرّق إلى كل المواضيع خاصّة أنّ المواطن العادي أصبح شديد الاطلاع والإلمام ومدرك للحقائق غير أنّ هذا قد يعقّد مهمّة الفنان في اختياره المباشراتية أي على الفنّان الاعتناء أكثر بالنواحي الجمالية للعمل.
? على ذكر المواطن العادي يرى البعض أنّ المسرح التونسي يبالغ في التجريد فهل يمكن له أن يؤثر على المواطن البسيط العادي؟
في الحقيقة، ليس كلّ المسرح تجريديًّا فالمسرح أنواع غير أنّه في بعض الأحيان ينساق الفنان إلى تجربة معيّنة فيوغل في التجريد ويبتعد قليلا عن المواطن العادي وأعتقد أنّه على الفنان الأن أن يلامس هموم المواطن وأن يتطرّق الى مواضيع تمسّ المواطن بصفة مباشرة وهي مسؤولية ضمن رسالة الفنان الذي يجب عليه الاقتراب من كل فئات المجتمع.
? كيف يمكن أن تقدّم مسرحا يلامس المواطن دون السقوط في الإسفاف والشعبوية؟
هذه هي تحديدًا مسؤولية الفنان وخاصة مسؤولية الكتاب ويجب على الأقلام أن تتحرّك لكتابة نصوص مسرحية تمسّ كلّ فئات المجتمع وتحافظ على جماليّة المسرح وَرُقيّه لأنّه يُخشى من الحرية والمباشراتية أن تحملنا إلى الثّلب والاسفاف والتعدّي على الناس.
? هل يمكن للفنّان أن يكون محايدا وأن يعلو على الحساسيات الحزبية والسياسية؟
في اعتقادي إنّ الفنان يجب أن يكون محايدا رغم أنّه سياسي وله قراءاته الخاصة ورؤيته وتنبؤه للوضع السياسي والاجتماعي ولكن لابدّ له من الحياد على الأقل في الفترة الحالية، باعتبار حساسية دوره وأعتقد أنّه لا يعلو على الأحزاب بقدر ماهو مطالب بأن يقدّم قراءة لهذه الأحزاب وأن ينقلها في فنّه.
? من المحتمل أن يحيد «السياسيون» عن مبادئ الثورة وأن تغلب عليهم النزعة الانتخابية فماهو دور المثقف إزاء هذا الوضعية المحتملة؟
لا أعتقد أنّ للفنّان دورًا في المجتمع خارج قراءة الواقع ونقده والتنبيه إلى الانحرافات وقد تكون نقطة سلبية إذا لم يظهر السياسي في عمله خاصة في المرحلة الحالية والمثقف مسؤول تجاه المجتمع في هذا المجال عبر تفكيك الواقع والتذكير بالقيم والمبادئ والتفطّن إلى المخاطر والتّحذير منها.
? هل ننتظر فن ما بعد الثورة أم أنّ للفنان رسالة خالدة لا تتأثر بالأحداث؟
كما قلت منذ البداية إنّ للفنّان عادة خط سير واضح ولا أعتقد أنّه قد يغيّر مساره. وإذا كان الفنّان سيتأثر بواقع تونس الجديد فإنّي لا أعتقد أنّ ذلك سيظهر حالا. وأعتقد أنّه من التسرّع أن يحاول الفنان أن يقدم حينيا أعمالا تواكب الثورة.
وأعتقد أيضا أن أوكد مهام الفنان هي المحافظة على ما حقّق وأنجز فالأمور ليست بالوضوح الذي يتصوّره البعض وقد تحدث التراجعات أو الانتكاسات وقد يعود واقع الحرية إلى ما قبل 14 جانفي لذلك فإنّ الفنان شأنه شأن باقي الغيوريين على تونس رغم، حساسية موقعه، مطالب بأن يدافع عن هامش الحرية وأنّ بوسعه خاصة بعد الانتخابات عندما تصبح الأمور السياسية أكثر وضوحا وعندما تكون قرارات الحكومة نهائية وواضحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.