الذين يعتقدون أن روح السيدة التونسية العظيمة «ديقاج» قد صعدت إلى السماء بمجرّد أن أقلعتْ طائرةُ بن علي باتجاه السعودية واهمون على طول الخطّ.ذلك أن «ديقاج» لا تعني «ارحلْ ثم عُدْ إلينا عندما نأذنُ لك بذلك»، ولا تعني، كذلك، «لم نعُدْ نحتاجك أنت وعائلتك وعصابتك.. المهمُّ أن يأتي حاكمٌ آخر وعصابةٌ أخرى» بل تعني «إن صمتنا وخوفنا كانا سببَ تسلّطك ودكتاتوريتك وسيكونان سبب تسلّط ودكتاتورية من يأتي بعدك..خصوصا إذا كان متشبّها بك». لقد أثبتت الثورة التونسية أن الشعب الثائر يمكنُ أن يتدبّر حياته من دون سلطة حتى وان تطلّب الأمر الصبر والنضال مئات السنين، إلى حين عثوره على سلطة تطابق تطلعاته وتخدم أهداف ثورته. والمتأمل في أهداف الثورة التونسية لا يعثر على» أقمْ صلاتك قبل مماتك» بجانب مطلب الكرامة ولا يجد «طلع البدر علينا» تحاذي مطلب الحرية، ولا يستطيع أن يُقيمَ دليلا واحدا على أن الحقّ النقابي متعارض مع شرعية الحكومات. في الآفاق المسدودة للاجتماع والاقتصاد والسياسة لا يبقى أمام التونسيين،المغدورين في ثورتهم،سو ى عملة وحيدة غير قابلة للصرف في دكاكين الصيارفة،هذه العملة التي صكّوها بدمائهم وذكائهم، هي ببساطة: ديقاج. والمتتبّع للشأن التونسي، منذ بداية الثورة وحتى هذا اليوم، يلاحظ أن لكل يوم «ديقاجَهُ»المخصوصة: ديقاج ضد الخطب الديماغوجية. ديقاج ضد الوعود الكاذبة. ديقاج ضد من يعتبر العبودية مرادفا للحرية. ديقاج لكل من يقول: «مكّنُونا من وقت كافٍ» وفي ذهنه: «دعونا نضمنْ فوزَنا في الانتخابات القادمة بدَلَ إيجاد حلول لمشاكل الناس». يعرف الثوار التونسيون أن «ديقاج» ليست الحلّ الأمثل لتيسير متطلّبات حياتهم، ومع ذلك يُصرّون على عدم التفريط في هذا الفيتو التونسي حتى لا يستعْبدهم أحدٌ في المستقبل. في المقابل، لا يعرف حكّام تونس الجدد أن»تفضّلْ» هي المخرج الحقيقي من مأزق «ديقاج»، وأنّ «تفضّلْ»، هذه، يجب أن تكون مقرونة بكثير من القبول والكياسة وليس بقوّة الشرعية الفاقدة للمشروع. في تونس ،في السابع عشر من ديسمبر 2010 ، وُلدت السيدة «ديقاج» العظيمة.. فمن الذي في مصلحته أن تموت، أو أن تُغْتالَ، أو أن تُلْغَى من ديباجة الدستور، وهي لم تبلغ،بعْدُ، الحوْليْنِ ؟ من الذي لا يزالُ ،في ربوعنا،يُؤمِنُ بوَأْدِ البنات ؟؟ السادس من مارس 2012