منذ رحل بن على وبدأت الناس في استيعاب ما حدث في تونس واتفق الجميع على الحديث عن ثورة وأدلى الكل بدلوه في الملفات التلفزية والإذاعية وحتى في الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية انطلق جدل كان خفيا وأصبح اليوم معلنا و يشنج كل المتدخلين في الندوات الفكرية والأدبية وحتى في اللقاءات التي تنظمها الأحزاب والهياكل الثقافية بصفة عامة. هذا الجدل يخص مصطلح "ديقاج" الذي قيل للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن على يوم 14 جانفي 2011 واستحق على إثره صفة "المخلوع". "ديقاج" زمجر بها التونسيون واطردوا بها وزجروا "بن على" حملت وقتها شحنة تعبيرية مكثفة ودقيقة تدل على إنهاء العلاقة وإغلاق باب الحوار للتعبير عن قمة الحنق والغضب والوصول إلى مرحلة اللاعودة واللاّتراجع عن الموقف والرفض التام لا للأعمال والمواقف فحسب وإنما أيضا للشخص. و»ديقاج» كلمة ناسفة تقال لمن أساء لكل من في البيت فوقفت السلطة الحقيقية لتضع نقطة نهاية لأعماله المشينة والتي لا تغتفر . هذه الكلمة قالها سكان العاصمة صباح الجمعة 14 جانفي الماضي عندما وقفوا أمام المدخل الرئيسي لوزارة الداخلية وهو نفس المكان الذي تمت فيه مبايعة بن على والقبول بعملية إقالته للرئيس الأسبق منه الحبيب بورقيبة. «ديقاج « تعني لقد خنت ثقتنا وأسأت لأهلنا ونحن نخلعك كما صادقنا على إعلانك لنفسك رئيسا. أما الجدل حولها فيكمن في مصدرها ولا أعني اللغوي حيث يعلم الجميع أنها مصطلح فرنسي. وإنما المقصود بمصدرها هو ما يطرحه البعض من انه استخباراتي أمريكي وافد لتوجيه ثورتنا ووضع لبصمة تاريخية فيها. وهذا المعطى يمكن دحضه ببساطة لان الاستخبارات الأمريكية كان الأولى لها ان تبث في تلك الآلاف المؤلفة من الجموع الرافضة والحانقة المصطلح الانقليزي «آوت» وهو أسهل ويحيل أكثر على البصمة التي كانت أمريكا تحرص عليها ولكن ولان الأمر تحدد بسرعة فإننا يمكن ان نقول أنها لم تقرأ له حسابا خاصة بعد ان تبنت الثورات العربية اللاحقة (مصر واليمن خاصة ) مصطلح «ديقاج» ونحن نعلم ان اللغة الثانية فيها هي الانقليرية وليست الفرنسية كما هو الحال في تونس. وكلمة «ديقاج « قالها سكان العاصمة سواء الذين عرفوا باسم « البلدية « أو تلك الفسيفساء القادمة من كل شبر في الجمهورية التونسية ممن لهم مستوى تعليمي أدنى يخول لهم فهم المصطلح واستعماله في مكانه. هؤلاء كانوا شيبا وشبابا.. نساء ورجالا لغتهم اليومية مزدوجة عربية وفرنسية وهؤلاء هم سكان العاصمة الذين هالهم ما جرى في تونس منذ أحداث الحوض المنجمي 2008 فأضافوه لما يعانونه من ظلم وإقصاء وأحسوا عندها بضرورة وضع حد لوضعية لا إصلاح فيها بعد أن اقتنعوا بآراء الأهل والأقارب في داخل الجمهورية وصادقوا على قرارهم الاستغناء عن خدمات رئيس خائن أمر بقتل الأهل بعد ان نهبهم وساهم في تجويعهم. إذن مصطلح «ديقاج « حتى وان كان أعجب العرب فتبنوه والأجانب فنسبوه لأنفسهم هو في الحقيقة نابع من ثقافة عربية فرنسية مزدوجة عرف بها سكان العاصمة عامة وهو تأكيد على أنهم قالوا كلمتهم في هذه الثورة التي يسعى البعض لإقصائهم منها بشتى السبل ومن بينها القول بأنه مصطلح استخباراتي أمريكي. علياء بن نحيلة