في كلّ 30 مارس من كلّ سنة يحتفل شعبنا في فلسطين وفي الوطن العربي مع أحرار العالم ب.. ويتميّز احتفال هذه السنة بطعم ثورات وانتفاضات في أقطار عربية عديدة دشنتها تونس بكنس أعتى الدكتاتوريات وامتدّت إلى مصر واليمن والبحرين وليبيا وسوريا.. وكنّا نتمنّى أن تمتدّ إلى كلّ شبر من هذه الأرض العربيّة حتّى تكنس كلّ الأنظمة العربية التي عانت أقطارها من بذاءة دكتاتوريتهم وقبح استبدادهم ومن وقاحة ارتباطهم بالاستعمار قديما وحديثا. يتجدّد في ظلّ ثورات وانتفاضات نجح بعضها نسبيا في وضع بعض أسس الانتقال الديمقراطي وفشل الآخر، ويصارع البعض من أجل استكمال المهام الثورية وقُطِعَ الطريق على البعض الآخر... الكثير من هذه الاخفاقات كانت لأسباب داخلية زادها التدخل الخارجي اخفاقا على اخفاقٍ كالعادة.. فئات حاكمة تريد أن تبقى في الحكم وأخر ى ترنو إلى الحكم فتسعى قبل إرضاء شعوبها ولا يشغلها ذلك كثيرا إلى إرضاء القوى العظمى مقدمة لها التطمينات الكافية والضمانات اللازمة للحفاظ على مصالحها في ظلّ حكمها، ولعلّ أهمّ التطمينات وأكبر الضمانات هي: حماية الكيان الصهيوني اللقيط والحفاظ على وجوده على الأرض الفلسطينية والدفاع عن حدوده التي وضعها الاستعمار منذ مطلع القرن السابق. قد يكون هذا القول تجنيا، لكن ماذا يعني أن تتعهّد الأطراف الحاكمة في مصر ما بعد مبارك بالابقاء على جميع المعاهدات بما فيها الاعتراف «بدولة اسرائيل»... وماذا يعني أن يلعلع رصاص «المجاهدين» وتدوّي قنابلهم في شوارع حمص ودمشق وحماة وفي مقاطعات من اليمن وفي الزنتان وطرابلس وغيرها ويكدّس السلاح في تونس... ولا نسمع طلقة واحدة على الحدود مع هذا الكيان الصهيوني الذي يغتصب الأرض منذ عقود ويهجر الأهل ويغتال المقاومين ويدمّر المخيّمات ويأسر آلاف المناضلين ويعربد في البلاد العربية طولا وعرضا؟ لعلّ هذه إحدى بركات الثورات والانتفاضات العربية: أن كشفت الزيف وعرّت الأقنعة... إنّ الأرض معادلة صعبة عند البعض: هم يعيّرونها ذهبا أو نفطا أو أرصدة أو مراكز... كلّ حسب شهواته ورغباته... يقايضونها ببرود وهدوء كما يقايضون ثمرها من غلال وخضر وماء ومعادن... ليست الأرض عندهم إلاّ سلعة... يسخرون منك لأنّك تتحدّث عنها بوصفها قيمة ثابتة لا تخضع إلى معيار «أرضي» فتبدو لهم ديناصورًا منقرضًا أو في طور الانقراض «لا يعيش عصره ولا يواكب متطلّباته».. لذلك يأتون كلّ الشطحات: صفقات وسمسرة ومناورات.. فلا أرض ولا تاريخ ولا عِرضَ يقف أمام رغباتهم... ولمّا كانت الحريّة والكرامة من أهمّ شعارات الثورات والانتفاضات العربية فقد وجب أن تقترن الكرامة أكثر من أي وقت مضى بالأرض وأن تتصّل الحريّة، أشدّ الاتصال بتحرير الأرض: تلك هي إرادة الشعوب الثائرة منذ 14 جانفي 2011.