كانت نساء تونس تأمل أن تمثل الثورة دعما لمكاسبها وتطويرا لها في اتجاه المساواة التامة والفعلية، غير أن عديد المستجدات تبعث على القلق والحيرة لأنها تنبئ بالتراجع عن مطالب الثورة وأهدافها إلى جانب طرح مشاكل جانبية تهدد مكاسب المرأة التونسية منها السؤال عن مشروعية المكتسبات المتحققة ومدى مطابقتها للشريعة الإسلامية. هذا ما يدعو المرأة إلى ضرورة اليقظة لحماية مكاسبها والنضال الميداني لتطويرها. ويتطلب ذلك أولا وعي المرأة بحقوقها التي يجب تضمينها في الدستور الجديد لبلادنا وثانيا معرفة الشروط الضامنة لها. تتمسك المرأة التونسية بحقوقها السياسية والمدنية المتعلقة بالحريات الفردية والعامة إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. تعد هذه الحقوق الضامنة الفعلية للمواطنة في دلالتها العالمية التي تنفي التمييز على أساس الجنس أو الدين أو العرق أو اللون أو اللغة أو الانتماء الاجتماعي أو الايديولوجي. كما تتمسك المرأة التونسية بمجلة الأحوال الشخصية التي تضمن تحديد سن الزواج وحق اختيار الزوج ومنع تعدد الزوجات ومنح المرأة حق المطالبة بالطلاق وحق حضانة الأطفال و تمثل هذه الحقوق بابا من أبواب حقوق الأسرة. كما تريد المرأة تدعيم هذه المكاسب وتطويرها بالاستناد إلى الاتفاقيات الدولية وتضمينها في الدستور ومن بينها اتفاقية حماية الأمومة واتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية تجريم العنف ضدها. ومن أهم المبادئ التي يجب تضمينها في الدستور هو مبدأ مدنية الدولة الذي يقتضي نظريا عقلنة الفعل السياسي من منطلق أنه شأن مشترك وليس شأنا خاصا لذلك المطلوب توحيد القوى والتصورات على قاعدة الاتفاق الذي بمقتضاه يضع كل فرد داخل المجتمع شخصه وماله من قوة أو كامل قدراته تحت تصرف القيادة العليا أو الإرادة العامة المعبر عنها بسيادة الشعب وسلطته مقابل أن يعامل بصفته عضوا من الجسم السياسي فيرقى بوجوده من مجرد فرد إلى اعتباره مواطنا وشريكا فاعلا في الحياة السياسية. كما يقتضي مبدأ مدنية الدولة عمليا ضمان حرية المعتقد إذ أن اعتناق المذاهب الدينية حرية فردية وشأن خاص لا يعود تحديدها إلا إلى الفرد ذاته ولا يمكن للدولة فرضها على المواطنين. ويعود لهؤلاء حق اختيار عقائدهم ويكون من واجب الدولة ومؤسساتها حماية هذا الحق وضمانه ومنع أي اعتداء عليه.كما أن وزارة الشؤون الدينية في الدولة المدنية ليست وزارة لدين بعينه أو شريعة بذاتها بمعنى ليست وزارة للدين الإسلامي فقط ولا وزارة للإسلام السني فقط بل واجبها حماية حق معتقدات كل المواطنين من منطلق أن الدين للّه و الوطن للجميع. من ثمة فإن طرح مشكل المبادئ التي يجب تضمينها في الدستور الجديد للبلاد التونسية يرتبط بمشكل المشروع المجتمعي الحقيقي الذي يجب الدفاع عنه. لذلك فإن محاولة تضمين الشريعة في الدستور لا يمكن أن يوحي إلا بوجود نية للالتفاف على المشروع المجتمعي الحداثي الذي استقر في تونس بعد150 عاما من الحركة الإصلاحية وأكثر من نصف قرن من بناء الدولة الوطنية. وعليه تتأتى الضرورة للمحافظة على الفصل الأول من الدستور القديم الذي صدر عام1959والذي ينص على أن «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها و الجمهورية نظامها» بما هو قاعدة صلبة لوفاق وطني بين هياكل المجتمع المدني والسياسي ويجنبنا الدخول في معارك وهمية وإحداث الفتنه داخل المجتمع والتآمر على الشعب واستهداف لمكاسب المرأة . غير أن السؤال المطروح هل يكفي التنصيص على الفصل الأول من الدستور حتي نطمئن على مكاسب المرأة في تونس وعدم المساس بها؟