منذ الإعلان عن برمجة الدورة 59 لمهرجان الحمامات الدولي في مطلع جويلية الماضي، كان اسم الشاب مامي يتصدر قائمة الحفلات الأكثر انتظارا، في ظل شغف جماهيري متواصل تجاه أحد أبرز رموز موسيقى الراي. ولم يكن مستغربا أن تمتلئ المقاعد قبل انطلاق العرض بوقت طويل، فهذا الفنان الجزائري الذي راكم 45 عاما من العطاء الفني ما يزال يحتفظ بجمهور واسع من مختلف الأعمار والفئات. والأكثر رمزية أن هذه العودة تأتي بعد غياب عن ركح الحمامات دام أكثر من عقد منذ آخر حفل أحياه في صيف 2014. وعلى مدارج مسرح الهواء الطلق بالحمامات، عاش الجمهور في سهرة الجمعة 8 أوت أجواء موسيقية لا تهدأ على امتداد 90 دقيقة. قدم خلالها الشاب مامي 14 أغنية من أشهر أعماله، فكان صوته ثابتا بلا نشاز وحضوره متوهجا كما عهده جمهوره. وقد مثّل العرض رحلة موسيقية ممتدة بين بداياته الأولى وإنتاجاته الحديثة، وبين أنغام الراي التقليدية والإيقاعات المعاصرة. فقد أطلّ "أمير الراي" بثقة كبيرة وحضور آسر متنقلا على الركح بخفة ونشاط مبديا تفاعلا كبيرا مع الجمهور الذي حضر بكثافة لا فقط ليستمع الأغاني وإنما أيضا ليعيش تجربة لقاء حية مع فنان شكّل جزءا من ذاكرة أجيال. وقد جاء برنامج العرض مختارا بعناية للجمهور التونسي، فاستهل الأمسية بأغنية AZWAW، وتلتها روائع LET ME CRY وMA VIE 2 FOIS وLAZRAG وMADANITE، ثم لحظات الشجن مع DOUHA وBLADI، قبل أن يعود إلى الإيقاعات الراقصة عبر MAMAZAREH وHAOULOU وFATMA، ليختتم الليلة بأغنية ZARARTOU وسط تصفيق صاخب وهتافات تطالب بالمزيد. وكان الحفل بمثابة جسر يصل بين الكلاسيكيات التي رسخت شهرته والأعمال الجديدة التي عززت حضوره العالمي، ليبرهن الشاب مامي من خلال هذا المزيج أنه يعرف كيف يحافظ على جمهوره ويجدده محتفظا بصوته وأسلوبه ورسائله الفنية، ليبقى أحد أبرز سفراء الراي في العالم. الشاب مامي من مواليد سنة 1966 في مدينة سعيدة جنوبوهران حيث بدأ مسيرته الفنية باكرا. وشكل مهرجان مرسيليا سنة 1986 نقطة تحوّل كبرى في حياته، إذ لمع اسمه كأحد مجددي الراي وأصبح أول فنان من هذا اللون يسجل ألبوما في فرنسا فاتحا بذلك الأبواب أمام جيل جديد من الفنانين المغاربة. كما امتاز مامي بقدرته على المزج بين الإيقاعات الشرقية والغربية وتعاون مع أسماء عالمية مثل "ستينغ" و"زوكيرو" و"سميرة سعيد"، وهو ما رسّخ مكانته كفنان عابر للحدود الثقافية.