لجنة كسر الحصار عن غزة.. أسطول بحري جديد يبحر بتاريخ 24 سبتمبر من ايطاليا    مناقشة مقترح النظام الاساسي للصحة    مصطفى عبد الكبير: "معلومات شبه مؤكدة بوجود المفقودين في مركب هجرة غير نظامية غادر سواحل صفاقس الاثنين الماضي، في التراب الليبي"    بوعرقوب: انطلاق موسم الهندي الأملس    انخفاض في جرحى حوادث المرور    مصر تعلن تَأَثّرها بالهجوم السيبراني على مطارات أوروبا    رابطة الأبطال ...الترجي بخبرة الكِبار والمنستير لاسعاد الأنصار    كاس الكنفدرالية: الملعب التونسي يفوز على الجمعية الثقافية نواذيبو الموريتانية 2-صفر    تونس تشارك في بطولة العالم لألعاب القوى لحاملي الاعاقة بالهند من 26 سبتمبر الى 5 اكتوبر ب11 متسابقا    منوبة : انتشال جثتى شقيقين حاولا انقاذ كلبة من الغرق    أولا وأخيرا... سعادتنا على ظهور الأمّهات    تونس ضيف شرف مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي: درة زروق تهدي تكريمها إلى فلسطين    في تظاهرة غذائية بسوسة ...«الكسكسي» الطبق الذي وحّد دول المغرب العربي    عاجل: إيقاف اكثر من 20 ''هبّاط'' في تونس    وزير خارجية ألماني أسبق: أوروبا مجبرة على التفاوض مع تونس بشأن ملف الهجرة    عاجل: إنهيار سقف اسطبل يتسبب في وفاة شاب وإصابة آخر    عاجل: الأمطار تعمّ أغلب مناطق تونس خلال الفترة القادمة    الكاف.. معرض لمنتوجات المجامع الفلاحية    شبهات فساد تُطيح بموظّفين في بنك الدم بالقصرين: تفاصيل    العائلة والمجتمع: ضغوط تجعل الشباب التونسي يرفض الزواج    عاجل: شيرين عبد الوهاب أمام القضاء    جمال المدّاني: لا أعيش في القصور ونطلع في النقل الجماعي    كل نصف ساعة يُصاب تونسي بجلطة دماغية...نصائح لإنقاذ حياتك!    التيار الشعبي يدعو الى المشاركة في اضراب عالمي عن الطعام دعما لغزة    التنس: تأهل معز الشرقي الى نهائي بطولة سان تروبيه للتحدي    كرة اليد: منتخب الصغريات يتأهل إلى نهائي بطولة افريقيا    بنزرت: تنفيذ اكثر من 80 عملية رقابية بجميع مداخل ومفترقات مدينة بنزرت وتوجيه وإعادة ضخ 22,6 طنا من الخضر والغلال    مسرحية "على وجه الخطأ تحرز ثلاث جوائز في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي العربي    "أمامكم 24 ساعة فقط".. كبرى الشركات الأمريكية توجه تحذيرا لموظفيها الأجانب    تحذير هام: تناول الباراسيتامول باستمرار يعرّضك لهذه الأمراض القاتلة    هذا ما تقرّر ضد فتاة أوهمت شبّانا بتأشيرات سفر إلى الخارج.. #خبر_عاجل    عاجل: وفاة عامل بمحطة تحلية المياه تابعة للصوناد في حادث مرور أليم    عاجل/ بينما كان في عمله: إستشهاد عائلة مدير مستشفى الشفاء في غزّة    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    زغوان: غلق مصنع المنسوجات التقنية "سيون" بالجهة وإحالة 250 عاملا وعاملة على البطالة    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    كتائب القسام تنشر "صورة وداعية" للأسرى الإسرائيليين إبان بدء العملية في غزة    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    "يوتيوب" يحظر حساب مادورو    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    استراحة «الويكاند»    عاجل/ البنك التونسي للتضامن: إجراءات جديدة لفائدة هؤلاء..    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين، الدولة والهوية في سياق الانتقال الديمقراطي
في منتدى الجاحظ
نشر في الشعب يوم 07 - 04 - 2012

نظّم منتدى الجاحظ يوم السبت 31 مارس 2012 محاضرة حول :«الدين والدولة والهوية في سياق الانتقال الديمقراطي» قدّمها الباحث المغربي الدكتور جمال بن دحمان وحضرها جملة من المثقفين والباحثين والصحافيين من ضيوف وأصدقاء المنتدى، وقد تواصل هذا اللقاء الفكري لأكثر من ثلاثة ساعات تخللتها نقاشات مستفيضة بين الدكتور بن دحمان وبقية الحاضرين.
في بداية محاضرته نوّه الدكتور بن دحمان بالعلاقة النفسية والمعرفية التي تربطه بمنتدى الجاحظ الذي زاره في مناسبات سابقة، مؤكدا على المكانة المعرفية التي يحتلها هذا المنتدى على المستوى المغاربي والعربي حيث احتضن عديد الندوات الفكرية منذ تأسيسه، وعبر عن الشرف الذي ناله بتقديم هذه المحاضرة في تونس بعد الثورة.
قارب الدكتور بن دحمان المسألة من خلال ثلاثة جوانب رئيسيّة هي: الجانب الاوّل سياق الانتقال الديمقراطي بالتركيز على الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها، الجانب الثاني كان عبارة عن اجابة عن سؤال ثقافي له امتدادات سياسية وهو: كيفية التعامل مع قضايا الهوية بما في ذلك الدين؟. أمّا الجانب الثالث فتمثل في تقديم نموذج للمقارنة قابل للقياس وهو النموذج المغربي، وعن كيفية تعامله وخاصة في السنوات الاخيرة مع موضوع الدين والهوية الذي تجلى بشكل عام في الدستور الجديد الذي تم الاستفتاء عليه في أواخر سنة 2011.
سياق الانتقال الديمقراطي:
افتتح الدكتور بن دحمان محاضرته بافتراض سؤال بديهي: هل يوجد في العالم نموذج محدد للانتقال الديمقراطي؟ وخلص الى الاستنتاج من خلال الدراسة المقارنة للتجارب الانتقالية الى انه لا يوجد نموذج أو نمط أومثال واحد محدد يمكن ان يعتمد؟ مؤكدا أن البحث في هذا الموضوع أعطى علما يسمى «علم الانتقاليات» أكد عدم وجود نموذج واحد بل وجود عدة نماذج متعددة وكثيرة جدا، مثال نموذج اسبانيا وجنوب افريقيا وأمريكا اللاتينية وهي كلها نماذج مختلفة، لأن كل نموذج أجاب عن أسئلة كهذه وفق مقتضيات ما يصطلح عليه بالخصوصيات والاسئلة الملحة الداخلية، وهو ما يعني انه من ناحية التأصيل الثقافي للمفهوم يمكن لكل مجتمع ان يؤسس لتجربة معينة بناء على أجوبة معينة لطبيعة الاسئلة المطروحة في ذلك المجتمع.
انطلاقا من هذا التحديد استنتج بن دحمان أنّه لا يوجد نمط أو مثال واحد معين يمكن اعتماده من طرف الجميع، لأنّ الانتقال الديمقراطي عبارة عن مسار يخضع لمنعرجات ومطيات وإعاقات تحتاج أفقا زمنيا لتحقيقه أو الاخفاق فيه، فالعملية تحتاج الى مراعاة العامل الزمني الاساسي.
المرتكزات السبعة لتحقيق الانتقال الديمقراطي
ذهب المحاضر الى وجود خلاصات عامة عن عملية الانتقال الديمقراطي، تتمثل في سبعة محددات وعناصر اساسية مرت بها كل الدول التي عرفت الانتقال الديمقراطي وهي كالآتي:
1 التميّز بطابع ضبابي:
وتتمثل في تعدد وتشعب المطالب (اقتصادية اجتماعية سياسية وثقافيةّ) بحيث يصبح المشهد العام عائما وهو ما سيترتب عنه الالتجاء للتفاوض والاضطرار الى النتازلات بحكم اختلاف وجهات النظر بين الاطراف الاجتماعية والسياسية، ويتم هذا التفاوض داخل سقف مجتمعي، وقد يؤدي الى تنازلات مؤلمة تنتج عن التدافع بين المواقف ووجهات النظر.
2 فقدان الثقة في المؤسسات:
في هذه المراحل عادة ما يكون هناك تشكيك كبير جدا في المؤسسات بكل أشكالها الرسمية نظرا للتراكمات السلبية للمراحل السابقة مما يخلق إمّا نوعا من اللامبالاة قد تتجلى في عدة مظاهر يعتبر تدنّي نسبة المشاركة في الانتخابات الأولى واحدة منها، أو نوعا من الاهتمام المطلق الذي يجعل الجميع يعتقد بأن له القدرة على تحليل الوضع السياسي والاجتماعي، فالجميع تصبح لهم القدرة على الوصف والتحليل واقتراح للبدائل.
3 التدافع من أجل التموقع:
الذي يؤدي الى تناسل وتعدد الهيئات الحزبية والمنظمات المدنية في المجتمع لأن المرحلة السابقة عادة ما تكون قد تميزت بما يسمى «بيداء التسلّط « وهذا التعدد والتشعّب قد يبدوا ايجابيا من زاوية الاهتمام ولكنه قد يكون تعبيرا عن مراهقة سياسية مجتمعية في حاجة في مرحلة أخرى متقدمة إلى ترشيد وعقلانية ووظيفيّة اكبر.
4 إعادة اكتشاف الذات:
يؤكد الدكتور بن دحمان على أنّه خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي تبرز في المجتمعات قضايا ظلت مكتومة الصوت مثل قضايا الهويّة بحيث تكون في هذه المرحلة في قلب النقاش الهويّاتي المتعلقة بقضايا الهوية والدين واللغة والجماعة وخاصة اشكالات اعادة بناء الذاكرة الجماعية بمعنى اعادة كتابة التاريخ، لذلك فان واحدة من المهام التي تم القيام بها في التجارب الكونية للانتقال الديمقراطي هي اعادة بناء الذاكرة حيث يتدخل المؤرخ ، لأن التاريخ تواريخ في كل مرة نضخم من قراءة معينة للتاريخ وبنخس من قراءة اخرى. كما تطرح بقوّة قضية وظيفة الدين في المجتمع وفي الحياة السياسية عبر ثنائيّة الدين والدولة (دور الكنيسة في جنوب افريقيا في الانتقال الديمقراطي من خلال فكرة التسامح ودورها في انجاح المسار الديمقراطي في أوروبا الشرقية). لذلك يؤكد بن دحمان عدم الاستغراب من طرح مثل هذه القضايا في مجتمعاتنا بعيد الثورات كطرح سؤال يبدو للجميع مفتعل وهو سؤال «من نحن؟»، أو بروز تجاذبات حادة بين تصورات ذات ابعاد ثنائية مثل اسلامي وعلماني وكذلك دولة دينية ودولة مدنية والخوض في مفهومي الكوني والخصوصي والبحث في أيهما أولى وكيف ننجز التعايش بينها على المستوى الحقوقي والقيمي؟. ويستدر بن دحمان الى التأكيد الى أنّ كل هذه المرتكزات تؤدي الى مشكل غياب السؤال الحقيقي الذي يجب ان يطرح اثناء الانتقال الديمقراطي وهو سؤال : من هو الديمقراطي ومن هو غير الديمقراطي؟ الذي يغيب عندما نكون ازاء نقاش حول هذه التصورات ذات الأبعاد الثنائيّة. وهذا السؤال يعدّ أساسي بنظر بن دحمان لأن الديمقراطية قادرة أن تقدم إجابات عن كل هذه التساؤلات.
5 بروز الطموحات الفردية والجماعية:
وابرز المحاضر ذلك من خلال حالة التناسل الحزبي والجمعياتي التي يكون دافعها في بعض الاحيان دافع غير موضوعي، معتبرا أنه قد يكون بدافع ذاتي مثل الزعامة والقيادة التي تتحول الى دوافع اساسية، أما على الجانب الجماعي فتبرز حسب تفسيره الطموحات المناطقيّة (الجهوية) بتعليلات متعددة مثل التهميش الاقتصادي أو السياسي (جبر الضرر في المغرب لم يركز على الأفراد بل كذلك على الجهات نظرا لأن مناطق كاملة عانت من الحكم السابق اثناء «سنوات الرصاص»). كما يبرز تساؤل انفعالي غير عقلاني مؤاده: «هل الديمقراطية قادرة على حل مشاكلي حالا؟» بمعنى: «ماذا قدمت لنا الديمقراطية؟» وهو سؤال انفعالي بحسب بن دحمان لأنه لا يراعي ان الانتقال الديمقراطي مسار يحتاج الى عقدين من الزمن او اكثر اضافة إلى الوعي بأن مراحل الانتقال الديمقراطي تؤسس للمستقبل وان على الجيل الانتقالي أن يؤمن أنّه عبارة عن « قنطرة ايجابية « للأجيال اللاحقة الذين سيأتون في المستقبل، لأن الديمقراطية لا تعطي حلولا آنية
لمشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية تراكمت عبر السنوات.
وهو كذلك سؤال انفعالي لأنه يشكك في المبدأ «الديمقراطية» بالإضافة إلى انه مغلوط، إذ يجب ان نجعل دائما المبدأ شاهدا على الممارسة لا أن نجعل الممارسة شاهدة على المبدأ. فالديمقراطية تبقى دائما شيئا ايجابيا حتى ولو لم تصدقها الممارسة من خلال ثغراتها وإخفاقاتها.
6 طرح توقعات غير واقعية:
تجعل الحلّ المستعجل للمشاكل هو الأساس الذي يؤدي إلى الاقتناع بجدوى الانتقال الديمقراطي في حين أن الحلول غير ممكنة التحقيق بحساب الزمن.
7 إعادة بناء التعاقدات:
ويكون ذلك بين الفاعلين والسياسيين والمدنيين من اجل مشروع مجتمعي متكامل ولا تكون هذه التعاقدات إلا من خلال التنازلات لأنه لا يوجد اتجاه واحد في المجتمع بل توجد اتجاهات أخرى لفاعلين آخرين يقتسمون نفس الفضاء ولهم نفس الحق في المجتمع، ومن حقهم أن يجتهدوا ويقدموا وجهة نظرهم بشرط أن يكون تدوير الاختلاف على أساس ديمقراطي سواء من حيث الآليات التي تحسم الاختلافات وتحدد قواعد المشاركة (التصويت الانتخابي، الاستفتاء). وهو ما يعني انه لا يمكن أن ينجح انتقال ديمقراطي عن طريق العنف ولا يوجد نموذج سار في هذا المسار، فالوطن ملك للجميع وليس حكرا على فئة دون أخرى.
كيف يتم التعامل مع قضايا الهوية؟
انتقل الدكتور جمال بن دحمان في الجزء الثاني من محاضرته إلى الحديث عن قضيّة الهويّة مركزا على فهمنا لمصطلح الهوية حيث ينظر إليه أحيانا بشيء من التبسيط ومن خلال تصورات جامدة ونهائية تعتبره تصورا مسلما به، في حين أنّ تصوّر الهوية شيء ينطلق من المرجعية التي يتبناها كل تصور مما يجعلنا نتحدث عن أنماط من الهوية على المستوى النظري.
هناك تصور أولي للهويّة يمكن أن نصطلح على تسميته ب «الهوية المغلقة «وهي كل تصور يشتغل بمدخل ومخرج، ويؤمن بأن المدخل أغلق والمخرج كذلك ما يعني انه فهم يقوم على مرتكزات ثابتة ونهائية ولا مجال فيها لأي إضافة أو تغيير أو تعديل، وهذا التصور منطقيا يؤدي إلى التآكل كما هو الشأن في البيولوجيا حيث أنّ الكائنات ذات الخلية الواحدة هي أكثر الكائنات تخلفا، وانه كلّما تعددت الخلايا كانت لذلك انعكاسات ايجابية، فأعضاء الجسد مختلفة ولكنها تؤدي وظائف متكاملة عندما يختل منها عضو تتأثر بقية الأعضاء. ويوضح بن دحمان، نقول تصور مركب ولا نقول منفتح لأن الانفتاح قد يعطي معي الميوعة، تماما مثل الجسد عندما يدخل عليه كائن غريب لا يتلاءم مع مكوناته لا يقبله. فهو انفتاح ضمن شروط التنظيم الذاتية وبهذه الطريقة سوف نتجاوز ذلك التصور الذي يعتقد أنّ الهوية منفتحة بشكل مطلق أو الذي يعتبرها مغلقة بشكل كلّي. كما انه لابد من وجود متغيرات معينة تفرضها الأسئلة المجتمعية التي تطرح في مجتمع معين.
المثال المغربي في معالجة مشكلة الهوية:
في الجزء الثالث من المحاضرة مرّ بن دحمان إلى عرض التجربة المغربيّة في الانتقال الديمقراطي مؤكدا على خضوعها تقريبا للمرتكزات السبعة، فالمغرب في نظره كان إلى حدود سنوات قليلة مطمئنا إلى أن بعض الأسئلة لا مجال لطرحها مثل السؤال عن وظيفة الدين في المجتمع وعلاقة الدين بالدولة، وهي أسئلة يعود طرحها في نظره إلى التسعينات من القرن الماضي، أسئلة مثل من نحن؟ عرب، أمازيغ أو حسانيّة .والإجابة عنه ستؤدي الى إعادة تشكيل الهوية اذ هي ليس واحدة وثابتة ونهائية. كذلك سؤال ما طبيعة تقافتنا ؟ هل هي عربية صرفة أم ثقافة تأسست خلال مسار شاركت فيه ثقافات أخرى لم يكن الاعتراف بها من قبل ممكنا. قد نلتف عليها، قد نأخذ منها جزء ونلغي منها جزء آخر،لكننا لا نلغيها لأن تقدّم من قبل أطراف في المجتمع لها نفس الحق. لذا يطرح كل من العلماني والإسلامي والعدمي، تصوراتهم للدولة والمجتمع واللغة ولا يكون على المجتمع إلا أن يدير الاختلاف بالاحتكام إلى الديمقراطية باعتبارها آليات وإجراءات وأدوات. ولكن الأساسي في مرحلة الانتقال الديمقراطي التعويل على كيف يتشبع المواطن بالذهنية الديمقراطية والثقافة الديمقراطية بأن يقبل حق الاختلاف ويتفهم ذلك.
ويرى بن دحمان أن دستور 2011 المغربي جاء إجابة عن مجمل الأسئلة المطروحة اجتماعيا حول تصورات الأطراف السياسية والمدنية للمجتمع والدولة والهوية والدين. وأكّد على أنّ النتائج الايجابية في المغرب تعود إلى المسطرة المعتمدة في صياغة الدستور أو العقد الاجتماعي، وذلك بطرح أفكار وتركها تنضج في المجتمع ومن ثمّة تقوم الجهات الرسمية بالاستماع إليها من خلال الإذاعات والقنوات والمسيرات والتظاهرات ولكن في الأخير تحتوي هذه النقاشات لتصل إلى مدونة تقوم على توافقات يجد فيها كل طرف مطالبه، وهو ما يعتبر مكسبا للمجتمع.
أزمنة الدستور
حسب بن دحمان توجد أزمنة ثلاث للدستور يجب أن تستحضرها لنتحلّى بالصبر المجتمعي المطلوب وتعتبر هذه الأزمنة الثلاث أساسية في عملية الانتقال الديمقراطي.
زمن ما قبل الدستور : والذي يتسم بكثرة الأفكار والتداول والنقاش بشكل متوتر حاد جدا أحيانا .
زمن وضع الدستور.
زمن ما بعد الدستور : يجب أن نتحلّى خلاله بوعي بأنّ ما وضع فيه قابل للتعديل في أيّ مرحلة من المراحل إذا ما نضجت الأفكار مجتمعيا وتغيرت الترتيبات والأولويات، باعتبار أن نص الدستور ليس شيئا نهائيا ينتهي به النقاش فمواضيع مثل التنصيص على مسيحية الاتحاد الأوروبي والإجهاض كانت حاضرة في زمن ما قبل كتابة دستور الاتحاد الأوروبي أثناء المناقشات، وهي مواضيع وقضايا عادية، لكن ما هو غير عادي تحويلها إلى قضايا مفتعلة لتخوين بعضنا البعض والعمل على الاحتكام في حلّها إلى طرق غير ديمقراطية تعتمد العنف والقوة..
تنويه بالمحاضرة وجدل حول النموذج التونسي
المداخلات التي قدمها عدد من الضيوف تفاعلا مع المحاضرة القيمة التي قدمها الدكتور جمال بن دحمان كانت بمثابة الإثراء لها، إذ كانت بحثا في تجليات المرتكزات التي قدمها في محاضرته داخل الحراك الانتقالي التونسي لذلك تعرضت إلى عديد المشاغل التي تهم مرحلة الانتقاء الديمقراطي التي تمر بها بلادنا، ورغم التنويه الذي لقيه بن دحمان حول الجزء الأول من المحاضرة المتعلق بمرتكزات الانتقال الديمقراطي وهو ما يعد بمثابة المقدمة النظرية العامة، فان المتدخلين أكدوا على الاختلافات النوعيّة بين النموذجين التونسي والمغربي نظرا لأن السياق التونسي كان سياقا ثوريا بينما كان المغربي سياقا ديمقراطيا تحت رعاية المؤسسة الملكية التي اعتبرت الحاضنة التي لا يمكن لعملية الانتقال الديمقراطي بالمغرب تخطيها أو تجاوزها فكل ما يحدث من توافقات يتمّ تحت عباءة الملك لذلك كان نصّ الدستور محاولة « شكليّة» لإرضاء الجميع .
كما تعرضت بعض المداخلات الى تغييب الدكتور بن دحمان للسياق الدولي الذي تتم فيه عملية الانتقال وعن مدى تأثيره على العملية في حد ذاتها من حيث الفرملة او التحفيز عبر الإكراهات الاقتصاديّة التي تعتبر المحرّك الأوّل للثورات والتحولات العربيّة.
أما فيما يخص قضية الهوية وتركيز المحاضر حول أهميتها في السجال السياسي والمدني المجتمعي لكتابة الدستور فقد لاحظ البعض أنّها قد ضخّمت على حساب القضايا الاجتماعية وخاصة مطلب العدالة الاجتماعية وفكّ التبعيّة مع دوائر الهيمنة العالميّة ونموذجها الاقتصادي المجحف في حقّ لفئات والطبقات الاجتماعية المعدمة خاصة أنّ هذه القضايا تعتبر من أهم الحوافز التي عجلت بالثورة التونسية مما بوّأها المكانة الأولى في سلم اهتمامات المواطن.
كما ذهب البعض الآخر إلى اعتبار أنّ حالة التنوع الاجتماعي في المغرب عرب، أمازيغ وحسّانية تجعل النموذج أكثر تعقيدا على خلاف النموذج التونسي الذي لا يخضع لهذه الفسيفساء التي قد تمثّل اكراهات اجتماعية مستدلين في ذلك على قضيّة التنصيص على الشريعة بوصفها المصدر الأساسي للتشريع في الدستور والتي انتهت أمام الاختلاف حولها إلى الاكتفاء بالفصل الأول من الدستور القديم وهو القرار الذي لاق شبه إجماع حوله كونه كاف للتدليل على هوية الشعب العربيّة الإسلاميّة.
كما كان التساؤل حول إمكانيّة أن تشكّل الترضيات داخل الدساتير مدخلا لتفتيت المجتمع خاصة في ظل ضعف الدولة المركزية التي فقدت ثقة المجتمع فيها نظرا للاستشراء الاستبداد والفساد والمحسوبية والجهويّة والطائفية التي قد تتحول تحت التجييش الداخلي والخارجي إلى قنابل موقوتة لتفكيك المجتمع وتحويله إلى كنتونات إتنيّة مصطنعة أو ثقافية مضخمة يزيدها الوضع الاقتصادي المتأزم جنوحا نحو الانفصال النهائي عن النسيج المجتمعي فيتحوّل بذلك التنوّع من عامل إثراء إلى عامل تفتيت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.