وزارة الفلاحة تدعو البحّارة إلى عدم المجازفة والإبحار الى غاية إستقرار الأحوال الجويّة    خطوط جديدة للشركة الجهوية للنقل بصفاقس    صادم/ كهل يحتجز فتاتين ويغتصب احداهما..وهذه التفاصيل..    قرقنة تكشف مخزونها التراثي: الحرف الأصيلة تحول إلى مشاريع تنموية    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    رئيس جامعة البنوك: تم تاجيل إضراب القطاع إلى ما بعد رأس السنة    السعودية.. الكشف عن اسم وصورة رجل الأمن الذي أنقذ معتمرا من الموت    كأس إفريقيا للأمم : تعادل أنغولا وزيمبابوي (1-1)    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    أيام القنطاوي السينمائية: ندوة بعنوان "مالذي تستطيعه السينما العربية أمام العولمة؟"    توزر: تنشيط المدينة بكرنفالات احتفالية في افتتاح الدورة 46 من المهرجان الدولي للواحات    قائمة أضخم حفلات رأس السنة 2026    مدرب تنزانيا: منتخبنا واثق من تحقيق نتيجة إيجابية أمام أوغندا    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    الكاف : عودة الروح إلى مهرجان صليحة للموسيقى التونسية    القصرين: تدعيم المستشفى الجامعي بدر الدين العلوي والمستشفى الجهوي بسبيطلة بآلتي مفراس حديثتين    صادم : أم تركية ترمي رضيعتها من الطابق الرابع    ممثلون وصناع المحتوى نجوم مسلسل الاسيدون    جريمة مزلزلة: أم ترمي رضيعتها من الطابق الرابع..!    مقتل شخصين في عملية دهس وطعن شمالي إسرائيل    عاجل-مُنتصر الطالبي: ''نحبوا نكملو لولالين في المجموعة''    نجم المتلوي: لاعب الترجي الرياضي يعزز المجموعة .. والمعد البدني يتراجع عن قراره    تونس والاردن تبحثان على مزيد تطوير التعاون الثنائي بما يخدم الأمن الغذائي    خبير تونسي: هاو علاش لازمك تستعمل الذكاء الإصطناعي    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    سيدي بوزيد: "رفاهك في توازنك لحياة أفضل" مشروع تحسيسي لفائدة 25 شابا وشابة    عاجل/ انفجار داخل مسجد بهذه المنطقة..    مارك زوكربيرغ يوزّع سماعات عازلة للحس على الجيران و السبب صادم    محكمة الاستئناف : تأجيل النظر في قضية "انستالينغو" ليوم 09 جانفي القادم    جندوبة: انطلاق اشغال المسلك السياحي الموصل الى الحصن الجنوي بطبرقة    بُشرى للجميع: رمزية 2026 في علم الأرقام    إهمال تنظيف هذا الجزء من الغسالة الأوتوماتيك قد يكلفك الكثير    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    سليانة: ضبط برنامج عمل مشترك إستعدادا للاحتفال برأس السنة الإدارية    عاجل: المعهد الوطني للرصد الجوي يعلن إنذار برتقالي اليوم!    عاجل : شركة نقل بنابل تعلن عن انتداب 35 عونا ...الشروط و رابط التسجيل    عاجل : لاعب لريال مدريد يسافر إلى المغرب لدعم منتخب عربي في كأس الأمم الإفريقية    مصر ضد جنوب إفريقيا اليوم: وقتاش و القنوات الناقلة    عاجل/ مع اقتراب عاصفة جوية: الغاء مئات الرحلات بهذه المطارات..    رئيس غرفة تجار المصوغ: أسعار الذهب مرشّحة للارتفاع إلى 500 دينار للغرام في 2026    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    من الهريسة العائلية إلى رفوف العالم : الملحمة الاستثنائية لسام لميري    تونس : آخر أجل للعفو الجبائي على العقارات المبنية    الرصد الجوّي يُحذّر من أمطار غزيرة بداية من مساء اليوم    أمطار غزيرة متوقعة آخر النهار في هذه المناطق    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    استدرجها ثم اغتصبها وانهى حياتها/ جريمة مقتل طالبة برواد: القضاء يصدر حكمه..#خبر_عاجل    هام/ كأس أمم افريقيا: موعد مباراة تونس ونيجيريا..    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مقابلات اليوم من الجولة الثانية    عاجل/ قتلى وجرحى في اطلاق نار بهذه المنطقة..    أبرز ما جاء لقاء سعيد برئيسي البرلمان ومجلس الجهات..#خبر_عاجل    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    افتتاح الدورة 57 للمهرجان الدولي للصحراء بدوز... التفاصيل    ترامب يعلن شن ضربة عسكرية على "داعش" في نيجيريا    أولا وأخيرا .. رأس العام بلا مخ ؟    يتميّز بسرعة الانتشار والعدوى/ رياض دغفوس يحذر من المتحور "k" ويدعو..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين، الدولة والهوية في سياق الانتقال الديمقراطي
في منتدى الجاحظ
نشر في الشعب يوم 07 - 04 - 2012

نظّم منتدى الجاحظ يوم السبت 31 مارس 2012 محاضرة حول :«الدين والدولة والهوية في سياق الانتقال الديمقراطي» قدّمها الباحث المغربي الدكتور جمال بن دحمان وحضرها جملة من المثقفين والباحثين والصحافيين من ضيوف وأصدقاء المنتدى، وقد تواصل هذا اللقاء الفكري لأكثر من ثلاثة ساعات تخللتها نقاشات مستفيضة بين الدكتور بن دحمان وبقية الحاضرين.
في بداية محاضرته نوّه الدكتور بن دحمان بالعلاقة النفسية والمعرفية التي تربطه بمنتدى الجاحظ الذي زاره في مناسبات سابقة، مؤكدا على المكانة المعرفية التي يحتلها هذا المنتدى على المستوى المغاربي والعربي حيث احتضن عديد الندوات الفكرية منذ تأسيسه، وعبر عن الشرف الذي ناله بتقديم هذه المحاضرة في تونس بعد الثورة.
قارب الدكتور بن دحمان المسألة من خلال ثلاثة جوانب رئيسيّة هي: الجانب الاوّل سياق الانتقال الديمقراطي بالتركيز على الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها، الجانب الثاني كان عبارة عن اجابة عن سؤال ثقافي له امتدادات سياسية وهو: كيفية التعامل مع قضايا الهوية بما في ذلك الدين؟. أمّا الجانب الثالث فتمثل في تقديم نموذج للمقارنة قابل للقياس وهو النموذج المغربي، وعن كيفية تعامله وخاصة في السنوات الاخيرة مع موضوع الدين والهوية الذي تجلى بشكل عام في الدستور الجديد الذي تم الاستفتاء عليه في أواخر سنة 2011.
سياق الانتقال الديمقراطي:
افتتح الدكتور بن دحمان محاضرته بافتراض سؤال بديهي: هل يوجد في العالم نموذج محدد للانتقال الديمقراطي؟ وخلص الى الاستنتاج من خلال الدراسة المقارنة للتجارب الانتقالية الى انه لا يوجد نموذج أو نمط أومثال واحد محدد يمكن ان يعتمد؟ مؤكدا أن البحث في هذا الموضوع أعطى علما يسمى «علم الانتقاليات» أكد عدم وجود نموذج واحد بل وجود عدة نماذج متعددة وكثيرة جدا، مثال نموذج اسبانيا وجنوب افريقيا وأمريكا اللاتينية وهي كلها نماذج مختلفة، لأن كل نموذج أجاب عن أسئلة كهذه وفق مقتضيات ما يصطلح عليه بالخصوصيات والاسئلة الملحة الداخلية، وهو ما يعني انه من ناحية التأصيل الثقافي للمفهوم يمكن لكل مجتمع ان يؤسس لتجربة معينة بناء على أجوبة معينة لطبيعة الاسئلة المطروحة في ذلك المجتمع.
انطلاقا من هذا التحديد استنتج بن دحمان أنّه لا يوجد نمط أو مثال واحد معين يمكن اعتماده من طرف الجميع، لأنّ الانتقال الديمقراطي عبارة عن مسار يخضع لمنعرجات ومطيات وإعاقات تحتاج أفقا زمنيا لتحقيقه أو الاخفاق فيه، فالعملية تحتاج الى مراعاة العامل الزمني الاساسي.
المرتكزات السبعة لتحقيق الانتقال الديمقراطي
ذهب المحاضر الى وجود خلاصات عامة عن عملية الانتقال الديمقراطي، تتمثل في سبعة محددات وعناصر اساسية مرت بها كل الدول التي عرفت الانتقال الديمقراطي وهي كالآتي:
1 التميّز بطابع ضبابي:
وتتمثل في تعدد وتشعب المطالب (اقتصادية اجتماعية سياسية وثقافيةّ) بحيث يصبح المشهد العام عائما وهو ما سيترتب عنه الالتجاء للتفاوض والاضطرار الى النتازلات بحكم اختلاف وجهات النظر بين الاطراف الاجتماعية والسياسية، ويتم هذا التفاوض داخل سقف مجتمعي، وقد يؤدي الى تنازلات مؤلمة تنتج عن التدافع بين المواقف ووجهات النظر.
2 فقدان الثقة في المؤسسات:
في هذه المراحل عادة ما يكون هناك تشكيك كبير جدا في المؤسسات بكل أشكالها الرسمية نظرا للتراكمات السلبية للمراحل السابقة مما يخلق إمّا نوعا من اللامبالاة قد تتجلى في عدة مظاهر يعتبر تدنّي نسبة المشاركة في الانتخابات الأولى واحدة منها، أو نوعا من الاهتمام المطلق الذي يجعل الجميع يعتقد بأن له القدرة على تحليل الوضع السياسي والاجتماعي، فالجميع تصبح لهم القدرة على الوصف والتحليل واقتراح للبدائل.
3 التدافع من أجل التموقع:
الذي يؤدي الى تناسل وتعدد الهيئات الحزبية والمنظمات المدنية في المجتمع لأن المرحلة السابقة عادة ما تكون قد تميزت بما يسمى «بيداء التسلّط « وهذا التعدد والتشعّب قد يبدوا ايجابيا من زاوية الاهتمام ولكنه قد يكون تعبيرا عن مراهقة سياسية مجتمعية في حاجة في مرحلة أخرى متقدمة إلى ترشيد وعقلانية ووظيفيّة اكبر.
4 إعادة اكتشاف الذات:
يؤكد الدكتور بن دحمان على أنّه خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي تبرز في المجتمعات قضايا ظلت مكتومة الصوت مثل قضايا الهويّة بحيث تكون في هذه المرحلة في قلب النقاش الهويّاتي المتعلقة بقضايا الهوية والدين واللغة والجماعة وخاصة اشكالات اعادة بناء الذاكرة الجماعية بمعنى اعادة كتابة التاريخ، لذلك فان واحدة من المهام التي تم القيام بها في التجارب الكونية للانتقال الديمقراطي هي اعادة بناء الذاكرة حيث يتدخل المؤرخ ، لأن التاريخ تواريخ في كل مرة نضخم من قراءة معينة للتاريخ وبنخس من قراءة اخرى. كما تطرح بقوّة قضية وظيفة الدين في المجتمع وفي الحياة السياسية عبر ثنائيّة الدين والدولة (دور الكنيسة في جنوب افريقيا في الانتقال الديمقراطي من خلال فكرة التسامح ودورها في انجاح المسار الديمقراطي في أوروبا الشرقية). لذلك يؤكد بن دحمان عدم الاستغراب من طرح مثل هذه القضايا في مجتمعاتنا بعيد الثورات كطرح سؤال يبدو للجميع مفتعل وهو سؤال «من نحن؟»، أو بروز تجاذبات حادة بين تصورات ذات ابعاد ثنائية مثل اسلامي وعلماني وكذلك دولة دينية ودولة مدنية والخوض في مفهومي الكوني والخصوصي والبحث في أيهما أولى وكيف ننجز التعايش بينها على المستوى الحقوقي والقيمي؟. ويستدر بن دحمان الى التأكيد الى أنّ كل هذه المرتكزات تؤدي الى مشكل غياب السؤال الحقيقي الذي يجب ان يطرح اثناء الانتقال الديمقراطي وهو سؤال : من هو الديمقراطي ومن هو غير الديمقراطي؟ الذي يغيب عندما نكون ازاء نقاش حول هذه التصورات ذات الأبعاد الثنائيّة. وهذا السؤال يعدّ أساسي بنظر بن دحمان لأن الديمقراطية قادرة أن تقدم إجابات عن كل هذه التساؤلات.
5 بروز الطموحات الفردية والجماعية:
وابرز المحاضر ذلك من خلال حالة التناسل الحزبي والجمعياتي التي يكون دافعها في بعض الاحيان دافع غير موضوعي، معتبرا أنه قد يكون بدافع ذاتي مثل الزعامة والقيادة التي تتحول الى دوافع اساسية، أما على الجانب الجماعي فتبرز حسب تفسيره الطموحات المناطقيّة (الجهوية) بتعليلات متعددة مثل التهميش الاقتصادي أو السياسي (جبر الضرر في المغرب لم يركز على الأفراد بل كذلك على الجهات نظرا لأن مناطق كاملة عانت من الحكم السابق اثناء «سنوات الرصاص»). كما يبرز تساؤل انفعالي غير عقلاني مؤاده: «هل الديمقراطية قادرة على حل مشاكلي حالا؟» بمعنى: «ماذا قدمت لنا الديمقراطية؟» وهو سؤال انفعالي بحسب بن دحمان لأنه لا يراعي ان الانتقال الديمقراطي مسار يحتاج الى عقدين من الزمن او اكثر اضافة إلى الوعي بأن مراحل الانتقال الديمقراطي تؤسس للمستقبل وان على الجيل الانتقالي أن يؤمن أنّه عبارة عن « قنطرة ايجابية « للأجيال اللاحقة الذين سيأتون في المستقبل، لأن الديمقراطية لا تعطي حلولا آنية
لمشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية تراكمت عبر السنوات.
وهو كذلك سؤال انفعالي لأنه يشكك في المبدأ «الديمقراطية» بالإضافة إلى انه مغلوط، إذ يجب ان نجعل دائما المبدأ شاهدا على الممارسة لا أن نجعل الممارسة شاهدة على المبدأ. فالديمقراطية تبقى دائما شيئا ايجابيا حتى ولو لم تصدقها الممارسة من خلال ثغراتها وإخفاقاتها.
6 طرح توقعات غير واقعية:
تجعل الحلّ المستعجل للمشاكل هو الأساس الذي يؤدي إلى الاقتناع بجدوى الانتقال الديمقراطي في حين أن الحلول غير ممكنة التحقيق بحساب الزمن.
7 إعادة بناء التعاقدات:
ويكون ذلك بين الفاعلين والسياسيين والمدنيين من اجل مشروع مجتمعي متكامل ولا تكون هذه التعاقدات إلا من خلال التنازلات لأنه لا يوجد اتجاه واحد في المجتمع بل توجد اتجاهات أخرى لفاعلين آخرين يقتسمون نفس الفضاء ولهم نفس الحق في المجتمع، ومن حقهم أن يجتهدوا ويقدموا وجهة نظرهم بشرط أن يكون تدوير الاختلاف على أساس ديمقراطي سواء من حيث الآليات التي تحسم الاختلافات وتحدد قواعد المشاركة (التصويت الانتخابي، الاستفتاء). وهو ما يعني انه لا يمكن أن ينجح انتقال ديمقراطي عن طريق العنف ولا يوجد نموذج سار في هذا المسار، فالوطن ملك للجميع وليس حكرا على فئة دون أخرى.
كيف يتم التعامل مع قضايا الهوية؟
انتقل الدكتور جمال بن دحمان في الجزء الثاني من محاضرته إلى الحديث عن قضيّة الهويّة مركزا على فهمنا لمصطلح الهوية حيث ينظر إليه أحيانا بشيء من التبسيط ومن خلال تصورات جامدة ونهائية تعتبره تصورا مسلما به، في حين أنّ تصوّر الهوية شيء ينطلق من المرجعية التي يتبناها كل تصور مما يجعلنا نتحدث عن أنماط من الهوية على المستوى النظري.
هناك تصور أولي للهويّة يمكن أن نصطلح على تسميته ب «الهوية المغلقة «وهي كل تصور يشتغل بمدخل ومخرج، ويؤمن بأن المدخل أغلق والمخرج كذلك ما يعني انه فهم يقوم على مرتكزات ثابتة ونهائية ولا مجال فيها لأي إضافة أو تغيير أو تعديل، وهذا التصور منطقيا يؤدي إلى التآكل كما هو الشأن في البيولوجيا حيث أنّ الكائنات ذات الخلية الواحدة هي أكثر الكائنات تخلفا، وانه كلّما تعددت الخلايا كانت لذلك انعكاسات ايجابية، فأعضاء الجسد مختلفة ولكنها تؤدي وظائف متكاملة عندما يختل منها عضو تتأثر بقية الأعضاء. ويوضح بن دحمان، نقول تصور مركب ولا نقول منفتح لأن الانفتاح قد يعطي معي الميوعة، تماما مثل الجسد عندما يدخل عليه كائن غريب لا يتلاءم مع مكوناته لا يقبله. فهو انفتاح ضمن شروط التنظيم الذاتية وبهذه الطريقة سوف نتجاوز ذلك التصور الذي يعتقد أنّ الهوية منفتحة بشكل مطلق أو الذي يعتبرها مغلقة بشكل كلّي. كما انه لابد من وجود متغيرات معينة تفرضها الأسئلة المجتمعية التي تطرح في مجتمع معين.
المثال المغربي في معالجة مشكلة الهوية:
في الجزء الثالث من المحاضرة مرّ بن دحمان إلى عرض التجربة المغربيّة في الانتقال الديمقراطي مؤكدا على خضوعها تقريبا للمرتكزات السبعة، فالمغرب في نظره كان إلى حدود سنوات قليلة مطمئنا إلى أن بعض الأسئلة لا مجال لطرحها مثل السؤال عن وظيفة الدين في المجتمع وعلاقة الدين بالدولة، وهي أسئلة يعود طرحها في نظره إلى التسعينات من القرن الماضي، أسئلة مثل من نحن؟ عرب، أمازيغ أو حسانيّة .والإجابة عنه ستؤدي الى إعادة تشكيل الهوية اذ هي ليس واحدة وثابتة ونهائية. كذلك سؤال ما طبيعة تقافتنا ؟ هل هي عربية صرفة أم ثقافة تأسست خلال مسار شاركت فيه ثقافات أخرى لم يكن الاعتراف بها من قبل ممكنا. قد نلتف عليها، قد نأخذ منها جزء ونلغي منها جزء آخر،لكننا لا نلغيها لأن تقدّم من قبل أطراف في المجتمع لها نفس الحق. لذا يطرح كل من العلماني والإسلامي والعدمي، تصوراتهم للدولة والمجتمع واللغة ولا يكون على المجتمع إلا أن يدير الاختلاف بالاحتكام إلى الديمقراطية باعتبارها آليات وإجراءات وأدوات. ولكن الأساسي في مرحلة الانتقال الديمقراطي التعويل على كيف يتشبع المواطن بالذهنية الديمقراطية والثقافة الديمقراطية بأن يقبل حق الاختلاف ويتفهم ذلك.
ويرى بن دحمان أن دستور 2011 المغربي جاء إجابة عن مجمل الأسئلة المطروحة اجتماعيا حول تصورات الأطراف السياسية والمدنية للمجتمع والدولة والهوية والدين. وأكّد على أنّ النتائج الايجابية في المغرب تعود إلى المسطرة المعتمدة في صياغة الدستور أو العقد الاجتماعي، وذلك بطرح أفكار وتركها تنضج في المجتمع ومن ثمّة تقوم الجهات الرسمية بالاستماع إليها من خلال الإذاعات والقنوات والمسيرات والتظاهرات ولكن في الأخير تحتوي هذه النقاشات لتصل إلى مدونة تقوم على توافقات يجد فيها كل طرف مطالبه، وهو ما يعتبر مكسبا للمجتمع.
أزمنة الدستور
حسب بن دحمان توجد أزمنة ثلاث للدستور يجب أن تستحضرها لنتحلّى بالصبر المجتمعي المطلوب وتعتبر هذه الأزمنة الثلاث أساسية في عملية الانتقال الديمقراطي.
زمن ما قبل الدستور : والذي يتسم بكثرة الأفكار والتداول والنقاش بشكل متوتر حاد جدا أحيانا .
زمن وضع الدستور.
زمن ما بعد الدستور : يجب أن نتحلّى خلاله بوعي بأنّ ما وضع فيه قابل للتعديل في أيّ مرحلة من المراحل إذا ما نضجت الأفكار مجتمعيا وتغيرت الترتيبات والأولويات، باعتبار أن نص الدستور ليس شيئا نهائيا ينتهي به النقاش فمواضيع مثل التنصيص على مسيحية الاتحاد الأوروبي والإجهاض كانت حاضرة في زمن ما قبل كتابة دستور الاتحاد الأوروبي أثناء المناقشات، وهي مواضيع وقضايا عادية، لكن ما هو غير عادي تحويلها إلى قضايا مفتعلة لتخوين بعضنا البعض والعمل على الاحتكام في حلّها إلى طرق غير ديمقراطية تعتمد العنف والقوة..
تنويه بالمحاضرة وجدل حول النموذج التونسي
المداخلات التي قدمها عدد من الضيوف تفاعلا مع المحاضرة القيمة التي قدمها الدكتور جمال بن دحمان كانت بمثابة الإثراء لها، إذ كانت بحثا في تجليات المرتكزات التي قدمها في محاضرته داخل الحراك الانتقالي التونسي لذلك تعرضت إلى عديد المشاغل التي تهم مرحلة الانتقاء الديمقراطي التي تمر بها بلادنا، ورغم التنويه الذي لقيه بن دحمان حول الجزء الأول من المحاضرة المتعلق بمرتكزات الانتقال الديمقراطي وهو ما يعد بمثابة المقدمة النظرية العامة، فان المتدخلين أكدوا على الاختلافات النوعيّة بين النموذجين التونسي والمغربي نظرا لأن السياق التونسي كان سياقا ثوريا بينما كان المغربي سياقا ديمقراطيا تحت رعاية المؤسسة الملكية التي اعتبرت الحاضنة التي لا يمكن لعملية الانتقال الديمقراطي بالمغرب تخطيها أو تجاوزها فكل ما يحدث من توافقات يتمّ تحت عباءة الملك لذلك كان نصّ الدستور محاولة « شكليّة» لإرضاء الجميع .
كما تعرضت بعض المداخلات الى تغييب الدكتور بن دحمان للسياق الدولي الذي تتم فيه عملية الانتقال وعن مدى تأثيره على العملية في حد ذاتها من حيث الفرملة او التحفيز عبر الإكراهات الاقتصاديّة التي تعتبر المحرّك الأوّل للثورات والتحولات العربيّة.
أما فيما يخص قضية الهوية وتركيز المحاضر حول أهميتها في السجال السياسي والمدني المجتمعي لكتابة الدستور فقد لاحظ البعض أنّها قد ضخّمت على حساب القضايا الاجتماعية وخاصة مطلب العدالة الاجتماعية وفكّ التبعيّة مع دوائر الهيمنة العالميّة ونموذجها الاقتصادي المجحف في حقّ لفئات والطبقات الاجتماعية المعدمة خاصة أنّ هذه القضايا تعتبر من أهم الحوافز التي عجلت بالثورة التونسية مما بوّأها المكانة الأولى في سلم اهتمامات المواطن.
كما ذهب البعض الآخر إلى اعتبار أنّ حالة التنوع الاجتماعي في المغرب عرب، أمازيغ وحسّانية تجعل النموذج أكثر تعقيدا على خلاف النموذج التونسي الذي لا يخضع لهذه الفسيفساء التي قد تمثّل اكراهات اجتماعية مستدلين في ذلك على قضيّة التنصيص على الشريعة بوصفها المصدر الأساسي للتشريع في الدستور والتي انتهت أمام الاختلاف حولها إلى الاكتفاء بالفصل الأول من الدستور القديم وهو القرار الذي لاق شبه إجماع حوله كونه كاف للتدليل على هوية الشعب العربيّة الإسلاميّة.
كما كان التساؤل حول إمكانيّة أن تشكّل الترضيات داخل الدساتير مدخلا لتفتيت المجتمع خاصة في ظل ضعف الدولة المركزية التي فقدت ثقة المجتمع فيها نظرا للاستشراء الاستبداد والفساد والمحسوبية والجهويّة والطائفية التي قد تتحول تحت التجييش الداخلي والخارجي إلى قنابل موقوتة لتفكيك المجتمع وتحويله إلى كنتونات إتنيّة مصطنعة أو ثقافية مضخمة يزيدها الوضع الاقتصادي المتأزم جنوحا نحو الانفصال النهائي عن النسيج المجتمعي فيتحوّل بذلك التنوّع من عامل إثراء إلى عامل تفتيت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.