على إثر ما أفرزته الانتخابات من نتائج أثثت المجلس التأسيسي ومن خلاله الحكومة والرئاسات الثلاث عموما. وأغلبية النهضة كانت تمثّل المنعرج الذي هو يحكمها الآن.وعلى إثر أولى الجلسات في رحاب المجلس التأسيسي.برز (وهذا أمر طبيعيّ وأساسيّ) فريقين. (الحاكم ومعارضته)م ولئن كانت المعارضة قد رضت بوضعها ودورها تماشيا مع إرادة الشعب(تحديدا الشقّ الذي قام بواجبه الانتخابي)كمعارضة.فإن الطرف المنتصر لم يستسيغ هذا الدور منذ البداية. وكان يمني النفس في موالاة وليس معارضة.أي كان يخطط لمن معي هو صديقي ومن هو ضدّ هو عدوّ بالضرورة. وهنا يكمن كلّ تمشي النهضة حتى أن غالبيّة الشعب الذي يعرف أن مسرحيّة التشارك في الحكم عبر أإتلاف (الترويكا) هو شكل تضليليّ وأن الحاكم الحقيقي هو النهضة والباقي هو موالاة تشابه في وجودها ما كان موجودا من أحزاب ما قبل الثورة. خصوصا التكتّل الذي يمثّل وجها من وجوه ما قبل الثورة. وهذا الموقف النهضوي تجاه جماعة (الصفر فاصل)هو أسّ ما يدور من تقاطعات وتوجهات والمتعارضات. التي بلغت حدّ الشراسة القصوى في التعاطي الأمني والتعاطي السياسي الذي غلب عليه لغة التآمر (والمؤامرة) وكيل الاتهامات وحتى التنابز وتوجيه الاتهامات. وهو أمر منتظر منذ توقّف تفكير النهضة بجميع مكوناتها على أن المعارضة لا تعني فقط سوى تحطيم برامجها وليس مناقشتها فيه بأسلوب حضاريّ هو مطلوب من الجناح الخارج عن السلطة قبل الموجود في السلطة فهو مرآته الطبيعيّة لما ينتج من أخطاء ليس لغياب الخبرة في العمل الحكومي التنفيذي فقط وإنما لغياب وقصور في الدراية والدربة على توجيه الدولة بتفاصيلها وأولها الجانب الاقتصادي الذي يبني العمل السياسي للحاكم. وهذا ليس بعيب في حكومة وليدة (ثورة) وليس باستنقاص من جانب الإرادة في العمل. لكن على النهضة أن تعلم أنها حين تحكم في تونس هي تحكم شعبا متخالفا في الرؤيا وليس متجانس لأنه شعب لديه نسب وعي متفاوتة أنتجت نخبها التي تقودها وتتكلم بلسانها ومنها النهضة ذاتها. إذا هي لا تحكم أتباعها فقط ومنتخبيها بل تحكم عموم تونس. وما رأي من عارضها سوى رأي(من تدّعي جزافا أنهم ليسوا سوى صفر فاصل بينما شاهدت بأم عينيها ما يفنّد ويدحض هذا الرأي المسقط)وهو رأي إقصائي في ذاته ويتجنّى على شرائح من الشعب. وقاعدة الديمقراطيّة الأولى والرئيسية أن لكلّ طرف حرّية محاسبة الدولة مهما كان حجمه اليوم والحاضر الذي لسنا ندري كيف سيؤول غدا أمره. وحفاظا على التوزيع العادل ليس في خيرات البلاد وإنما في أفكارها وفكرها ورؤيتها لمختلف مراحل تطوّر المجتمع والبلاد عامة. إذا فالتعارض هو نعمة تحوّل إلى نقمة بسبب تعنّت من هو اليوم في سدّة الحكم بتصوّره المسبق(رغم أنّ أطراف المعارضة هذه قد هنّأته بفوزه في الانتخابات بكل ما في الديمقراطيّة من معنى) لكن نراه يخشى على وجوده في السلطة أكثر مما يخشى عدم أهليته للمرحلة ويرمي المسؤوليّة تهرّبا على المعارضة بدعوى أنها تعيق تنفيذ برامجه وهنا اتهام ضمنيّ لحياد الادارة والمؤسسات. عوض الاعتراف بكبر المسؤوليّة والدخول في تحالفات موضوعيّة وواجبة تتم عبر التحاور والتشاور(ألم يقل رسول الله أنّ أمرهم شورى بينهم)لكن ما نراه هو قصور الحاكمين لا على المستوى الاقتصادي والتسيير ولا حتى الاجتماعي والسياسي. لذلك نراه مربكا يثير زوابع حتى يلهي بها الشعب(لأن فقاقيعه السياسية الحاجبة للفعل الرئيسي لا تمرّ على متمرسين العمل السياسي)لتنفيذ برنامج السيطرة على البلاد من خلال مفاتيحها الادارية والتسيرية التي حتى الان تعتبر محايدة بنسب طبعا لكنها ملحوظة وهامة. فالتسميات الاخيرة التي يريد الحاكم إفهامنا وإيهامنا أنها مدسوسة من طرف الغنوشي لإعاقة برامجه. ووجوب التغيير حتى يتمكن من التنفيذ برنامجه الثوريّ(التكميليّ) نسأل هنا لماذا كانت هذه التسميات نهضويّة بامتياز ولم تكن تقاسميه تفيد أن الاجدر هو من يحكم وينفّذ وليس الموالي هو من يخدم والأخر لأنه معارض يبق بعيد عن العمل الوطني الفعلي والمباشر حتى وإن كان المسمى في خطّته هو لا أهلية له لمثل هذه الخطة حسب الشروط الأساسيّة لتسميته فيها ؟. إنّ المعارضة الوطنيّة التي شكّلت ذاتها سياسيا في تجمعات توحيديّة. وكتل سياسية. تعمل على صياغة برامجها كلّ حسب تصوّره ومبادئه وبرنامج (الثورة) الذي استشهد من أجله من استشهد. وجرح من جرح. وحلم من حلم في حلم اليقظة يوم 14 جانفي وقبله وبعده. ودفعت البلاد ما دفعت ولا زالت تدفع حتى الآن من جراء أخطاء الماضي والحاضر الذي حتى الآن لم يعطي مؤشّرات على تحسّن الوضع المعيشي. ولا أتحدث عن مسائل أخرى كالتشغيل وخلق فرص شغل متكافئة ودائمة. وغيره من المطالب الشعبيّة التي جاءت وقامت من أجلها (الثورة). لذا فإن المعارضة حتى الآن هي تقوم بدورها الطبيعي والواقعي وتتحوّل تدريجيّا إلى مرآة صافية وواضحة تعكس واقع الحال للحاكم حتى يحسّن من أداءه. ويطوّر عمله وآليات تفاعله مع الوضع. لكن ما لم تفهمه حتى الآن النهضة ومن يتعاطف معها أن زمان النعم المطلقة والإنعام على الأنعام قد ولىّ وانتهى. ودخلنا مرحلة الجدّ. مرحلة ديمقراطيّة الدولة بكلّ مكوناتها السياسية التي يفرزها العمل الاقتصادي والفعل المعاشي الذي يعيشه المواطن لينظر في أمر من يتولّى أمره عبر صندوق الانتخاب. لذلك أنصح الحكام الثلاث بالالتزام بمبادئ الثورة الاساسيّة قبل التفكير في خيانة الشعب عبر التمديد. وبرمجة ديمومة الحكم عبر التسلّط وإعادة إنتاج ديكتاتوريا. وإذا نجحتم في ذلك فقط سيكون لكم غد في الحكم عبر الديمقراطيّة ذاتها التي أفرزتكم. وليس عبر التخوين والتخويف والتسويف والتهافت على الحكم بأسلوب مشتقّ ومكرّر من ملفات الماضي القريب أو التصدّي عبر الاتهام أو الصدام الامني.