مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    رابطة الهواة لكرة القدم (المستوى 1) (الجولة 7 إيابا) قصور الساف وبوشمة يواصلان الهروب    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    المسرحيون يودعون انور الشعافي    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معارضة بلا تقاليد..فمتى تستجيب لشروط المعارضة ؟
ملف "الأسبوعي" مقموعة ماضيا.. "تائهة" حاضرا
نشر في الصباح يوم 12 - 03 - 2012

- قد تكون الثورة مرحلة فارقة في تاريخ المعارضة التونسية باعتبار أنها قطعت مع عقود من تكميم الأفواه والتركيع الممنهج لخلق واجهة معارضة كرتونية لأحزاب كانت تقتات من فتات مائدة التجمّع؛
وحتى الأحزاب التي حلّقت بعيدا عن فخاخ نظام بن علي وحاولت إيجاد فضاء للحريات تعبّر فيه عن احتجاجها ورفضها لقمع السلطة واجهت تضييقا شديدا على نشاطها واضطرت أحيانا للتنفّس «اصطناعيا» حتى لا تسقط في الموت السريري.
اليوم انقلب المشهد برمته فبعض الأحزاب المعارضة التي قمعت وفرض عليها الحصار لعقود وانخرطت في السرية كي تنقذ نفسها من الانقراض السياسي تجد نفسها تمسك بمقاليد السلطة وتجلس على عرش الحكم وتقوم بالدور الذي كانت سهام نقدها موجهة إليه...
ولئن دفعت صناديق الاقتراع بأحزاب إلى سدة الحكم فإننا نجد أحزابا احترفت دور المعارضة لعقود واستمرت في لعب نفس الدور فبات من المفروض أن تضفي عليه صبغة المسؤولية وتنزع جلباب الاحتجاج والإحراج لتسهم في البناء الوطني بالبدائل والاقتراحات...
في هذا الملف وكما إعتدنا في غيره من الملفات السابقة المساهمة ولو قليلا في مراكمة التجربة الديمقراطية وفتح النقاش لكل الأطراف على اختلاف مرجعياتها الفكرية وقد فسحنا المجال عند تناولنا الحديث عن دور المعارضة ومسؤوليتها للمؤرّخ الجامعي د.عميرة علية الصغيّر في قراءة تجيب عن تساؤلنا حول خاصيات المعارضة في تونس ماضيا وحاضرا وما إذا كانت لديها تقاليد تؤهلها لتتحمّل مسؤوليتها الوطنية التي تتجاوز النقد إلى المشاركة في البناء ؟

د. عميرة علية الصغير (مؤرخ جامعي) ل«الأسبوعي»: أنظمة الاستبداد تنتج معارضة الهدم وليس معارضة البناء!
إنّ المتأمّل في تاريخ تونس منذ استقلالها إن كان في عهد بورقيبة أو في عهد خلفه وصنيعته زين العابدين بن علي يلاحظ دون عناء أنّ الاستبداد كان قاعدة الحكم وإن اقترن حكم المخلوع باستشراء الفساد والجهل.
والقاعدة في التاريخ السياسي أن لا استبداد بدون معارضة، صامتة أو صارخة، عنيفة أو سلميّة، سرّيّة أو علنيّة وهذا ما كان في عهدي حاكمي تونس.
ودون تفصيل قامت دولة الاستقلال ومنذ تكوّنها وتمادت على قمع معارضيها أو على استزلامهم (شراء ذممهم) إن سمحت بتواجدهم، حيث كانت لا تخلو سنة منذ 1956 من محاكمات للمعارضين من اليوسفيّين إلى القوميّين والطلبة اليساريّين إلى الماركسيّين والاشتراكيين إلى النقابيّين والإسلاميين والحقوقيّين إلى السلفيّين الجهاديين.. كانت معارضات معرّية لعورات الاستبداد، مناضلة من أجل الحقوق الاجتماعية ومكافحة لهدم النظام القائم.. كانت معارضة هدم.. منطق السلطة المجرّم للمعارضة والخانق لحرّيتها أنتج معارضات مريضة بداء الاستبداد، فلا هي ديمقراطية في تصوّراتها للبناء ولا هي ديمقراطية في حياتها الداخليّة، إلاّ ما ندر.
دولة الاستقلال وتأثيم المعارضة
السلطة ومعارضتها كلّها تشرّبت من الثقافة الموروثة ذاتها، ثقافة الاستبداد والإجماع وطاعة أولي الأمر وتعمّقت ثقافة تأثيم المعارضة وحتى تجريمها في دولة الاستقلال، المنعوتة بهتانا بالحداثة، حيث كانت المعارضة تدخل في باب «الفتنة» و»شق عصا الطاعة» و»تفتيت وحدة الأمة» وهي من فعل «الأوباش» و»المارقين عن القانون» و»الكافرين بالدّين» و»العُصاة» و»صغار العقول» و»الأسافل» و»العامة» و»المتنطّعين» أو بمصطلحات بورقيبة هي من فعل من «لهم أغراض شخصية»، «هدّامين»، «يزرعون بذور الحقد والكراهية»، «يشتتون شمل الأمة»، «يقوّضون أسس الدولة»، «المتآمرون لهم نعرة بني هلال في التخريب»، «قوى النّقض والهدم والتخريب»، «رائد المعارضين الجشع والهيمنة»، «ذوي غايات خبيثة وخسيسة»، غاية الليبراليين «الوصول إلى السلطة»، «هدف المشاغبين عرقلة الحكومة»، «المعارضون يعارضون لإعطاء قيمة لأنفسهم»، «المعارضون عملاء للخارج»، «تحركهم أياد خارجية»، «الماركسيون مخربون وخونة»، «أصحاب أيديولوجيات مستوردة»، «جراثيم»، «أدمغة وقلوب مريضة بكراهية هذا النظام»، «ذات مستوى فكري محدود»، «منافقون»، «خبثاء»، سمتهم «الغدر وسوء النيّة»، «بعض البسطاء»، «مستبد بهم مركب النقص»، «مغرورين»، «حيوانات ضارية» (الفلاّقة المتمردون على السلطة)، «أخلاقهم متدهورة»، «مفسدين»، «دون عهد ولا ذمة»، «ناقصي تعليم» (حالة الوزير أحمد بن صالح) «متخاذلين أيام الكفاح» (حالة أحمد المستيري)، «مصابين بفروس الانقسام»، «الطلبة فاسدون أخلاقيا» (لأنهم ينادون بالحرية الجنسية!)، «مصابين بداء الفوضى وجنون البربر»، «مجرمين»، العروبيّون «معقدون لأنهم لا يعرفون إلا العربية»، الطلبة المضربون (في السبعينات) «همّّال» » des voyous «، «الشيوعيون ينفثون السموم»، «ديدنهم الحسد»، «المستقلون مرضى نفسيين.. بن علي وخدمه لم يكونوا أقلّ شدّة على معارضي نظامه الفعليّين. معارضته الأخرى الديكوريّة لا حساب لها في منطق التاريخ وقد كنستها الثورة وحتى ما تبقى منها فقد همّشته ساعة الحقيقة في انتخابات23 أكتوبر2011.
بعد 14 جانفي: معارضة «الشماتة» و«الحسد»..
معارضتنا لم تكن فقط مريضة بداء الاستبداد لأنها كانت ضحيته بل كذلك لأنّها لم تتشبع بالقيم التي تقوم عليها الأنظمة الحديثة، لا نتحدث على التشدّق بها، ونعني التمثل الفعلي لقيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان والسيادة الشعبية وخدمة الصالح العام وعلوية القانون ودولة المؤسسات.. ثم إنّ معارضتنا الحالية (أحزاب ما بعد 14 جانفي) حتى وإن كان بعض مناضليها أقدم، لم تنمُ نموّا طبيعيّا، فلم تنضج سياسيّا لتفرز بدائل سياسيّة فعليّة، فركنت لمعارضة «الشماتة» ومعارضة «الحسد» وحتى «التآمر» بالنسبة لبعضها.. تصرّفها هذا سهّله الغالبون في الحكومة ومنطقهم المحقّر والمستصغر لمعارضيهم.. بعبارة أخرى نخبنا السياسيّة في الحكومة وفي المعارضة في حاجة لإعادة تأهيل ونحن، المواطنين، في حاجة إلى الصبر وخاصة إلى النضال لنرتقي إلى المستوى الذي نصبو إليه.

جلول عزونة :أقترح الحلول.. عوض الاكتفاء برصد الهنات
يجمع الكثير من المتتبعين للشأن السياسي أن حقبة بن علي كانت الأشرس في تركيع المعارضة للنيل من صورتها من خلال «خلق» ما يسمّى بأحزاب الموالاة الديكورية.. و»حرب التركيع» وجدت في بدايتها مقاومة من بعض المناضلين على رأسها جلول عزونة أول سجين سياسي «افتتح» به بن علي حكمه المستبدّ.. «الأسبوعي» التقت عزونة الشاهد التاريخي لبداية استنزاف قوى المعارضة من بن علي لمعرفة تقييمه للمعارضة اليوم تحت مظلة الحرية الثورية..
يرى جلول عزونة يرى أن أداء المعارضة الآن سواء داخل التأسيسي أو خارجه لم يرتق بعد إلى ما هو مطلوب منه..
أساليب الماضي الانتقادية.. والارتباك السياسي
وحسب ما ذكره عزونة يعود ذلك لعدّة أسباب ذكر أهمّها وهو تواصل النهج النقدي لأداء الحكومة رغم أنه في الحقيقة الدور الأساسي لكل معارضة..
إلى جانب البحث المتواصل عن تكتلات وتجمّعات هي بصدد البروز الآن وهذه المرحلة تتميّز بتردّد وتجاذبات عدّة لعدم تعوّد قوى المعارضة على العمل المشترك طويل النفس فكما تعيش تونس فترة تعلّم أبجديات الديمقراطية فإن الأحزاب كذلك تبحث على نفسها, ومسارها في عمل مشترك لم يتبلور بعد بما يلزمه من نضج وقطع مع أساليب الماضي الانتقادية لأن المرحلة الحاضرة والقادمة تتطلّب بلورة رؤى ناضجة.. تستجيب لتطلّعات المواطن وتجيب عن أسئلة الساحة السياسية الحارقة..
وما يظهر الآن هو ارتباك واضح وكأن كلّ الفاعلين السياسيين لا يزالون في ارتباك الخطوات الأولى أمام تواصل الخطاب السياسي القديم المؤدلج والمقتنع فقط بضرورة التباين مع الآخر..»
حكومة.. معارضة والأخطاء المشتركة
رصدنا في ملامح ما صرّح لنا به جلول عزونة مؤاخذة على العمل الحكومي وفي ذات الوقت على أداء المعارضة وهو ما دفعنا لسؤاله عن متطلّبات المرحلة الحالية في اعتقاده فأكّد أن المرحلة الحالية تتطلّب شيئين اثنين لا ثالث لهما أوّلا أن تحكم الحكومة وتقرّر وتنجز ما وعدت به وأن تبحث من أجل ذلك على جعل أغلبية المواطنين يلتفون حولها.. لأن ما يبدو من المشهد السياسي الحالي هو كأن بهذه الحكومة تبحث فقط عن تركيز نفسها في السلطة دون مشقة فتح حوار مع الآخر وإيجاد الحلول البراغماتية والعاجلة..
وثانيا اكتفاء المعارضة بتتبّع سلبيات الحكومة وهناتها عوض التركيز على ما يتطلّبه الوضع من اقتراح حلول لمشاكل المواطن.
فالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الراهن يتطلّب من الجميع نوعا من الترفع عن الاستحقاقات الحزبية الضيقة ولكنها وللأسف لا نزال نراها من طرف المعارضة بأصنافها ومن طرف الحكومة بتركيبتها وهي تنمّ في اعتقادي عن قصر النظر وتسبيق المصلحة الحزبية.»

«أنا أحتج...إذن أنا معارض»
بناء نظام ديمقراطي حقيقي، إرساء مبدإ التداول السلمي على السلطة، صياغة دستور يستجيب لروح الديمقراطية ويقطع مع الاستبداد والطغيان..
شعارات شنّفت أسماعنا منذ الإطاحة ببن علي ونظامه المستبد الحائر.. وخطاب تلوكه الألسن وتصدح به الحناجر في كل المنابر.. مؤتمرات وندوات تعقد من أسبوع الى آخر بحثا عن آليات تجسّد هذه المبادئ والقيم الكونية
وإن كانت الحكومة تجلد يوميا بسياط النقد وهو في مجمله نقد لم يأت من فراغ بل حفّزه الأداء الحكومي المهتز والذي خذلته قلة التجربة ونقص الخبرة في التعاطي مع الشأن العام بما في ذلك النقد.. جعل حكومة الترويكا في مهب المعارضة.. فعشوائية الخطاب والوعود التي لا تنتهي بتحقيق جعلت الائتلاف الحاكم على صفيح ساخن غذّته الأزمات المتفجرة وجبهات المعارك «الدون كيشوتية» التي فتحتها نواة الترويكا (حركة النهضة) على كل من الاعلام واتحاد الشغل وأحزاب المعارضة متهمة إياها بضلوعها في حياكة المؤامرات ودسّ الدسائس لإسقاطها.
والمعارضة التي تحترف اليوم النقد وتصيّد ثغرات الحكومة نعتقد أنها لم تبلغ بعد من النّضج ما يثبت أنها فعلا واعية بأنه يجب أن تنزع عنها جلباب الإحتجاج وتنخرط في البناء والتأسيس... فالنقد وكشف الثغرات في الأداء الحكومي ولئن كان من جوهر عمل المعارضة في كل الدول بما في ذلك الديمقراطيات العريقة غير أنه لا يكفي لصنع حياة سياسية ديمقراطية ومتوازنة..
«فأنا أحتج ..إذن أنا موجود» شعار تجاوزه الزمن وأصبح غير مستساغ في ظل مرحلة ثورية تؤسس لبناء ديمقراطي حقيقي.. فالمعارضة ومن موقع تحمّل أحزابها مسؤولية العمل السياسي الوطني من المحتّم عليها أن تكون أكثر فاعلية وأكثر جدوى في تعاطيها مع الشأن العام، بحيث من المفروض عليها أخلاقيا أن تنشغل بالقضايا الوطنية مثلها مثل الحكومة وأن تبادر بطرح البدائل والمقترحات لحل الأزمات المستجدة أمام الرأي العام الذي يجب أن يكون مقتنعا وبعيدا عن «الهرسلة الانتخابية» بأحزاب المعارضة ومدى جديتها وأنها ليست فقط تمارس الغوغائية المفرغة والجوفاء وبالتالي على الأحزاب المعارضة أن لا تكتفي بالاحتجاج والشجب والتنديد وتمر الى الفعل... فالبلاد لا تحتمل الفتن الكلامية والمشاحنات السياسية بقدر ما تطلب أن تتظافر كل الجهود للبحث عن الحلول المجدية والنافعة.

عبد الوهاب الهاني: الموجود نزعة صدامية.. والمنشود مساندة نقدية
في ظلّ ما نعيشه اليوم من معوّقات تنموية اجتماعية واقتصادية مع وجود مجتمع سياسي شبه منظم منبثق عن شرعية انتخابية قد يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: بماذا تكون أحزاب المعارضة مُطالَبة اليوم في علاقتها بالحكومة؟ هل يجب فقط نقد أدائها الذي نعتقد أنه لم يرتق بعد إلى تطلّعات الشعب؟ أم الانهماك في العمل الجدّي البناء بتحمّل دورها كفاعل سياسي لا بدّ أن يطرح البديل المؤثّر؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها التقت الأسبوعي أمين عام حزب المجد عبد الوهاب الهاني..
حول المعارضة وخاصياتها اليوم، يقول الهاني «المعارضة مطالبة اليوم وبإلحاح بنزع جبتها الاحتجاجية والتحوّل إلى معارضة إيجابية بتقديم المقترحات البنّاءة والبديل الفعليّ والحقيقيّ الذي يقنع التونسيّ..»
ويضيف «المعارضة في الحقيقة هي معارضات والكتلة الرئيسية للمعارضة داخل المجلس التأسيسي تعاطت مع الشأن السياسي بشكل المعارضة الصدامية والآلية والمنهجية في كل الحالات، وبالطبع كانت مواقفها صائبة في عديد المواقف، لكن النزعة الصدامية ليست موفقة لأنها أحدثت لدى الرأي العام نوعا من الملل».
هناك مواقف تحريضية..
وتوجهنا بالسؤال لعبد الوهاب الهاني حول الاتهامات التي وجّهت للمعارضة من خارج المجلس من كونها معارضة تآمرية وتحريضية وتساندها في ذلك بعض وجوه المعارضة حتى من داخل المجلس التأسيسي، فأفادنا «رغم أنه في العموم هناك مواقف للمعارضة قد نعتبرها تحريضية واحتجاجية لكن هناك أحزابا حاولت طرح البديل، ففي أزمة كلية الآداب بمنوبة كنّا في حزب المجد قد طالبنا بتطبيق القانون وطرحنا فكرة الموفق الجامعي.. وعديد الأحزاب أبدت مواقف صارمة من حشر الموقف الرسمي التونسي في مطبات لا ناقة لنا فيها ولا جمل، كقرار طرد السفير السوري، وعقد مؤتمر أصدقاء سوريا..
فالوضع العام يتطلب الوفاق بما يفرض على الحكومة أن تصغي، ويتطلب من القوى خارج السلطة أن تحرص على إنجاح الانتقال الديمقراطي، وأفضل موقف هو موقف المساندة النقدية للحكومة، بمعنى دعمها عندما تصيب وعدم التواني في نقدها عندما تخطئ..»
منطق العداوة وليس الشراكة السياسية
وحول رؤيته الخاصّة لكيفية تعامل الحكومة مع المعارضة في الوقت الراهن يقول الهاني «هناك توتّر شديد وكيل للاتهامات في تعامل الحكومة مع المعارضة والتخويف بوجود مؤامرة.. فالترويكا القائمة تعاملت بمنطق الأغلبية التي تحكم، وتترك الأقلية تعارض، وهذا ما يتطلب القطع مع ما سبق، والبحث عن التوافق في هذه الفترة الدقيقة خاصة وأن هذه الحكومة هي وليدة ائتلاف حزبي، وهي ليست حكومة وطنية منبثقة مباشرة من انتخابات، أو حكومة إنقاذ وطني..
وبالتالي سجنت حكومة الترويكا نفسها داخل سجن السلطة وما فتئت تقدّم نفسها على أنها ضحية، وهنا نتساءل: ضحية لمن؟.. فكيف تكون ضحية لمن يمسك بمقاليد السلطة؟
ومن الواضح أن الهدف من هذه التصريحات التخوين وتخويف المعارضة وإرجاعها إلى مربّع الاستقالة وإعادة المواطن إلى شرنقة التخوّفات..
وهنا نؤكد أن الحكومة تعاملت بمنطق العداوة السياسية وليس الشراكة السياسية وإذا أخذنا بعين الاعتبار عامل عدم الخبرة فإن ذلك لا ينفي مسؤوليتها عمّا يحدث من عوائق وانفلاتات لتورّط الأحزاب المكونة لهذه الحكومات إبان الحملة الانتخابية في رزمة من الوعود الوردية، لكن لما وصلت إلى الحكم اكتشفت واقعا مريرا بعيدا كل البعد عن وعودها وفرص تطبيقها..
وهنا كان أمامها خياران لا ثالث لهما وهو إمّا اشتراء السلم الاجتماعي بقرارات شعبوية تكون غير كافية لإقناع الرأي العام.. وذلك عوض أن تبحث عن حلول جذرية للخروج من المأزق.
والخيار الثاني هو تأجيج المواطنين بعضهم ضدّ بعض.. للإلهاء وتهدئة الأوضاع بطريقة اصطناعية..
لكن المطلوب من الحكومة أن لا تتعاطى مع الواقع بمنطق انتخابي وأن يترفع الفريق الحكومي عن ذلك ويصارحوا الشعب بالحقائق على مرارتها.. فأكثر ما يهدّد الأمن القومي هو انفصام عرى الوحدة الوطنية».

رضا بوزريبة: النقد ليس مؤامرة.. ومنطق التظلم اعتراف بالهزيمة
لتركيع المعارضة وجعلها طيّعة ومستكينة وجد بن علي ضالته في شعار رفعه في وجه كل من قال لا ليجعله يقول نعم .. إنه التخوين.. كان معارضو بن علي جميعا ودون استثناء ما عدا الكرتونيين منهم متهمين بالخيانة إلى حين يريد بن علي العكس، لا لشيء إلاّ أنهم رأوا ما لم يره هو..
واليوم عادت نبرة التخوين تطغى على المشهد السياسي فالمعارضة تتهم أطرافا حكومية بخيانة مبادىء الثورة والحكومة تتهم المعارضة بدسّ الدسائس ونسج المؤامرات.
المعارضة تشتغل على برامج..
وليس على وعود
رضا بوزريبة الوجه النقابي المعروف أكّد حول هذه الاتهامات وغيرها «أن المعارضة مرتبطة في عملها ضرورة بمسألة السلطة باعتبار أن الطرف الحاكم يقوم بواجب يتعيّن عليه القيام به، وعندما يختل أداؤه، أو يتقاعس في القيام بواجبه يكون له الطرف المعارض بالمرصاد، وعادة الأحزاب التي خارج السلطة أن تكون له بالمرصاد، فتنقد أداءه وتبرز ثغراته وتحاول تقييمه..
وبالتالي المعارضة تشتغل وتساهم بطرح البدائل عندما تكون هناك برامج سياسية واقتصادية واجتماعية معينة، فهي على خلفية هذه البرامج تطرح مواقفها منها وتقرّ رؤيتها الخاصّة في المسألة.. أي عندما تكون هناك برامج مقدمة وذات جدوى وتطرح رؤية سياسية معينة للطرف الحاكم، تكون المعارضة نفسها ذات وجود إيجابي وعلى نفس الشاكلة ولا تقدّم للرأي العام نفسها على أنها عنصر معرقل ومعطل للمسار السياسي أو بلغة أدقّ للعمل الحكومي..
وبحسب ما ذكر نستنتج أن هناك ضعفا للسلطة وضعفا للمعارضة على حدّ السواء.
علاقة الحكومة بالمعارضة
وسألنا رضا بوزريبة عن رؤيته كي تنجح الحكومة والمعارضة في إرساء حياة سياسية متوازنة فأكّد «أن أحزاب المعارضة وكل مكوّنات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات عمالية هي عنصر توازن في المجتمع والحكومة لا يمكن بحال أن تعمل وتنجح منعزلة، وبالتالي من الضروري أن يكون هناك عمل مشترك يقوم على أسس نقدية جادة ويتطلب رؤية مشتركة وتقاسما واضحا للأدوار حتى يحترم كل واحد حدود الآخر ونرسي قيم التوافق المسؤول والبنّاء..
فعندما يكون هناك التباس وتداخل للأدوار تصبح المسألة أكثر ضبابية.. لكن يبقى للمعارضة دور أساسيّ في البناء الديمقراطي، وعكس ما يحاول بعض الأطراف الترويج له، فإن المعارضة في التأسيسي لا تقوم بالتشويش على أيّ طرف بل تقوم بما تراه مناسبا للدفع نحو القيم الديمقراطية الحقيقية.
وعلى الحكومة أن تحاول إيجاد الأجوبة لكل الأسئلة التي تطرح عليها، وما تقوم به المعارضة لا يمكن جعله شماعة لعدم نجاعة الأداء الحكومي فلا شيء يمنعها من العمل، لكن ما يستنتج حقيقة هو غياب البرنامج والرؤية الواضحة..
لكن على ما يبدو هناك خواء سياسي حكومي، وحتى لدى بعض الأطراف المعارضة.
ناهيك عن الخلط بين عمل المجتمع المدني والعمل السياسي وخطوط التماس هذه لا بدّ أن تتوضّح بشكل نهائي حتى يكون لكل عمل جدوى وفاعلية، وهذا الخلط يمكن أن نجد له بعض التبرير في كوننا نعيش فعلا سنة أولى ديمقراطية وسنة أولى ممارسة حقيقية للسياسة.
وأريد أن ألفت نظر الحكومة الى أن إشاعة نظرية المؤامرة بين الناس والتظلّم هو في حدّ ذاته اعتراف بالهزيمة باعتبار أن من يحكم عرضة للأعمال التحريضية وعرضة للمؤامرات والنقد والدسائس، بغاية إسقاطه والحلول محلّه فهذا هو إطار لعبة السياسة في كل بلدان العالم وليس حكرا على حكومة الترويكا».

أحمد المشرقي (حركة النهضة):الحكومة والمعارضة.. ولعبة الأخطاء بعناوين كبيرة
صياغة الدستور تخضع لمبدإ إرضاء الناخب..
عندما يتّخذ حزب سياسي مكانه لسنوات في المعارضة من ثمة يتحوّل إلى الحكم والسلطة حتى ولو كان ذلك عقب انتخابات شرعية وديمقراطية فأكيد أن ترسّبات ذهنية المعارضة ستطغى قليلا على طرحه السياسي وهذا ما لمسناه في أحزاب «الترويكا» التي تتصرّف في بعض المواضيع كأحزاب معارضة وليس كأحزاب تمسك بمقاليد الحكم..
حول رؤية حزب النهضة نواة» الترويكا» لعمل المعارضة وعلاقتها بحكومة الائتلاف السياسي توجهنا بسؤالنا الى أحمد المشرقي ممثل حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي ..
«دسترة الديمقراطية التشاركيّة»
عندما طرحنا سؤالا عن أهمية دور المعارض في البناء الديمقراطي بادرنا أحمد المشرقي بالقول: «أنا من حيث المبدأ أؤمن أنه ليس هناك حياة سياسية حقيقية دون أن تكون هناك معارضة قوية وذات مشروع ديمقراطي؛ ونحن نحرص على أن نسنّها في الدستور , دستور الديمقراطية التشاركيّة التي تتفوّق على الديمقراطية النموذجية . فمن خلال تجارب سياسية كثيرة لاحظنا كيف يمكن لديمقراطية الأغلبية أن تنقلب إلى دكتاتورية ولنا في الأنظمة النازية والفاشية عبرة؛ فصناديق الاقتراع حتى وإن دفعت بالأغلبية إلى سدة الحكم فإنها لا تحمي من انزلاقات الاستبداد و التغوّل الجائر.
نريد معارضة تبادر ولا تكتفي بالنقد فقط..
وعن دور المعارضة حاليا وما إذا كانت تستجيب لمرحلة البناء الديمقراطي يقول أحمد المشرقي: «المعارضة بشكلها الحالي لا تستجيب بردّات الفعل بل تكتفي بردّ الفعل وتسجيل نقد ينشأ عن فعل الحكومة..
والمعارضة الحقيقية هي التي لا تكتفي بالنقد الذي ينشأ عن فعل الحكومة بل هي التي تبادر؛ فالنقد هو جزء بسيط من عملها. فالأصل في عملها أن تقترح المشاريع وتبحث عن الحلول وتطرح البدائل التي تخدم الصالح العام.
وانطلاقا من واقعنا التونسي الذي ما زال لم يراكم بعد تجربة ديمقراطية عريقة تستجيب للنقد اللاذع الذي تمارسه المعارضة وتطرح فيه مواقف حادة وشاجبة فإنه والتزاما بالمسار الانتقالي وبالتجربة الديمقراطية الوليدة فإن الحكومة والمعارضة كلاهما يجب أن يوحّدا جهودهما لهدف مشترك كي نؤسس مستقبلا لديمقراطية حقيقية.
وعوض أن تتصيّد الحكومة أخطاء المعارضة وتجعل منها عناوين كبيرة لهجومها وعوض أن تقف المعارضة بالمرصاد لزلات الحكومة وتجعلها يافطات لنقدها لنتفق حول قواعد عمل مشترك وأسس مستقبل ديمقراطي تشاركي؛ فهذا الأنفع للبلاد والعباد..و لا يجب أن تتحوّل الساحة السياسية إلى ملعب كرة قدم تحرص كل من الحكومة والمعارضة على تسجيل أكبر عدد من الأهداف الواحد في شباك الآخر.
وأريد أن أشير إلى أنني ما عاينته حاليا هو أن ذهنية الانتخابات القادمة تسيطر على ائتلاف «الترويكا» الحاكم وعلى المعارضة على حدّ سواء وحتى في صياغة الدستور بحيث باتت كل الأطراف تعمل على إرضاء الناخب في صياغة الدستور وهذا خطير لأن الدستور ليس مرتبطا بظرفية بل هو نصّا سيخلد لأجيال قادمة وكان هذا الإرضاء موجودا في الزجّ بالإسلام سلبيا وإيجابيا في المسألة الدستورية.
و أنا أختصر هذه المسألة في جملة هي» أن الدستور يجب أن يستجيب لروح الشعب وروح الزمان.»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.