تمسح ولاية باجة 374 ألف هكتار و تمثل المساحة الصالحة للزراعة 341 ألف هكتار بما يعادل 91%من المساحة الجملية و تعتبر أراضي باجة الأكثر خصوبة بالبلاد التونسية لوقوع سهول شاسعة من الجهة ضمن نطاق حوض مجردة و لهذا السبب تعتبر الزراعات الكبرى القطاع الغالب في الجهة و هو يعرف عدة مشاكل تكبله و تمنع نهوضه. تسجل تكاليف الإنتاج في الزراعات الكبرى ارتفاعا غير مسبوق في متابعتها للارتفاع المطرد لأسعار المواد الفلاحية من آلات و أسمدة كيمياوية و أدوية و بذور...مع بقاء صغار و متوسطي الفلاحين عرضة لابتزاز المزودين الذين يحصلون على أرباح مهولة بواسطة الاحتكار و الترفيع في الأسعار دون حسيب أو رقيب وعلى سبيل المثال تحتاج زراعة الحبوب إلى الأسمدة و خاصة مادة الأزون(الأمونيتر)في أوقات محددة يكون أثناءها الفلاح مفتقدا للموارد المالية للأزمة لتوفير هذه المادة الحيوية مع امتناع التجار عن التزويد عبر الخلاص المؤجل بتعلة هامش الربح الضعيف لهذه المادة على عكس الأدوية ذات الربح الفاحش التي يبيعونها بكل أرياحية و يقبلون تأجيل سداد ثمنها إلى نهاية موسم الحصاد، وتجدر الإشارة إلى أن نقص في مادة الأزون يؤدي إلى انخفاض فادح في الإنتاج يصل إلى النصف أو أكثر و لهذا فان التدخل المباشر للدولة في التزويد بهذه المواد و اقتطاع ثمنها لاحقا عند بيع المنتوج مع إيجاد حلول ناجعة لضرب الاحتكار عبر المراقبة الصارمة للأسعار و النوعيات هو عمل أكثر من ضروري. تؤدي وعورة المسالك الفلاحية أو انعدامها إلى عزلة مساحات متزايدة من الأراضي بما يمنع تزويدها بالمواد الأزمة و عرقلة تسويق المنتوج. بالنسبة إلى التسويق يشتكي الفلاحون من التباين الواضح بين التكاليف الباهظة للإنتاج وأسعار البيع غير المجزية و بالمحصلة فان الفلاح هو الحلقة الأضعف والخاسرالأكبر سواء قبل بداية النشاط الفلاحي في مواجهة ارتفاع التكاليف و بعد نهاية النشاط الفلاحي في مواجهة المضاربين و الأسعار المنخفضة مقارنة بالكلفة.إن التراجع الحاد في مدا خيل صغار و متوسطي الفلاحين يعيق بشكل جدي و خطير عملية التراكم المالي في الجهات الداخلية مما يعرقل التشغيل و التنمية و تطوير القطاع الفلاحي في هذه المناطق. هذا و تشكل المديونية كابوسا بالنسبة للفئات الضعيفة من فلاحي جهة باجة نظرا للارتفاع المشط للنسب الفائدة الموظفة على القروض الفلاحية حيث تبلغ في اسبانيا على سبيل المثال 3% وتصل في بلادنا إلى 9 و أحيانا 10%وقد أدّى هذا الأمر إلى تجاوز القيمة المالية لهذه الفوائد أصل الدين نفسه مما أثقل كاهل الفلاحين و بالتالي عجزهم في أحيان كثيرة عن الإيفاء بتعهداتهم إزاء البنك الفلاحي و لو عبر الجدولة، ولا نرى حلا بهذه المسألة سوى في توفر إرادة سياسية صادقة و شجاعة تلغي مديونية الفلاحين الصغار و المتوسطين أو تلغي الفوائض المترتبة عن هذه القروض عند القيام بالجدولة و هذا أضعف الإيمان. من الوجهة التقنية يعتبر الافتقار إلى الرزمة الفنية مشكلا جديا نتج عنه تواصل التفكير الفلاحي التقليدي مما يستدعي تفعيلا أعمق لدور الفنيين و المهندسين الفلاحين و ذلك عبر ابتكار صيغ عملية تجمع بين السلاسة و النجاعة في ربطهم بالفلاحين بغرض إرشادهم,و لو توفرت الرزمة الفنية في هذا الموسم الواعد لبلغ الإنتاج أرقاما قياسية لم نشهدها قط. إن إهمال القطاع الفلاحي في المناطق الداخلية بصفة عامة و جهة باجة بصفة خاصة هو عبث خطير بمقدرات الشعب و الاقتصاد الوطني و لا بد أن ينطلق إصلاح ما أفسدته منظومة الفساد السابقة و ذلك بواسطة قرارات شجاعة تقطع مع البيروقراطية و تعيد هيكلة الأراضي الفلاحية الدولية على أسس سليمة تعطي الأولوية للكفاءات في التشغيل و التسيير حتى نتمكن من تقديم الحلول المثلى للنهوض بأهم قطاع في بلادنا على الإطلاق.