يتكرّر دائما ان نهضة اي مجتمع من المجتمعات يعتمد على تكاثف جهود جميع ابنائه رجال ونساء على قدم المساواة، ولم يعد هناك شك في ان العنصر البشري يقع في قمة الاهمية اللازمة لتحقيق التقدم المنشود للمجتمع ليس فقط باعتباره من اهم عوامل الانتاج فحسب، ولكنه في الوقت نفسه الهدف الذي يسعى المجتمع الى اسعاده ورفاهيته، وهو يمثل القيمة الحضارية التي يقاس عليها مدى تقدم الامم. وتمثل المرأة نسبة متزايدة من هذا العنصر البشري، ولا سيما بعد التوسع الواضح في تعليم الفتيات وتزايد الخريجات من الجامعات حتى اصبح من المصادر الهامة للقوى العاملة، وقد ثبت انه من ناحية القدرة العقلية لا يوجد اختلاف محدد بين الجنسين حيث يقفان في نفس المستوى وان كانت المرأة تتفوق على الرجل في بعض نوعيات الاعمال التي تحتاج الى القدرة على التركيز الطويل دون ملل، وليس لي شأن في اعادة التأكيد على البديهيات القديمة مثل المرأة نصف المجتمع او ضرورة تحرير المرأة من الاضطهاد او حتى تفعيل المكتسبات التي حصلت عليها، انما الغاية الأساسية هنا هي إلقاء الضوء على تواجد المرأة في الاتحاد العام التونسي للشغل. ومن خلال خبرتي وتجربتي الشخصية داخل هذه المنظمة العتيدة يتبين لي انه على المرأة اولا ان تنصاع لآراء وأهواء المسؤولين النقابيين مهما كان منصبهم وخاصة منهم الذين لا يقبلون الرأي المخالف او الذين كثيرا ما كانوا يفضلون المهادنة من طرف هذه اللجان عوضا عن الرأي الحر والهادف. وهنا لابد لي من الإشارة الى انني كنت وعدد من زميلاتي سعيت منذ أوائل التسعينات الى تأسيس لجان للمرأة داخل الاتحاد وكنا نرتكزفي هذا المجال على الخط الهادف للنهوض بأوضاع المرأة العاملة. لكن ما راعانا، بعد تأسيس هذه اللجان وتقنينها في التسعينات من القرن الماضي، الا أن كشرت كل الاطراف المتداخلة على انيابها واصبحت لجان المرأة عبارة على لجان شكلية لا علاقة لها بالمرأة العاملة وهمومها. فتجربتي في هذا المجال ليست وليدة اللحظة وسأحاول في ما يلي البحث عن الآلية الضامنة لتواجد النساء في جميع مستويات الهياكل دون انحرافها عن الموقف الملتزم بالدفاع عن المرأة العاملة وكذلك التمسك بقضايا هذا الشعب وهذا الوطن والوقوف دوما مع الحق والحرية والعدل وضد الظلم والقهر والاستبداد، لسببين اولهما ثوابت المنظمة وثانيهما قناعتي الراسخة بهذه المبادئ. من خلال الاطلاع على الدراسات القانونية حول وضع المرأة العاملة، توصلت الى ان مركزها القانوني ليس معزولا عن مركز الرجل العامل، وما يسمى حقوق العمال هو بالضرورة يمس العاملات، وكل ما يتعلق بالعمل سواء في العلاقة مع صاحب العمل او في العلاقة بالحالة الاقتصادية، او الحق في التنظيم النقابي. كذلك لا يوجد شروط خاصة بالمرأة في عملية الترشح لعضوية النقابة بجميع المستويات، لان الشروط لا تميز بين المرأة والرجل، ولا تتضمن اية احكام خاصة بينما تظهر الهوّة بين النص والتطبيق، اذ نلاحظ انه لم تتول الى يومنا هذا أي امرأة عضوية المكتب التنفيذي او مركز الأمانة العامة مع انها وصلت الى عضوية الهياكل الوسطى منذ مدة ولو كان ذلك بصفة ضئيلة جدا. والاسباب طبعا تعود إلى قلة بقائهن كعضوات في النقابات العامة او الجامعات والى ترددهنّ في الترشح لهذه المراكز بسبب الصعوبات الناشئة عن اضطرارهن التوفيق بين واجباتهن العائلية والعمل النقابي وكذلك الى النظرة الدونية السائدة للمرأة اضافة الى موقف زميلها في النقابة منها الذي يتسم في غالب الاحيان بالرفض الضمني الذي لا يقع الاعلان عنه الا على ورقة الترشح خاصة عندما تكون المرأة ذات كفاءة عالية او شخصية قوية او تختلف معها سياسيا او حتى تكون مستقلة عن كل التيارات. وتبعا لما تقدم ذكره يتبين لنا ان النصوص القانونية المنظمة للحياة النقابية داخل الاتحاد لم تتطوّر من أجل تحقيق المساواة الفعلية، سواء على صعيد الممارسات او على صعيد ضمانات الممارسة النقابية في ظروف متساوية خاصة وان هذه القوانين أغلقت اية احكام خاصة بالنقابية التي تتحمل اعباء المسؤوليات العائلية. وللتذكير كانت هذه اهم الدوافع لإحداث لجان المرأة العاملة التي مرّ ما يزيد عن 20 سنة على تأسيسها. اذا اصبح فشلها من هذه الناحية جليا واعتبارا الى ان المرأة تعتبر الاكثر تضررا من التمييز الاجتماعي والاقتصادي والديني والسياسي في هذه المرحلة فمن واجب منظمة بحجم الاتحاد العام التونسي للشغل ان تسعى الى رفع كل اشكال التمييز ضد المرأة وخاصة داخل النقابات. وبناء على كل ما تقدم ذكره اتضح ان هناك عدة اعتبارات تقف وراء عدم الاستفادة الجدية من الامكانات القيادية للنساء العاملات، حيث يستبعدن عن مواقع القرار النقابي، تارة عبر التهديد من طرف الاعراف في القطاع الخاص، وطورا يكون السبب عدم الوعي لدى الزملاء الرجال بقدراتهن، او عدم الجرأة لديهن على خوض المعترك وتبوّء المسؤولية. وانا متأكدة ان هناك جحافل من النقابيات والنقابيين النزيهات والنزهاء الذين يشاطرونني الرأي في كل ماسبق لكن مازالوا يبحثون عن الطريقة المثلى التي قد تخرجنا من هذا المأزق الذي لا يليق بمنظمة بحجم الاتحاد العام التونسي للشغل حيث وجود العنصر الانساني في سلطة القرار لا يزيدها الا اشعاعا وقوة. وفي النهاية، أودّ ان يقع تبني هذه المقترحات كخطوة انتقالية تنتقي بعد تطبيقها مرحليا: تحديث وتعديل كافة النصوص التي تتضمّن التمييز بين الرجل والمرأة في القوانين والانظمة الداخلية للاتحاد العام التونسي للشغل. العمل على تعزيز مواقع المرأة في النقابات والسعي الى تحفيزها للمشاركة بالانشطة النقابية وخاصة التكوين والدراسات. احترام خصوصيات المرأة عند تحديد الزمان والمكان للانشطة. العمل بالتمثيل النسبي كمبدأ او طريقة او آلية انتخابية تسمح للنساء بالتواجد في الهياكل الوسطى والعليا والحد من التوترات والمشاحنات التي تصاحب الانتخابات حيث ان هذه الطريقة تضمن حق التمثيل للجنسين في الهيئات المسؤولة وكذلك تضمن حق المستقلات في الوصول إلى هذه الهيئات من داخل او خارج القوائم الانتخابية الحزبية المعتمدة. تفتح جريدة الشعب كعادتها صفحاتها للأخوات والأخوة النقابيات والنقابيين لكتابة آرائهم وتصوراتهم حول هيكلة الاتحاد العام التونسي للشغل