قدم كل من الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان وهيئة الخبراء مقترح مشروع قانون يتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات بهدف إنجاح الانتخابات القادمة والقطع النهائي مع المحاصصة الحزبية ويدعم مبدأ الاستقلالية والشفافية. وكشفت الندوة الصحفية المنعقدة يوم السبت الماضي بمقر الاتحاد بنهج محمد علي بإشراف كل من الأخ حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، والأستاذ شوقي الطبيب عميدالهيئة الوطنية للمحامين، والأستاذ عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والأستاذ عياض بن عاشور ممثل هيئة الخبراء أهم ملامح هذا المشروع الثلاثي والذي يؤكد حرص مكونات المجتمع المدني التي عرفت تاريخيا بنضالها وباستقلاليتها على شفافية الانتخابات القادمة. وذكر الأخ الأمين العام للاتحاد بجهود الثالوث (الرابطة والعمادة والاتحاد) في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطياف السياسية بعد ثورة 14 جانفي لخلق مسار انتقالي يحافظ على الثورة ويمنع أية محاولات لإجهاضها وهو ما مكن من التوصل ولو بشيء من الصعوبة الى تثبيت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي كان لها الدور الكبير في نشأة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وأكد الأمين العام أن نجاح الهيئة المستقلة السابقة التي ترأسها كمال الجندوبي جاء نتيجة الحرص على أن تكون ممثلة بعناصر مستقلة غير تابعة للأحزاب مما أفرز انتخابات ديمقراطية وشفافة وانبثقت عنها حكومة شرعية ومجلس تأسيسي موكول له إصدار القوانين. وشدد الأمين العام للاتحاد على رفض قوى المجتمع المدني أي هيمنة على الهيئة المستقلة العليا للانتخابات من طرف أي جهة سياسية وجدد العباسي تأكيده على أن هذه المبادرة تأتي في إطار إيجاد حلول توافقية وناجعة للواقع السياسي الحالي ومن أجل انتخابات ناجحة وديمقراطية وشفافة بعيدة عن الاحترازات من أجل بناء دولة جديدة ديمقراطية. وكشف الأمين العام عن استعداد الأطراف الثلاثة (الاتحاد وهيئة المحامين والرابطة) للدفاع عن مشروعها الهادف إلى هيئة عليا مستقلة للانتخابات قادرة على انجاح الانتخابات القادمة وتضمن شفافيتها. من جهة أخرى أكد الأستاذ عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن هذا المشروع هدفه أن تكون الانتخابات المقبلة حرة ونزيهة وشفافة. مما يتطلب إحداث هيئة عليا مستقلة للانتخابات تضمن التداول السلمي على السلطة وتضمن انتخابات حرة ونزيهة مع الأخذ بعين الاعتبار للشرعية الانتخابية الحالية المتمثلة في الرئاسات الثلاث كأن يكون رئيس الهيئة الجديدة متفق عليه من قبل الرؤساء الثلاث. وتمت الدعوة إلى تشريك المجتمع المدني في تركيبة الهيئة لتجنب المحاصصة الحزبية مؤكدا ضرورة ألا تشارك وجوه حزبية في تركيبة الهيئة حتى لا تؤثر على نتائج الانتخابات. وفي نفس الإطار تحدث الأستاذ شوقي الطبيب عن ضرورة النظر باهتمام لهذا المشروع الرامي إلى ضمان مستقبل تونس على درب الديمقراطية الحقيقية. واستمع الحاضرون إلى رأي الخبراء حول كيفية ضمان انتخابات شفافة مؤكدين على ضرورة أن تكون تركيبة الهيئة المستقلة العليا للانتخابات من المجتمع المدني كما يضم المشروع الذي سيعرض على المجلس التأسيسي 32 فصلا ومن 4 أبواب عامة وهي: أحكام عامة، مجلس الهيئة والجهاز الإداري والمالي والفني، وباب الأحكام الانتقالية الختامية . ويقترح مشروع الأطراف الثلاث أن يتركب مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من رئيس و8 أعضاء ويتم اختيار رئيس الهيئة بالتوافق بين الرؤساء الثلاثة ويتولى رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ترشيح 6 مرشحين كالآتي: اثنان من المجتمع المدني واثنان من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات السابقة، واثنان من الشخصيات الوطنية ذات الخبرة. شرح الأسباب يتفق الجميع على انه لضمان انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة وشفافة، يجب إحداث هيئة دستورية دائمة ومستقلة، تتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة بما يؤهّلها لإعداد انتخابات واستفتاءات على درجة عالية من الجودة والكفاءة. إن تونس حديثة العهد بانتخابات بمثل هذه المواصفات. لكن بالرغم من غياب التجربة في هذا المجال و بالرّغم رغم الظروف الصعبة التي عرفتها تونس في الفترة الانتقالية الأولى لغياب الشرعية الدستورية استطاعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أحدثت بمقتضى المرسوم عدد 27 لسنة 2011 المؤرّخ في 18 أفريل 2011 كسب درجة عالية من الثقة لدى جزء كبير من الناخبين والرأي العام والطبقة السياسية. واستطاعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن تدير انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بصفة مقبولة بالرغم من العوائق المذكورة و من النقائص التي شابتها. إنّ الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان وهيئة الخبراء حرصا منهم على المشاركة البناءة لمستقبل تونس يقترحون هذا المشروع لإحداث هيئة عليا مستقلة للانتخابات يأخذ بعين الاعتبار في نفس الوقت مقتضيات الشرعية الانتخابية وتشريك مكونات المجتمع المدني وضرورة استخلاص التجربة السابقة و احسن الممارسات الدولية. تشريك المجتمع المدني والتمييز بين سلطة الاقتراح وسلطة التعيين من ناحية اخرى إن قيام هيئة مستقلة تحظى بالمقومات القانونية والمالية الكفيلة بتمكينها من ممارسة مهامها بكل نجاعة، هيئة محصّنة من كل الشكوك بعيدة عن كل محاصصة حزبية وتتمتع في نفس الوقت بأوسع توافق ممكن هي شأن كل التونسيين. وهذا ما يقتضي تشريك مكونات المجتمع المدني المختصة في رسم ملامح هيئة دائمة تحظى بثقة الجميع. وعلى هذا الأساس نجد المشروع المقترح يعطى سلطة الاقتراح أو الترشيح الى مكونات المجتمع المدني ويسعى إلى تشريك شرائح هامة في عضوية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مثل القضاة والمحامين والجامعيين من ذوي الاختصاص في المجال الانتخابي والشخصيات الوطنية ذات الخبرة في المجال الاعلامي والمجتمع المدني. وفي مرحلة ثانية يسند المشروع المقترح سلطة التعيين بالانتخاب إلى المجلس المكلف بالسلطة التشريعية لاعتباره المؤسسة الاصلية التي انبثقت على الشرعية الانتخابية والتي تتمتع بالكلمة الفصل في تعيين اعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وبالتالي يكرس المشروع المقترح أحسن الممارسات الدولية الاكثر شيوعا في تعيين أعضاء الإدارة الانتخابية و التي تتمثل في التمييز الواضح بين سلطة الاقتراح و سلطة التعيين أو الانتخاب. اجتناب المحاصصة الحزبية في نفس الوقت اجتنب المشروع المحاصصة الحزبية حيث يرى الكثير من المحللين في الشؤون الانتخابية أنّ تشكيل الإدارة الانتخابية من ممثلي الأحزاب السياسية أو من أشخاص تقترحهم الأحزاب ربما من شأنه أن يسهم في تحقيق الإجماع والتوافق بين مختلف الأطراف المشاركة في العملية الانتخابية، وإضفاء مزيدٍ من الشفافية على عمل تلك الإدارة. إلاّ أنه في المقابل تؤدي تشكيلة الإدارة الانتخابية من ممثلين عن مختلف الأحزاب السياسية أو من أشخاص تقترحهم الأحزاب إلى شلّها والتشكيك فيها وعرقلة عملية اتخاذ القرارات من قبلها، خاصةً عندما يتعلق الأمر بمسائل تمس مصالح تلك الأحزاب. كما أن وجود ممثلين حزبيين أو من أشخاص تقترحهم الاحزاب في عضوية الإدارة الانتخابية من شأنه أن يضر بمقتضيات المسار، كتلك المتعلقة بمتطلبات السرية والكتمان أو التحفظ حول إجراءات عملية الاقتراع أخيراً تؤدي هذه التشكيلة إلى التشكيك السهل في استقلالية الهيئة والامتعاض من قبل بعض المجموعات، خاصةً أحزاب الأقلية و المستقلين. تعزيز مشروعية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات و توسيع دائرة الوفاق من ناحية أخرى يقترح المشروع نظام أغلبية الثلثين في انتخاب أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبل المجلس المكلف بالسلطة التشريعية ويمكن تبرير هذا الحل بإعطاء الفرصة لأكثر عدد ممكن من أعضاء السلطة التشريعية في اختيار أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لإعطائها المشروعية الضرورية والثقة لدى الجميع في هذه الفترة الانتقالية باعتبار ان ذلك يكرس مبدأ التوافق الذي تقتضيه خصوصية المرحلة. ورغم ما قد يرى فيه البعض مصدرا لتعطيل عملية تشكيل الهيئة وذلك لصعوبة توفّر أغلبية الثلثين منذ أول تصويت، فإننا نرى عكس ذلك، لأن أهمية هذه المؤسسة ودورها المحوري في المسار الانتقالي نحو الديمقراطية، يقتضيان في صورة عدم التمكّن من توفّر الأغلبية المذكورة في مرحلة أولى بفتح باب التفاوض والتنازلات المتبادلة بين كل الأطراف المعنية للوصول الى درجة عالية من الوفاق تسمح بتعيين أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. من ناحية الشكل تضمّن المشروع المقترح اربع ابواب يخص الباب الأوّل الاحكام العامة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والباب الثاني، مجلس الهيئة والباب الثالث، الجهاز التنفيذي او الاداري والباب الرابع، الأحكام الانتقالية والختامية.