يبدو أن معصرة «السيّد زيتون» اعتصرت كل إمكانياتها ولم تنجح في ضخّ زيت ينير سراج عالم صاحبة الجلالة التي تسعى جاهدة إلى أن تخرج من عتمة الاستبداد الذي عانت لسنوات وعقود من رغبته في التسلط والتوجيه والتدجين. تمخضت عبقريّة السيّد غوبلز فأنجبت قرارات لم يعد يخفى على أبناء القطاع وكل المهتمين بالشأن الإعلامي أنّها إعادة إنتاج لنفس منظومة التحكم التي تحاول أن تخلق إعلام ذليل تابع ومهادن يحاول استرضاء الحكومة ويسير في ركبها يزيّن لها قراراتها وانجازاتها حتّى وإن كانت محض خيالات لا ترقى إلى الواقعية التي تنكسر على مرآتها كل المسطحة كل المواقف الهلاميّة الفاقدة للتحقّق في أرض الواقع. نتجاوز الخوض في الأسماء التي رشحتها عبقريّة السيّد لطفي زيتون للاضطلاع بمسؤولية الإشراف على المؤسسات الإعلاميّة العموميّة أو التي هي تحت تصرّف الدولة استرجعها الشعب من المنتفعين من عطايا النظام السابق من الأقارب والأصهار والمقربين، فقد كفتنا المواقع الاجتماعية مشقة البحث في تاريخها الإعلامي ومدى إسهامها في معركة حرية الإعلام زمن الطاغية أو درجة كفاءاتها وخبرتها وقدمت لنا سيرها الذاتيّة المهنيّة والسياسيّة وكذلك سجلاتها العدليّة.. لنعود إلى طرح الأسئلة الجوهريّة: هل تُعَدُّ التعيينات الفوقيّة في غياب التشاور مع أهل القطاع وتغيير الهياكل الممثلة مدخلا صحيحا لإصلاح الإعلام في تونس ؟ يبدو أن حكومة «الترويكا» التي كانت تحرص على تقديم التبريرات لتفردها بالتعيينات على رأس المؤسسات الإعلاميّة لم تعد تخجل من ذلك بل امتلكت من الجرأة ما جعل السيّد عامر العريض يصرّح خلال أحد اللقاءات التي جمعته بصحافي دار الصباح في بهو المجلس التأسيسي « أنّ الحكومة ستواصل التعيينات ولن تتراجع لأن الإعلام فاسد وغير محايد». وقد سبقت هذه التصريحات مواقف لعديد المسؤولين في الحكومة تؤكد نفس المضمون الوارد في كلام عامر العريض من قبيل ما نطق به السيّد زيتون عندما اتهم النقابة الوطنية للصحافيين بالمعارضة الراديكالية للحكومة. لن نتوقف عند تصريحات أعضاء آخرين من الحكومة فهي أكثر من أن تُنسى وهي تشترك في العداء السافر والمرضي للإعلام والإعلاميين واتهامهم بشتّى النعوت التي تصل درجة هتك الأعراض والتشنيع وممارسة أحطّ الغرائز العدوانية العنصرية والتهم السوقيّة وهو ما كثفته مسرحية الاعتصام المهزلة الذي نظمته ميليشيات النهضة أمام التلفزة الوطنيّة والذي انتهى بوجبة الإرهاب الرمزي والجسدي الذي مورس ضدّ العاملين بالتلفزة ولولا تدخّل السيّد لطفي زيتون -كالعادة- لإقناع مجموعته الضاربة بالانسحاب التكتيكي لزهقت أرواح ووقعت الكارثة. تأتي اليوم معركة دار الصباح حلقةً أخرى من حلقات سياسة الأمر الواقع الحكوميّة المستنسخة من سياسة المخلوع في تمرير مواقفه ولكنّها دون شكّ حلقة مفصليّة ومعركة حاسمة في تاريخ الإعلام التونسي قد لا تعتبر كذلك بالنسبة إلى الإعلاميين الذين استمرؤوا الذل والهوان لسنوات بل هي تعد بمثابة الانتصار لنظريّة الانبطاح والزبونيّة الإعلامية التي صارت جزءا من عقيدتهم الصحافيّة، وفرصة لممارسة أحطّ أنواع الشماتة في الصحافيين الأحرار الذين سوّلت لهم أنفسهم التفكير في الخروج من بوتقة الموات الإعلامي إلى نور التحرر والانعتاق وممارسة فضيلة الحريّة توأم العمل الصحافي وروحه التي لا تفارقه. ومفصليّة هذه المعركة هي التي جعلت الحكومة تدفع بكلّ ترسانتها السلطويّة من اللاءات لتقصف بها كلّ صوت حرّ في صلف وتعنّت يذكّر بمناخات القهر النوفمبري ما استدعى من الحكومة الاستقراء بحلفائها في الجزيرة الذين دفعوا بمجموعة من الإعلاميين الانتحاريين إلى تنفيذ عمليّات لنسف النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين وفبركة عمليات انشقاق جماعيّة سيئة الإخراج والإعلان عن تكوين «نقابة الشرفاء» سيئة الذكر وجمع التوقيعات لها، انتهت والحمد لله بانشقاقات وهميّة متلفزة مكنّت النقابة من تطهير ذاتي تخلصت بفضله من بعض الخلايا النائمة. هذه الهرسلة المتواصلة التي تفرضها الحكومة ممثلة في شخص السيّد زيتون وجيشه الصحافي الحرّ الرافع للواء التطهير تنبئ بأهميّة المعركة وبضرورة أن يعي الصحافيون خطورتها على مستقبل القطاع بشكل خاص وعلى المسار الثوري في البلاد بشكل عام نظرا إلى أهمية الإعلام في أي عمليّة انتقال ديمقراطي وهو ما يتطلّب التفاف الصحافيين حول أداتهم النقابية وإعلان حالة الاستنفار القصوى لأنّ المؤامرة لتركيع الإعلام وإعادة الصحافيين إلى بيت الطاعة السلطوي تجري على قدم وساق.