تعددت الأوبئة عبر التاريخ ولطالما هددت مسيرة المجموعات البشرية وعصور ما قبل النهضة الأوروبية تشهد على فتك هذه الأوئبة ببني الإنسان، جارفا أمامه مدنا وقرى وبلدانا بأكملها. ورغم ما عرفته البشرية من تقدم وتطور تكنولوجي وعلمي فإنها بقيت تتململ أمام خطر إنفلونزا الطيور والإرهاب الديني اللذين ظهرا للسياسيين والعلماء وكأنهما من الأوبئة الغامضة الغريبة التي تبث الرّعب والهلع في الأماكن التي تحط بها الرحال. والحالة هذه لا تستثني حتى تلك الدول التي حققت سبقا عظيما في ميداني الاكتشافات العلمية البيولوجية (وأعني التلاقيح والمضادات الحيوية) والديمقراطية وأعني : (حرية التعبير وحقوق الإنسان) . لقد وجدت هذه الدول صعوبات بالغة في التعامل مع الموقف وحرجا شديدا أمام شعوبها التي بدأت تتذكر شبح الأوبئة والحروب التي شهدها العالم خلال العصور المظلمة. ولمواجهة هذا الحرج خصصت هذه الدول أرصدة خيالية للأبحاث العلمية، وأرصدة أخرى لمزيد نشر الديمقراطية، والغرض من ذلك هو اكتشاف جرعات تحمي كياناتها من هذا الخطر الأعمى وهنالك والحمد لله «مؤشرات وأشياء تعتمل في رحم المختبرات الأوروبية « على حد تعبيرا بن خلدون بتصرف، توحي بأن الأمر أصبح ممكنا وأن البشرية في طريقها الى أستئصال وباء إنفلونزا الطيور. شخصيا لا أقوى على الفصل بين إنفلونزا الطيور عافانا وعافاكم الله وخطر الإرهاب الطائر ويتأتي هذا التداخل في ذهني لأسباب موضوعية تتعلق بالقواسم المشتركة بين هذين الوباءين. فالطريقة التي يتفشي بها كل منهما واحدة ألا وهي العدوى!! وكذلك سرعة الانتشار، وعدم الاكتفاء بمكان معين من المعمورة أما عن كيفية الوقاية، وهو الاشكال الأكبر فان كان لا مناص من التلاقيح والمضادات الحيوية antibiotiques ومزيد الأبحاث المخبرية بالنسبة لوباءالطيور، فان الجرعة المثالية في نظري ضد عدوى الإرهاب الديني وتسرب سمومه الى أبدان شبابنا تكمن بصورة قطعية في مناهج التعليم وأقصد بذلك أن الشاب التلميذ الذي يتعلم ويتشبع بمعنى الحب من عليسة والوطنية من حنبعل والتسامح والاعتدال من القديس أو أوغستين Augustin Saint «قديس قرطاج المسيحي الوسطي المعتدل» (محمد الهادي الشريف) والشعر والحياة من أبي القاسم الشابي شاعر الحب والأرض والحياة ويتعلم الهوية الوطنية من حسين بن علي والتعلق بالأرض من كاهنة البربر، هذا الشاب التلميذ والطالب والباحث الأكاديمي أراهن على أنه يكون محصنا بصورة قطعية ضد الانجراف وراء مشاعر التطرف والشعوذة والخوارق. وكخطوة إجرائية أليس من الممكن تخصيص مساحة زمنية أكبر في مناهجنا وبرامجنا التربوية الى مادتي التاريخ والأرض، وتحديدا تاريخ المجتمع التونسي المتماسك والمتسامح والمعتدل في طقوس الدين وفي أشكال الحياة وفي شعائر المحبة. هذه الحقيقة لا غبار عليها في تاريخ القطر ويشهد بها علماء الإجتماع والتاريخ المحليون والأجانب. تونس في نظر أهلها كما في نظر الآخرين أرض التاريخ، أرض الحب والحضارة وما نسجله من مخاوف عابرة يمكن تلافيها بسهولة مثالية عبر تنشئة شباب متجذر في أرضه وثقافته ومعتزا بهويته الوطنية ومعتزا بانتمائه الى تاريخ قرطاج. وتمكن الجرعة المثالية فقط في التاريخ وإحيائه عند ما لا نحرم التمليذ أو الطالب من الشعب العلمية وهي كثيرة من مادة التاريخ وأقصد تاريخ الوطن وحضارته العريقة ورواده ومصلحيه ومفكريه ومؤرخيه وشعرائه، .صحيح أن مناهج التاريخ في المرحلة الأساسية والثانوية تنحو هذا الاتجاه. لكن الأمر بحاجة الى مزيد النظر بالنسبة الى المساحة الزمنية المخصصة لهذه المادة فهي ضعيفة مقارنة بالزمن الجملي لباقي مواد الدراسة. فعلى سبيل المثال إن المتخصص في البيولوجيا الذي يبحث في مختبره عن مصل أو تلقيح ضد وباء الطيور قد يكون لا سمح الله عرضة لوباء الإرهاب الطائر إذا هو لم يتلق تكوينا تاريخيا كافيا يمكنه من التجذّر في شخصيته الوطنية. وتونس ولا شك في ذلك تزخر بكفاءات علمية عالية متخصصة في التاريخ ومتفرغة كليا لتعزيز مجهودات علماء البيولوجيا وقادرة على أن تتمكن من تحقيق الوقاية واكتشاف الجرعة المناسبة لوباء إنفلونزا الإرهاب المتأتي أساسا من الجهل بالتاريخ.