ليس هناك اختلاف بين عامة الناس والساسة والمفكرين ان الاقتصاد هو عماد الدولة الحديثة بحيث يتوفر رغد العيش لجميع المواطنين من خلال تراكم الثروة وتوزيعها، كما ان الاقتصاد بوصفه عملية انتاج الخيرات والخدمات عن طريق التفاعل بين رأس المال والعمل والتكنولوجيا يتأثر بالعوامل الثقافية والسياسية والبيئة المؤسساتية. وقد أجمع المفكرون الحداثيون في هذا الشأن، ان طبيعة النظام السياسي المتبع في دولة من الدول له تأثير كبير على المنظومة الاقتصادية وقد أظهرت الدراسات العلمية ان النظام الديمقراطي يمكّن الاقتصاد من التطور السريع اكثر من غيره. فمن أهم محددات النظام الديمقراطي نجد التداول السلمي على السلطة وحرية التعبير والشفافية في المعاملات واستقلال القضاء. وهذه المزايا تعطي للفعل الاقتصادي منافع عديدة بحيث ان وضوح عملية انتقال السلطة من طرف الى آخر يكون عن طريق الانتخابات النزيهة فلا نجد الانقلابات والثورات والصراعات الطاحنة والتكالب على الحكم نوعا من السطو على السلطة بالقهر وقوة السلاح ومنطق الغنيمة. فالصراعات في النظم الديكتاتورية المتسلطة تحدّ من التطور الاقتصادي لان الخوف هو اكبر اعداء المستثمرين زيادة على تغول القلة واستحواذهم على الشأن الاقتصادي بالاضافة الى الفساد المستشري بين الطبقات الحاكمة في غياب الشفافية واستقلال القضاء العادل. والاوضاع المتعفنة التي يسودها الظلم والقهر وغياب حرية التعبير وانتشار المحسوبية تؤدي حتما الى الهزات الاجتماعية الطاحنة والثورات مما ينجرّ عنه ضياع كل ما راكمته الاجيال السابقة من ثروة. فلو كان هناك نظام ديمقراطي لوُجدت الحلول عن طريق الحوار والتوافق في ظل لعبة سياسية واضحة المعالم والطريق. وبما ان الهدف الاساسي للاقتصاد هو خلق الثروة عن طريق العمل لاشباع الحاجيات الاساسية للمواطنين ثم استثمار الفائض في مشاريع منتجة، فان النظام الديمقراطية يحمي العامل وصاحب رأس المال بما يتيحه من آليات التفاوض والسماح للنقابات بالنشاط الحر كما يمكن المستهلك من التعبير عن رأيه حتى لا يغرر به. والحرية المنضبطة باحترام القوانين المنبثقة عن الاراة الواعية للمجتمع من خلال نوابه وممثليه تقاوم الاحتكار وترشد المستهلك وتدعم التنافسية مما يساهم في الرفع من مستوى الجودة ومقاومة الفساد والتوزيع العادل للثروة. وأهم ما يميز النظام الديمقراطي وجود آليات مرنة تمكن المجتمع من النجاة من الصعوبات الظرفية بأخف الاضرار بعيدا عن الهزات المدمرة للاقتصاد. كما ان النظام الديمقراطي يوفر البيئة المثالية للعمل والاجتهاد والمثابرة والمبادرة للمواطن لوجود ضمانات قضائية وقانونية تحميه من التجازوات والعراقيل وهذا من شأنه الرفع من مردوديّته وفعله مما يساهم بالدفع في عجلة الاقتصاد.