جولة ريفية ممتعة مع أحد الأصدقاء أدت في نهايتها إلى شعور كاتب هذه السطور بمرارة لايمكن وصفها دعته إلى استبطان رائعة المبدع غابرييل غارسيا ماركيز مع اختلاف المضامين والمعاني، منطقة «الواد» الواقعة ضمن مشيخة «بالرايس» من معتمدية جومين كنز بكل ما تحمله الكلمة من معنى لما تحتويه من مخزون مائي هائل وأراض خصبة تقع على مدى النظر لكن سكانها يعيشون أوضاعا شديدة التردي منذ عدة عقود ما أن علموا بوجود مندوب جريدة «الشعب» بين ظهرانيهم حتى توافدوا رجالا ونساء للقيام بواجب إكرام الضيف وهي عادة جبلوا عليها وتوارثوها أبا عن جد وكانوا جميعا يحملون مآسيهم على ملامحهم وتحدثوا عن معضلة التنقل بين منطقتهم «الواد» والمدن والقرى المجاورة لقضاء حوائجهم من بيع للمنتوجات والتزود بالمواد الفلاحية ومواد الإستهلاك العائلي خاصة خلال فصل الشتاء حيث سمعنا أمورا فظيعة من بينها استحالة نقل حالات استعجالية إلى المستشفيات ما أدى إلى وقوع وفيات مؤكدة ونفس الأمر تكرر مع نساء حوامل تعسرت ولادتهن كما حدثنا البعض عن تعذر نقل الموتى إلى مقبرة المكان إلا بصعوبة بالغة. أما الطامة الكبرى فتتمثل في انقطاع التلاميذ عن الدراسة لفترات متفاوتة قد تصل إلى نصف السنة الدراسية – وكذلك الأمر بالنسبة لمعلميهم – حين تصبح محاولة الوصول إلى مدرسة دمنة الربح ضربا من الانتحار نظرا لكثافة السيول مما جعل المردود الدراسي هزيلا وبائسا. عبر لنا كثير من مواطني الجهة عن حزنهم الشديد لنزوح أبنائهم وتفضيلهم السكن في المدن القريبة مع البطالة والحرمان هربا من المنطقة التي أصبحت تمثل جحيما بالنسبة لهم. لقد رجانا سكان الجهة التي تتبع ولاية إداريا وولاية باجة واقعيا وعمليا إبلاغ صرخة استغاثة للسلطات المختصة بغرض فك عزلتهم المزمنة وذلك باتخاذ إجراء بسيط ولكنه حاسم يتمثل في إتمام تعبيد مسافة تقدر ب5 كيلومترات تربط بين مدرسة دمنة الربح – قلتة الحية إلى واد المخشبية بهنشير بلمحضي وبوطويل ليتم فتح المنطقة على الطريق الوطنية الرابطة بين باجة وتونس، إن هذا الأمر متاح لأن المنطقة تحتوي على مقاطع من التربة البيضاء الصالحة للتهيئة الأولية أما مسألة الجسور فسهلة الحل عبر وضع قنوات من الإسمنت المسلح غير باهظة الكلفة. إن ربط سكان «الواد» بشبكة التنوير العمومي منذ مدة طويلة خير دليل على وجود كثافة سكانية تستحق العناية عبر تعبيد ال5 كيلومترات المذكورة لإنهاء معاناةالسكان وضمان عدم تركهم لأراضيهم ويصبح هذا الأمر أكثر أهمية مع اقتراب عودة فصل الأمطار لكي لا تتكرر معهم طاحونة الشيء المعتاد.