تفاجأت كما تفاجأ غيري من المتابعين للشأن الرياضي بالقرارات الغريبة والعجيبة الصادرة عن سلطة الاشراف عشية انطلاق الموسم الرياضي والمتعلقة اساسا بالحضور الجماهيري، فلا أحد ينكر او يتجاهل ان غياب الجماهير وعزوفها عن مواكبة المباريات اصبح ظاهرة سلبية ملازمة للرياضة التونسية نتيجة عدة عوامل تراكمت بمرور السنين لتطفئ جذوة الحماس وتفسد لذة المتابعة منها التقطع المستمر للدوريات والمسلسلات الهزلية في الكواليس والظروف الرديئة للفرجة في الملاعب ومهازل المسؤولين وشطحات التحكيم وانتشار غول العنف بأنواعه... وبدل العمل على معالجة هذه الظواهر والفيروسات وتحفيز الجماهير على الحضور، إرتأت سلطة الاشراف العكس لاعتبارات سياسية وحزبية ضيّقة ومناورات انتخابية بائسة ومن باب الخوف على الكراسي والمناصب واتقاء غضب الجماهير... وذلك بأن اتخذت قرارات مبهمة تتعلق بحرمان شريحة واسعة من الجمهور من حضور المباريات وهي التي تقل أعمارها عن العشرين سنة، وكذلك حرمان الجماهير من التنقل مع فرقها لتشجيعها وشحذ عزائم لاعبيها... ولا أدري كيف غاب عن المسؤولين وعلى رأسهم الوزير ان الجمهور الرياضي تطغى عليه صفة الشباب التلمذي والطالبي الذي يسعى الى ان يكون سندا قويا لا تلين ولا تنكسر عزيمته في سبيل رفع راية فريقه عاليا؟ ثم كيف نحدد سقف الحضور الجماهيري بعشرة آلاف متفرج والحال ان فرقا مثل الترجي الرياضي والنادي الافريقي يفوق عدد منخرطيها فقط هذا الرقم بكثير؟ واي عقل راجح هذا الذي اتخذ هذا القرار وهو يدرك ان عدة مناطق تنعدم فيها فضاءات الترفيه فيتحول الملعب الى متنفس وحيد لها فتحضر بكثافة لقاءات فرقها؟ وهل ان الخوف من الشغب والعنف والمصلحة الحزبية تبرر هكذا قرارات صبيانية؟ أليس ذلك إهانة وتشكيكا في قدرات الامن التونسي على ضبط الاوضاع؟ وهل التوقي من العنف يستدعي اقصاء الجمهور ام يكون بالقوانين والآليات الزجرية وترسيخ مبادئ الروح الرياضية والثقافية التنافسية النزيهة وتنقية الاجواء الرياضية والعدالة بين النوادي وتجنب تسييس الرياضة؟ وهل تم التفكير في موارد جديدة ومداخيل قارة للنوادي للتعويض عن غياب الانصار ام انهم سيثقلون كاهل الدولة والمجموعة الوطنية بأعباء جديدة، وفي هذه الحال، أليس الأجدر توجيه هذه الاموال الى التنمية والتشغيل بدل ضخها في ميزانيات الجمعيات الرياضية لتنتهي في النهاية الى جيوب بارونات الفساد والنهب، أما التعلل بالحالة الأمنية، فان المرء يكاد يشعر بالغثيان والتقزز حين نسمع تصريحات وزير الداخلية حول تحسن الوضع الامني، وأكاد أسقط مغشيا حين أعلم ان حكومة الباجي قائد السبسي نظمت لقاء الاياب بين الترجي والوداد بستين ألف متفرج في وقت كان فيه الظرف الامني اكثر دقة وحرجا، والآن وبعد عامين من الثورة تعجز هذه الحكومة المسومة بالعجز والفشل عن تنظيم لقاء كروي حارمة بذلك ممثل الكرة التونسية من دعم جماهيري أقوى ومداخيل أضخم... إن الدلالة العظمى والمعنى الاكبر في هذه القرارات الارتجالية العشوائية هو فشل هذا الوزير ومن معه فشلا صارخا ومدويا في ادارة شؤون الكرة التونسية، وما عليهم سوى ترك المناصب لمن هم أجدر منهم وعلى رأسهم الوزير طارق ذياب الذي عليه ان يعلم حقيقة انه في كل بلاد الدنيا يستقيل المسؤول حتى ولو كان منتخبا بالارادة الحرة الديمقراطية في حالة فشله في تحقيق ما هو مطلوب منه ووعد به، وفي بلاد اخري يقف المسؤول امام محاكم الرأي والضمير فيما لو فشل في تجسيم الاهداف التي التزم بها، وفي بلاد ثالثة ينتحر المسؤول ويغادر الدنيا الفانية لإحساسه بالتقصير في أداء المهام الموكولة له... فأي السبل سيختار وزيرنا «الثوري» ام انه سيتمترس في الحكم كبقية وزراء الحكومة.