مرّة أخرى يقع الاعتداء على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل وعلى هياكله النقابية المناضلة في هذا التوقيت بالذّات الذي نحيي فيه الذكرى الستون لاغتيال الزعيم الوطني والنقابي فرحات حشاد الذي أسّس الاتحاد على قاعدة «أحبّك يا شعب» وجدّت هذه الأحداث الخطيرة يوم الثلاثاء 4 ديسمبر 2012 ببطحاء محمد علي على أيدي مجموعات مأجورة تتلقى تعليماتها من قيادات فاشية بزعامة السيد راشد الغنوشي وقيادات أخرى نهضوية لا تقلّ استبدادًا وعنجهيّة تحمل الحقد والكراهية للعمل النقابي ولهياكله الوطنية المناضلة. جاء هذا الاستهداف للمرّة الثانية بعد الثّورة المجيدة، إذ عمد وقتها خفافيش الظلام إلى رمي القمامة أمام مقرات الاتحاد اثر الاضراب الشرعي لأعوان البلديات. ولكن قبل الثورة سبقتها اعتداءات أخرى في سنوات 1965 و1978 و1985 وكان القصد منها محاولة كسر شوكة الاتحاد العام وزلزلة أركان صرحه الشامخ، لكن باءت كل المحاولات بالفشل والخزي. إنّ الاتحاد صار وسيبقى في عيون الناس درعا واقيًا ومظلّة خاضنة يحتمي به كلّ أبناء تونس ضدّ أنواع القهر والاستغلال. فالذاكرة الوطنية لا تنسى من أسّس ومن شيّد هذا الصرح العظيم والقوي ومن رفع شعار (اتحاد مستقل والشغيلة هي الكل) ومن وقع القانون في فصله العاشر الذي كنس كل نفس نقابي بيروقراطي في مؤتمر طبرقة الأخير بالوسائل السلمية الحضرية هم أولئك النقابيون المناضلون في هياكل الاتحاد الوسطى والأساسية، الوطنيون في اليسار الماركسي والقومي والذين عبؤوا أركان الأحزاب التقدّمية بعد الثّورة، وأفرزوا لأوّل مرّة بعد سنة 1956 قيادة وطنية مناضلة في هذا المؤتمر التاريخي. إنّ الاتحاد يناضل ضدّ قانون الشغل في فصله الرابع والسادس والذي يعتبر كارثة كبرى على العمّال ومصائرهم واستقرار مواطن شغلهم إلى جانب ظاهرة المناولة في القطاع الخاص، فهي تخريب للنسيج الاجتماعي التونسي ويعتبر أنّ الاحتقان الاجتماعي في القطاعات والجهات طبيعي بسبب اهتراء المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وعدم تطبيق وعود حكومة النهضة المتعلقة بالتنمية في الجهات المهمشة وتحقيق مطالب شعبنا في الحريّة والعدالة الاجتماعية. لهذه الأسباب عمدت خفافيش الظلا مشحونة من قبل حزب النهضة الاعتداء على مقرّ الاتحاد وهياكله، إنّنا نقف صفّا واحدًا أمام هذا الاعتداء الغاشم الذي نفذته ما يسمّى باطلا برابطة حماية الثورة. فحكومة حزب النهضة تدفع نحو الفوضى العارمة لإجبار المجتمع التونسي على الإذعان لاستحقاقاتها القروسطية وهو شيء مرفوض من قبل المجتمع المدني الذي لا يفرّط في حريته ولا يقبل بالأمر الواقع لنظام استبدادي آخر بعد الثّورة. إنّ هذه القوى الموازية التي أحدثتها حكومة الالتفاف على الثورة وقنّنتها تحت عنوان جمعية لرابطات حماية الثورة، والثورة والثوريون براء منها فهي ميليشيات عنف تأتمر بأوامر قيادات نهضوية يجب حلّها حالا والحكومة هي المسؤولة على وجود هذه المجموعات الخارجة على القانون والتي لا تحرم المجتمع التونسي وهي ماضية في طريق التصعيد لوضع أسس نظام استبدادي كلياني في البلاد.