منذ أكثر من نصف قرن وقع اغتيال النقابي الكبير فرحات حشاد لإسكات صوته وصوت النقابيّين والشّغّالين من قِبَلِ الجماعة المتطرّفة «اليد الحمراء»، وهي أيادٍ أجنبية متواطئة مع أيادٍ تونسية. واليوم وبعد الثورة والحلم بالجمهورية الثانية، ها هو شكري بلعيد يُغتال عن طريق أيادٍ متطرفة... وهي أيادٍ تونسية متواطئة مع أياد وراء أيادٍ ...أو هو اغتيال لحشاد من جديد... قلبت الآية والدم واحد... قال حشاد قبل الاغتيال «أحبّك يا شعب» وقال بلعيد «أضحّي من أجلك يا شعب». صورة معادة في الديمقراطية الناشئة التي لم تَرُقْ لأصحاب الأفكار الرّجعية المتحجّرة ... وهي لعمري محاولة اغتيال للحرية من جديد... وإلاّ لِمَ هذا التوقيت بالذات لاغتيال شكري بلعيد. بعد تعريته لعديد الحقائق وإماطة اللّثام عن المتسبّبين الحقيقيّين في الأزمة في تونس والمساهمين بقسط وافر في تعطيل المسار الديمقراطي بإرجاء التحوير الوزاري والاستحقاق الانتخابي القادم والتنمية والحلول الجذرية لأزمة البطالة وغيرها من القضايا الملحّة. هي- إذن- محاولة لإلجام الصّوت الصّادح في تونس بل هو إشعال لفتيل العنف السياسي على طريقة لبنان أو الصومال أو أفغانستان ... أو هي محاولة «لَبْنَنَة» تونس الثورة وجرّها إلى حمل السلاح والمشي بعين واحدة نحو التصفية الجسدية للخصوم السياسيّين. ولكنّ العارفين بشؤون السياسة عليهم أن يعلموا أن تونس ليست لبنان ولا يمكن أن تكون أفغانستان، بل هي وإن سقط فيها «نقض» و«شكري» طريحيْن لاغتيال سياسيّ بعد الثورة، فكلّ التونسيين سيحملون على عاتقهم راية الحقّ عاليا... وسترفرف الحرية على أسقف العقول المتحجرة ... لن يستطيعوا أن يُلجموا أفواه كل التونسيين الذين سيواصلون دربَ شكري بلعيد التونسيّ الحقّ الذي حَلُمَ يوما بديمقراطية تحمي التونسيين من العنف بل دعا إلى ندوة وطنية لنبذ العنف السياسي والاجتماعي والجهوي ... عشتَ يا شكري وعاشت تونس بك وبأمثالك الصّادقين بكل ألوانهم السّياسيّة رغم الداء والأعداء... أتعلم وقلوبنا دامية أن فرحات حشاد قدّم دمه لاستقلال تونس فخلّده الشعب وصالح بن يوسف قدّم نفسه نداءً للحرية فعاش في قلوبنا وأنتَ قدّمت دماءك الطاهرة للثورة وللاستقلال الحقّ ... الاستقلال الذي نرى فيه تونس تصنع الحريّة ولا تَغتالها... بقلم : البشير الجلجلي (باحث جامعي)