ان الشأن الفلاحي شأن عام, شأن كل التونسيين وفي تطور القطاع الفلاحي تطور للمجتمع وتمتين لقدراته الاقتصادية واستقلاليته السياسية. وهذا الشأن الفلاحي العام هو القاسم المشترك بين كل التونسيين من جهة وبين كل المهتمين بالعمل النقابي عموما ونذكر في هذا الصدد أن المنظمة الفلاحية هي شريك أساسي في المشروع التنموي الوطني بكل مجالاته فهو بإمكانياته البشرية واللّوجستية يمثل ركيزة وأداة نافذة في عملية الإرشاد والتكوين والتنمية عموما. وكل المتدخلين في الشأن الاقتصادي عامة والشأن الفلاحي خاصة يعلمون أن في ازدهار القطاع الفلاحي ازدهار للمجتمع وان في تحقيق الاكتفاء الغذائي الوطني تحقيق لاستقلاليتنا الاقتصادية والسياسية داخليا وخارجيا. وفي ظل محاولات النهضة للانقضاض على هذه المنضمة والسيطرة عليها باتت أسئلة عديدة تلوح في الأفق أولها كيف يمكن السيطرة على هذه المنضمة الفلاحية وهل تم التفطن لملفات فساد صلب اتحاد الفلاحين وهل ساهم غياب التنسيق بين الوزارات في إثقال قفة المواطن وتدني مقدرته الشرائية. كل هذه الاسئلة توجهت بها الشعب إلى فوزي الزياني عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وعضو جبهة اصلاح المسار النقابي الفلاحي فكان لنا معه الحوار التالي الذي تحدث فيه بوضوح عن مشاغل المنظمة وكل المشاكل المتصلة بالقطاع. بداية كيف تقيّمون أداء عمل وزير الفلاحة ؟ - يعتبر أداء وزارة الفلاحة منذ أكثر من سنة أداء ضعيفا إن لم يكن رديئا فهو لم يرتق الى مستوى تطلعات المرحلة المفصلية التي تعيشها البلاد, مرحلة ما بعد الثورة. فمتطلبات الشعب التونسي والفلاحة بالخصوص هي الكرامة والحرية عبر مزيد من التشغيل وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين. ومنذ تولي الحكومة المؤقتة مهامها في جانفي 2012 لم نلحظ ولم نقرأ أي برنامج للحكومة أو لوزير الفلاحة حول واقع وآفاق الفلاحة والصيد البحري في تونس. وحسب رأيي ورأي الكثيرين من العاملين في الحقل الفلاحي يمكن أن يساهم المجال الفلاحي في خلق الكثير من فرص العمل والقضاء تدريجيا على البطالة وبذلك نحقق جزءا من مطالب الثورة. وهذا بشرط أن تكون للحكومة رؤية وبرنامج اقتصادي واضح يراهن على أن يكون تطوير القطاع الفلاحي أولوية وطنية تعمل على تحقيق الأمن والاكتفاء الغذائي. وكنا ننتظر منذ تولي الوزير مهامه des mesures de choc (قرارات حازمة) ترد للقطاع اعتباره وتبعث رسائل طمأنة لكل المهتمين بالشأن الفلاحي لحثّهم على الاستثمار لكن لم يحصل شيء من ذلك وكان غياب الجرأة السياسية في الموعد. فعلى المستوى العملي لم نلاحظ تغييرا جذريّا أو نسبيّا على المستوى الهيكلي لوزارة الفلاحة. أين الكفاءات الشبابية والكفاءات عموما التي يجب أن تأخذ حظها في هذه المرحلة الفاصلة? ما هي ضريبة الثورة –ثورة الشباب والبطالة إن لم تكن ضرورة استبدال بعض الوجوه القديمة التي أساءت للقطاع بوجوه وطنية كفؤة لها رؤى وتصورات جديدة للخروج بالبلاد من أنفاق الفقر والاحتياج? وكأن لنا في نهاية المطاف حكومة «تصريف أعمال». طبعا للجميع الحق في أن يتساءل عن الآليات التي يمكن أن تنتهجها أي حكومة للنهوض بقطاع الفلاحة. فمن القرارات الحازمة والحاسمة التي وجب اتخاذها هي التنقيح الفوري لمجلة الاستثمارات الفلاحية والنظر بصفة جذرية في قضية المديونية. هذان الجانبان وحدهما كافيان لدفع عجلة التنمية الفلاحية وخلق فرص الشغل. نضيف الى ذلك ضرورة تفعيل عمل بعض الدواوين كديوان الزيت لإعطاء فرص أكثر للتصدير وجلب العملة الصعبة.ضرورة الاهتمام بقضية التسوية العقارية التي تعوق شريحة كبيرة من الفلاحة على الاقتراض ثم الاستثمار. ضرورة الإسراع بفتح حوار وطني واسع حول واقع وآفاق قطاع الصيد البحري. على صعيد آخر لم يكن التنسيق الحكومي بين الوزارات في الموعد فعلى سبيل الذكر لا الحصر لم تكن اليات المراقبة الاقتصادية ناجعة لتجنيب المواطن التبعات السلبية لمسالك التوزيع. فغياب المراقبة وغياب حسن التنسيق بين مختلف الأجهزة ساهم في اثقال قفة المواطن وتدني مقدرته الشرائية. وفي هذا السياق نشير الى أن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري سار على نفس خطى الوزارة من عدم وضوح في الرؤيا وعدم تقديم برنامج واضح لمنظوريه مما جعله غائبا عن ساحة العمل النقابي الجاد وغائبا بامتياز عن المشاركة في عملية التنمية الوطنية. وما أحوجنا في هذه الأيام إلى منظمة مستقلة مناضلة تدافع عن مصالح الفلاحة والبحارة دون أي اعتبار حزبي ودون أي تأثير سياسي. فالمنظمة الفلاحية تزخر بالكفاءات العالية التي تريد أن تضطلع بدورها للمساهمة في بناء المرحلة القادمة للبلاد. فعدم استقلالية المنظمة عن القرار السياسي هو الذي أودى بها في ظلمات النسيان وعدم الاعتراف حتى من قِبَلِ المنظمات النقابية الأخرى. وهذا كان موقف أعضاء جبهة اصلاح المسار النقابي الفلاحي منذ نشأتها في أكتوبر 2012 حيث حذروا من انحراف الاتحاد عن مساره النقابي وابتعاده عن دوره الرئيسي في الدفاع عن الفلاحة و البحارة. فكنا ننبّه أن ما ينقصنا في الاتحاد هو مقاربات فكرية جديدة حول افاق العمل الفلاحي وتطويره وليس مقاربات سياسوية عن طريق أشخاص متحزبين. هذه «المقاربات الفكرية الفلاحية الجديدة» هي القاسم المشترك لكل التونسيين ولكل العاملين في المجال الفلاحي. فالمطلوب تلاقح وتفاعل الأفكار لتقديم بدائل تنهض بقطاعنا الفلاحي. هل تفطنتم إلى وجود ملفات فساد صلب المنظمة؟ - هناك لجنة مكلفة من طرف وزارة المالية تقوم بمهمة التدقيق المالي للمنظمة للخمس سنوات الماضية (ابتدأت منذ أربعة أشهر) ولم تقدّم إلى حد الأن أيّ تقرير. هل هناك محاولات للهيمنة على المنظمة الفلاحية وإن كان كذلك من أي جهة؟ - حزب النهضة الذي يمثل الأغلبية الحكومية راهن على تواجده الكمّي داخل المنظمة وحاول ويحاول إلى الآن إيهام مختلف الأطراف المعنية بالشأن الفلاحي من داخل الاتحاد وخارجه أنه الضامن الوحيد لصرف المنحة السنوية ومن خلالها خلاص أجور الموظفين. وتعتقد الكتلة النهضوية داخل الاتحاد أن في تواجدها ضمان لاستمرارية العمل النقابي وللمنحة «ولو عبر عديد الأقساط» وأن أي محاولة لاستهدافها توحي إلى استهداف موارد المنظمة. وبذلك تصبح العلاقة جدلية بين المنظمة الفلاحية والنهضة عبر آليّة صرف «المنحة الملغومة». لو نتحدث بإيجاز عن الدور النقابي والتنموي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري سيما في ظل محاولات تخريب المنظمة الفلاحية. في حديثنا عن محاولات هيمنة النهضة على المنظمة ننسى الدور الجوهري الذي تلعبه في الدفاع عن مصالح الفلاحة والبحارة اضافة الى الدور التنموي الذي تضطلع به في الجهات. والخوف كل الخوف هو أن نحيد بالمنظمة عن دورها الرئيسي ونخلط العمل النقابي بالعمل الحزبي فنزوغ عن الجوهر ونهتم بالقشور. فلا يجب أن تكون المنظمة بوقا سياسيا لأيّ حكومة بل يجب أن تكون نقابيّة وتنمويّة بالأساس.