كان شارع الحبيب بورقيبة عنوانا لعبادة الشخصية فتوزع بالغصب على كل مدينة وقرية في جمهورية الرئيس مدى الزمان والمكان . أما في العاصمة فكان شارع الورد وأنت تدخله من ساحة الاستقلال، و شارع الداخلية حين تكاد تنصرف منه إلى مقصد لك آخر، محميا بسلطة لا أحد كان يتجاسر عليها ...زال منه الورد في عهد الطاغية وبقيت الداخلية تتربع على عرشه....سلب الشارع من البوليس يوم 14 جانفي فكان ذلك إيذانا برحيل الطاغية ... صار امتلاكه عنوانا للثورة وافتقاده إيذانا بأفول نجم من يحميه . يحسب البعض أن نزول الجماهير إليه الثلاثاء الماضي كان إحياء لذكرى الشهداء.. ما أظن كثيرين مما اجتاحوا المكان كان يعنيهم الحدث ، وما أظن كثيرين كانوا يعرفون على بلهوان وبطحاء الحلفاوين ولا المنجي سليم ورحبة الغنم.. فلا احد يومها كان يهمه الماضي ولا حتى أرواح الشهداء. فهؤلاء ماتوا ولا احد منا كان يذكرهم ولا احد منا كان يعنيه مصيرهم كثيرا. أما الشارع فحكاية أخرى تتعلق بسلطة المكان المنتزع من زمن الاستبداد والذي أراد استبداد آخر أن يسترجعه بتعلاّت لا تختلف كثيرا عن تلك التي قيلت لنا حين رحّل بائعو الورد من هناك بدعوى أنهم يلوثون البيئة... يقول لنا الحكام الجدد الذين صعدوا من دهاليز الوزارة الى المكاتب الفخمة أن الجماهير تلوث جمال الشارع وهدوءه ونشاطه التجاري الأعظم من كل الثورات ...لمن يعتقد انه باق طالما حمى الشارع نقول: انتم اضعف من أن تعيدوا هذا الشارع إلى زمن بن علي وان كنتم ورثتم عن الهارب شراسة بوليسه... فقد أسقطه الشارع يوما ولا أظن أن أحدا قادر بعد ذلك أن يمتلك المكان وحده حماية لنفسه من تقاسمه مع من يعارضون سلطته الضعيفة في زمن التقاسم الذي يجب أن يكون ممكنا حتى لا يصير أمرا مستحيلا. لقد تحرر الشارع تماما من زمن القهر... فشارع بورقيبة لا يملكه بعد الثورة أحد غير الثورة المفتوحة على كل الممكنات ...صار ملكا لنا جميعا فإما أن نتقاسمه بالعدل وأما أن يقسمنا لنصبح بعضا من تونس ضد بعض...رحمك الله ايها الشهيد فنحن اليوم مشغولون عنك بمعاركنا وان توهم البعض أننا جئنا هنا اليوم لنحيى ذكراك.