الدوريات الأوروبية الكبرى.. نتائج عدد من مباريات اليوم    وزارة التعليم العالي تعلن عن فتح باب الترشح للمشاركة في مسابقة "شهر اللغة العربية"    رأي .. قرنٌ من التطرف، والإرهاب ... من حسن البنّا إلى سلطة الشرع... سقوط الإمارة التي وُلدت ميتة!    عاجل/ الهيئة الادارية لاتحاد الشغل تقرر بالاجماع الاضراب العام وتعلن عن موعده..    الديوانة التونسية تحيي الذكرى 69 لتونستها    مونديال 2026.. امتحان ثقيل للعرب ولقاء مُحتمل بين ميسي ورونالدو    في عملية أمنية ناجحة .. حجز 42 كلغ كوكايين و 475 كلغ زطلة وإيقاف أفارقة    الديوانة التونسية.. حجوزات تفوق 250 مليارا وتقدّم لافت في مكافحة التهريب    وزير الخارجية يذكر في جنيف بموقف تونس الرافض بأن تكون دولة عبور أو أرض إقامة للمهاجرين غير النظاميين    حصد جائزتين .. تتويج «سماء بلا أرض» في بروكسيل    الروائي الأمين السعيدي مسيرة ثائر مجددا في ربع قرن    أرخص فواتير الكهرباء في العالم: السعودية الأولى وتركيا الثانية    كيفاش نحميّو ولادنا فالشتا؟ نصائح ذهبية لكلّ أم وأب    أولا وأخيرا .. أزغرد للنوّاب أم أبكي مع بو دربالة ؟    إجلاء تونسي مريض من كندا لبلاده بنجاح    قبل رأس السنة: الجهات المحتصّة بدأت في حجز ''قاطو'' غير صالح للاسنهلاك    غدا    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    سوسة عضو في الشبكة العالمية لمدن التعلم    مع الشروق : سلام نتنياهو وترامب    أمطار الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    وزارة الصناعة تفتح باب الترشح للجائزة التونسية كايزان دورة 2026    عاجل: الفنان صالح الفرزيط يتعرّض لحادث مرور    مشروع قانون المالية.. المصادقة على إلحاق نواب الغرفة الثانية بتعديل نظام التقاعد    منصة نجدة تُنقض مريضا في قرقنة: في لحظات...تم نقله بواسطة طائرة    ورشة عربية من 8 الى 10 ديسمبر 2025 بتونس حول "معاهدة مرّاكش لتيسير النّفاذ الى المصنّفات المنشورة لفائدة الأشخاص المكفوفين.."    الأستاذ رضا مقني: كتابات فرحات حشاد مصدر أساسي لفهم الحركة النقابية في تونس    كأس العرب فيفا قطر 2025: الجزائر تكتسح البحرين بخماسية وتقترب من ربع النهائي    الرابطة الثانية: نتائج الدفعة الأولى من الجولة الثانية عشرة    الغرفة الوطنية للطاقة الفولطوضوئية بمنظمة الاعراف تدعو المجلس الوطني للجهات والاقاليم إلى تبني مقترح الحكومة في التخفيض في الأداءات الديوانية على القطاع    قبول الديوان لزيت الزيتون من الفلاحين مباشرة ساهم في تعديل الأسعار وانعكس على تواصل عمليات الجني والتحويل في ظروف ميسرة ( ر م ع ديوان الزيت)    المهدية: وفاة تلميذين وإصابة اثنين آخرين في حادث مرور ببومرداس    عاجل/ انفجار قارورة غاز داخل "تاكسي"..وهذه حصيلة الاصابات..    سامي الطرابلسي: "المباراة أمام قطر تعد الفرصة الأخيرة لنا"    بطولة العالم للتايكواندو لأقل من 21 سنة: وفاء المسغوني تتوج بالميدالية الذهبية    الفلفل الحار يحرق الدهون ويزيد في صحتك! شوف كيفاش    المنستير: تنصيب المجلس الجهوي الجديد    عاجل: السفارة الأمريكية في تونس تعلن استئناف العمل الطبيعي    "المؤسسة والنّظام الاقتصادي الجديد" محور أشغال الدّورة 39 لأيام المؤسسة من 11 إلى 13 ديسمبر 2025    وزير النقل: الموانئ الذكية أصبحت ضرورة في ظل التنافسية الإقليمية والتطور التكنولوجي    انقطاع الكهرباء بمناطق مختلفة من هذه الولاية غدا الأحد..#خبر_عاجل    قابس: انطلاق توزيع المساعدات الاجتماعية لمجابهة موجة البرد    عاجل/ اطلاق نار في فندق بهذه المنطقة..    آخر فرصة في كأس العرب 2025 : وقتاش ماتش النسور؟ و كيفاش ينجموا يتأهلوا للربع النهائي ؟    عاجل/ غارات وقصف مدفعي مُكثّف على غزة..    حادث مرور قاتل بهذه الجهة..#خبر_عاجل    مفزع/ ارتفاع حالات ومحاولات الانتحار في تونس..    أستراليا تفرض عقوبات على أفغانستان بسبب حقوق المرأة    كأس العرب قطر 2025: شوف برنامج مقابلات اليوم السبت    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. ودمشق ترحب    عاجل/ حجز قرابة ألف قطعة مرطبات وأطنان من المنتجات الغذائية غير صالحة للاستهلاك    بعد منعه لأكثر من عام: فيلم "المُلحد" في قاعات السينما..    غدوة اخر نهار للأيام البيض.. اكمل صيامك واغتنم الثواب    وزارة الشؤون الدينية الجزائرية: الأضرحة والزوايا جزء من هويتنا    حلا شيحة: "القرآن هو السبيل الوحيد للنجاة"    المنسنتير: المؤتمر الدولي الثاني للتغذية الدقيقة في هذا الموعد    تحسّن العجز الجاري إلى 1،6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في 2024    تفاصيل برنامج الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموت في الربيع
نشر في الشعب يوم 13 - 04 - 2013


إلى فقيد النضال الحقوقي والمحاماة فوزي بن مراد
أخاف يا أحبتي... أخاف يا أيتام...
أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء
أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!
أخاف أن تنام في قلوبنا
جراحنا
...اخاف ان تنام.
محمود درويش
مرة أخرى انشغل بالموت. لم تجف بعد في حلقي، مرارة الوداع الأخير وحروف رثاء شهيد الحرية شكري بلعيد حتى فجعت فيك آنت وآية فاجعة.تتشابك في صدري الخواطر وتتلوى وتصرخ كملايين الحيات الزاحفة ذات الأجراس .جاءك الموت بأسرع مما يلمع النصل ويغيب في لحم الذاكرة الحية تعج بآلاف الصور والحكايات والجلسات والحروف التي بقيت بعدك صامتةباردة كأخر ما تبقى منك وقد وضعت على سريرك الخشبي بعد أن نزعوا عنك عباءتك السوداء التي لم تنزعها حتى وأنت تقف أمام جلاديك يوم 24 أفريل 2005 حين منعوك من الخروج من محكمة قرمبالية وحولوك من مدافع عن الحرية إلى متهم. حكموا عليك يومها بأربعة أشهر سجنا مع النفاذ العاجل لأنك قلت «حين يتكلم الدفاع يسكت الجميع » لم تكن يومها تدري انه سيأتي عليك زمن يتكلم فيها الجميع وتسكت أنت وحدك في شبه عزلة كمدا وقهرا. ولم ترق الكلمة للنيابة التي كانت تستمع يومها في الخفاء إلى أصوات قضاة الإدارة الذين جمعهم مجلس أعلى للقضاء ما اجتمع صبيحتها إلا لملاحقتك والإيقاع بك. فهيج النائب المحكمة ضدك ورفعت الجلسة لتنتصب محكمة أخرى كانت أعدت لك مسبقا ومنذ أيام قليلة بعد أن استغرقت مرافعتك عن محمد عبو 3 ساعات أمام القاضي محرزالهمامي شهر بوقا الذي أنزلته الثورة بعد ذلك من أعلى منصته وسحبته إلى خارج المحكمة...
كنت أنا يومها في آخر قاعة الجلسة ذهبت إليك على وجه السرعة مثل العشرات من زملائك الذين التحقوا بالمحكمة التي طوقها العسس والبوليس والمخبرون ... جاؤوا إليك ليمنعوا النظام من إيذائك. كنت استمع إلى أصوات الباكين وراءك وأنت واقف كمتهم هذه المرة. ظللنا نتابع الفصل الأخير من مهزلة نظام الاستبداد الذي رحل بعد إن أرهقته بحماسك الفياض واتعب قلبك الضعيف أصلا.ولكن يا لمكر التاريخ جاء نظام آخر ليستكمل الجريمة.
بعد رحيل صديقك ورفيقك في النضال شكري بلعيد مضيت مرة أخرى تستجمع شتات قواك التي بعثرها صراع عنيد طويل مع الظلم والعسف. مضيت تدافع عنه دفاعا كان في الحقيقة مرحلة أكثر يأسا من دفاعك عن نفسك في افريل 2005 .كان فقط تأجيلا للحظة الموت. ذهبت إليك بعد الندوة الصحافية الشهيرة التي انعقدت بدار المحامي والتي قلت فيها ما قلت عن اغتيال شكري بلعيد والتي لم احضرها لان قاعة الدرس منعتني من حضورها. قبلها رأيت الصور واعدت مشاهدتها وأنا اكتب عنك وعنها. كنت تجلس فيها في مواجهة الجميع . لم أكن معك وأنا أتابع المشهد الغريب لم أكن ضدك أيضا ولكني خشيت عليك يومها خشية شديدة. كانت النية التي تحملها ملامحك وتتوهج نارية من عينيك نية صادقة لن تتراجع عن تحقيقها، نيتك في كشف الحقيقة كاملة. لم يكن في العملية كما صارحتك بذلك تكتيك أو حساب أو قواعد كنت تهاجم حتى شلّك الإعياء واتى على كل قوى الهجوم لديك وفي الحال انقلب خط الدفاع عن الفقيد فيك إلى خط دفاع عن النفس في مواجهة كل من وقفوا ضدك واعتقدت أنت صوابا أو خطا أنهم تنكروا لك. رأيتك آخر مرة قبل أسبوع من رحيلك في مكتبك. لم أتعرف عليك. وجدتك مرهقا. دعوتك مثل كل مرة أذهب إليك هناك بنهج احمد التليلى وسط العاصمة إلى إغراق همومنا في كأس أخرى، لم أكن أدري حينها أنها الأخيرة. بدا لي في ردودك على أسئلتي الماكرة نوع من فقدان السيطرة على النفس، ذلك الذي ينتج حين تشد الأعصاب وتتوتر إلى آخرها حتى يبدأ بعضها يتمزق وتبدأ طاقات الاحتمال تنفد واحدة وراء الأخرى. من الصعب صديقي أن أصف هذه اللحظات الحزينة التي سبقت ما حدث فنحن لا يمكننا وصف ما يسبق الكارثة إلا إذا كنا على معرفة سابقة بحدوثها أو على الأقل نتوقع حدوثها رغم أنني أدركت يومها من خلال كآبتك البادية من تحت نظارتيك السميكتين أن شيئا فيك قد انكسر الى الأبد. كنت تتحدث عن السلطة وعن القوة الغاشمة. وبخلاف عادتك شعرت أن مقاومتك لم تكن هي نفسها فبدلا من أن تحدث فيك المحنة إصرارك المعهود على الصمود بفعل التجربة والمعاناة الطويلة والخبرة القانونية حدث شيء آخر غريب ومفاجئ ومحزن لكأنه نوع من الشلل. لم أكن أدري ليلتها أنها يد الموت تتسلل إلى قلبك وان القضاء قد حم والأجل قد انتهى. تابعت يومها انهيار خط الأمن الصلب داخلك وتحكم القوة الغاشمة فيك وقوامها عسف السلطة وظلم ذوي القربي ... وكان ظلم ذوي القربى أشد مرارة عليك فاستسلمت ولم يتمكن أحد من إنقاذك وأنت تقول في نزعك الأخير إنك تتنفس بصعوبة وإنك لا محالة سائر إلى مكانك المظلم في المدينة التي ملأتها أربعين سنة بطفولتك الصاخبة وبصورة شبابك الطلابي وصوت كهولتك التي كانت سليمان ترجع صداه الآتي إليها من ردهات المحاكم وساحات النضال.
وداعا صديقي فقد رحلت ككثير من رموز هذه البلاد في الربيع الولود القاتل يهب الحياة بسخاء ولكنه يستعذب بنهم دماء العظماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.