أصدرت كريستين لاغارد المديرة العامة لمجموعة صندوق النقد الدولي بيانا حول اتفاق الاستعداد الائتماني بين تونس والصندوق (تلقت الشعب نسخة منه)، أكدت من خلاله على أن الاتفاق حاصل على المستوى الخبراء فقط في انتظار أن يصادق المجلس التنفيذي للصندوق على طلب تونس خلال اجتماعه الشهر القادم. واستعملت لاغارد عبارة «اتفاق مزمع» لتثبت أن الاتفاق مازال غير فعلي. وحمل البيان عديد المعطيات حول مضمون الاتفاق منها كونه يمثل 400 بالمائة من حصة عضوية تونس في الصندوق. وذكر البيان أن الاتفاق في صورة الموافقة: «سيساهم في تطبيق مزيج السياسات الملائم في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي كما سيساعد بالتوازي على تحديد مكونات أفضل للنفقات العامة وعلى استعادة الحيز المالي الكافي للإنفاق على البنود الرأسمالية والاجتماعية ذات الأولوية. وسيتم انتهاج سياسة نقدية رشيدة تهدف إلى احتواء التضخم مع حماية استقرار القطاع المالي.وستساهم كذلك في زيادة مرونة الصرف»....»وسيدعم اتفاق الاستعداد الائتماني الإصلاح المحدد من السلطات التونسية»......»وهي إصلاحات تستحق الدعم من الصندوق والمجتمع الدولي من خلال المساعدات المالية والفنية والمشورة بشان السياسات.» التخلي عن النفقات الاجتماعية ويبدو من خلال البيان أن السيد لاغارد تبين بوضوح أن القرض مشروط وانه محدد الأهداف والمجالات مسبقا. وهي أهداف وخيارات تتلاءم بشكل مطلق مع سياسة البنك الليبرالية. فتحديد مكونات أفضل للنفقات العامة يعني بكل وضوح تقليص النفقات العامة وتحديد مجالات صرفها في غير المساءل الاجتماعية أو على الأقل في غير تعديل السوق وهي دعوة صريحة لانتهاج اقتصاد السوق وتحرير الاقتصاد التونسي. ولا غرابة في هذه الدعوة بعد الاستعداد التلقائي الذي وجده الصندوق لدى الحكومة التونسية التي تقوم منذ مدة بحملة دعائية لإقناع الشعب التونسي بسوء الدعم حيث أخذت تعيد على مسامعنا عدم توجيهه نحو الفقراء تحضيرا لسياسة جديدة في هذا المجال ستكون في أفضل الأحوال منوالا أجنبيا وقع تطبيقه بفشل في تجربة هنا أو هناك. وتجدر الإشارة إلى النفقات العامة في تونس تقتصر على الدعم وبعض النفقات الاجتماعية منها التغطية الصحية لبعض الفئات الفقيرة جدا والمحرومة من الثروة. لذلك فان مجرد تغيير طفيف في السياسة الحالية يتجه نحو التخفيض أو حرمان هذه الفئات من الامتيازات الحالية يهدد التوازن الاقتصادي والاجتماعي التونسي ويزيد في تعميق الفوارق الطبقية ويجعل من تونس بلد التناقضات الاجتماعية الصارخة وقد يخلق طبقتين متباعدتين في مستوى العيش كالأرجنتين والبرازيل. وها نحن نجد أنفسنا مضطرين للتذكير أكثر من مرة بان منوال التنمية القائم على تحرير الاقتصاد وترك المجال لآليات السوق قد فشل داخل الواقع فقد بينت الأزمة المالية العالمية الرهن العقاري أن تدخل الدولة أمر مفروغ منه وان السوق وحده اعجز من تعديل أوتاره. حيث تدخلت الدولة الأمريكية والدولة البريطانية والاتحاد الأوروبي بأكثر من 1200 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لتخفيف نتائج الأزمة وتطويقها. لذلك فانه من الغريب حقا تمسك صندوق النقد الدولي بفرض شروط تحرير الاقتصاد لمساعدة الدول الفقيرة كتونس ومصر. القرض مشروط وبالنسبة لمسالة الشروط المفروضة من اجل القرض يبدو أن نفي السيد محافظ البنك المركزي التونسي في غير محله حيث بدت لهجة البيان واثقة من ما اسماه إصلاحات كما بدت التوقعات دقيقة وموجهة بشكل يؤكد أن صاحب البيان واثق من أوجه صرف القرض على الشاكلة التي يريد والمحددة بشكل مسبق. كما تبين عبارة «إصلاحات تستحق الدعم» أن وراء الأكمة ما وراءها إذ لا يمكن للسيد الشاذلي العياري أن يقنعنا بان تونس فاجأت صندوق النقد الدولي بمقترحات عبقرية جعلته ينبهر ويدعو إلى ضرورة دعمها وذلك لسبب بسيط وان ذات الصندوق قد أعلن في وقت قريب انه قد يضطر إلى تعليق المفاوضات بسبب عدم كفاءة الجهة المحاورة. وتجدر الإشارة إلى أن محافظ البنك المركزي قد تحدث عن كون مدة الاتفاق الائتماني حددت بخمس سنوات مع فترة إهمال ب39 شهرا غير أن بيان المدير العام للصندوق ذكر أن مدة الاتفاق 24 شهرا و هو ما يعكس عدم دقة السلطات التونسية في نقل معطيات الاتفاق. وعموما فان هذه القروض الائتمانية التي يعتزم صندوق النقد الدولي إبرامها مع تونس ومصر لا تبدو بريئة وتفوح منها رائحة استغلال الوضع الهش لهذه البلدان بعد إرهاق المرحلة الانتقالية ومحاولة فرض منوال تنمية ليبرالي قد لا يخدم شعوب المنطقة وهو ما يفند مزاعم الصندوق بتغيير سياسياته المالية تجاه البلدان الفقيرة ويؤكد دوره كأداة للامبريالية لفرض إرادتها على الشعوب فهل تكون الحكومات الجديدة في حجم الرهان أم أنها لا تملك الجرأة السياسية اللازمة لتجنيب شعوبها ويلات التبعية؟