اقترن سلك الملحقين الاجتماعيين لدى البلدان العربية والأوروبية في الحقبة البورقيبية ثم في العهد النوفمبري بهيمنة الحزب الحاكم - الحزب الاشتراكي الدستوري ثمّ التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحل - على هذا السلك. إذ كان من النادر أن تتمّ تعيينات خارج الولاء الحزبي، وأكثر من ذلك فقد كان هذا السلك أداة في يد السلطة لمكافأة من كانت تعتبره أهلا للمكافأة من رؤساء شعب وكتّاب عامين للجان التنسيق, كما كان أداة للتخلّص ممّن كان الحزب الحاكم يريد التخلّص منه، فتتمّ تسمية المغضوب عليهم ملحقين اجتماعيين وهكذا افتقد هذا السلك هويته الواضحة فضلا عن ازدواجية الانتماء إلى السلك الاجتماعي والسلك الدبلوماسي فتداخلت المهام والمشمولات بين الملحقين الاجتماعيين والقناصل. ودون أن نعمّم, فقد كانت السّمة الغالبة على سلك الملحقين الاجتماعيين انعدام المواصفات المهنية من حيث القدرة على تقديم يد المساعدة لأبناء الجالية التونسية بالخارج باعتبار أن الاضطلاع بمثل هذه المهمّات يتطلّب حدّا أدنى من حذق لغة بلد الاعتماد والتشريعات المعمول بها وغيرها من المسائل التي تتطلب قدرا وفيرا من سعة الاطلاع. وكانت التعيينات تخضع إلى الاعتبارات الشخصية الولاءات والعلاقات حتى اقترن تعيين الملحق الاجتماعي بما يشبه الإعانة الاجتماعية لتمكين فلان أو فلان من تسديد قروضه أو إتمام تشييد مسكنه. فإذا بالملحق الاجتماعي الذي من المفروض أن يكون في خدمة الجالية اجتماعيا يكون هو ذاته حالة اجتماعية. إذ اسمح لنفسي بقول ما أقول فلأن الأمثلة لا تخصّ ولا تعدّ، ولولا ما يمليه واجب التحفظ والتستّر عن الحقائق التي قد تسيء إلى سمعة الغير لاستعرضت قائمة لعشرات الأسماء من الذين تمّت تسميتهم ملحقين اجتماعيين لا لشيء إلاّ لمساعدتهم اجتماعيا من ذلك تكليف أحدهم بخطّة ملحق اجتماعي في بلد أوروبي ليتسنى له علاج أحد أبنائه وتكليف أحدهم الآخر في خطة ملحق مكافأة له على وشايات من إدارته الأصلية وما إلى ذلك من التسميات المشبوهة. جاءت الثورة وكان من المفروض أن تضع حدّا لمثل هذه التجاوزات لكن الواقع يشير إلى استفحال الظاهرة إذ مازال العديد ممّن تمّت تسميتهم في ظروف مسترابة ينعمون بمواقعهم وكأنّ شيئا لم يكن وكأنّها لا ثورة ولا هم يحزنون. والأدهى والأمرّ أن عديد التعيينات الجديدة لا تختلف عن سابقاتها والأمثلة هنا عديدة, وهذا ما يستدعي مقاربة جذرية لمعالجة هذه الإشكالية وذلك أولا وقبل كل شيء تحديد وضبط مشمولات وملامح الملحق الاجتماعي. ولنا أن نتساءل ما معنى سلك الملحقين الاجتماعيين. والحال أن تكنولوجيات الاتصال الحديثة أصبحت تغني عن الكثير من الخدمات التي كانت مطلوبة من هذا السلك من حيث الاسترشاد عن الإجراءات القانونية, وما إلى ذلك من الخدمات التي يحتاجها المهاجر في علاقته مع الوطن الأم. آن الأوان للقطع مع عقلية الحزب الواحد والمصلحية الشخصية والأدوار المشبوهة، إذ لا يخفى أن بعض الملحقين الاجتماعيين, إن لم أقل أكثرهم أو كلهم كانوا مكلفين بأدوار مخابراتية زمن العهدين البورقيبي والنوفمبري البنفسجي, بل حتّى هذا الدور ألمخابراتي أصبح غير ذي معنى في ظلّ ما تعيشه تونس بعد الثورة حيث انسياب المعلومات وكشف المستور وحرية القول إلى حدّ افتضاح كل ما كان مسكوتا عنه. وما الذي تبقى من مشمولات الملحق الاجتماعي إذا لن تقدّم وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الخارجية على فتح هذا الملف بصورة معمّقة وجادة باتجاه بلورة تصوّرات واضحة لمشمولات الملحقين الاجتماعيين وضبط مقاييس دقيقة موضوعية للمنتمين لهذا السلك الذي يكلّف المجموعة الوطنية – والحال على ما هي عليه- تكاليف هي بكل تأكيد في غنى عنها. ولنا عودة إلى هذا الموضوع إن لزم الأمر بالأسماء والمؤيدات قبل أن يزداد الملف تعقيدا بعدما علمنا أن النيّة تتجه إلى استبدال كل طاقم الملحقين الاجتماعيين الذين كان تمّ تعيينهم سواء قبل الثورة أو زمن حكومتي محمد الغنوشي والباجي قائد السبسي ليتمّ تعيين ملحقين جدد من باب المحاصصة الحزبية. وهكذا تبقى دار لقمان على حالها.. أملنا أن يتمّ التدارك قبل فوات الأوان لاسيما وأن العديد من أصحاب الحقائب الوزارية اليوم يعرفون جيدا احتياجات الجاليات التونسية في المهجر, ومنهم كاتب الدولة للهجرة والتونسيين بالخارج الذي لا نخاله إلاّ على بيّنة من المواصفات الموضوعية المطلوبة للملحق الاجتماعي (متفقدي شغل وغيرهم..) الذي نتمنى هذه المرّة أن يتمّ اختياره من بين كوادر وزارة الشؤون الاجتماعية أومن بين كوادر تونسية مقيمة بالخارج ومطلعة على واقع جالياتنا هناك، وذلك على أساس الكفاءة وليس المحاباة والمحسوبية والمحاصصة الحزبية كما كان يتمّ في العهد البائد. من ميزات التاريخ حفظ الذاكرة وتدوين الوقائع، لتتداولها الأجيال فتكون عبرة لمن يعتبر، ونبراسا يضيء دروب الحاضر والمستقبل.. هذه بديهيات نسوقها من باب التوطئة لجوهر الموضوع..