بالأمس البعيد لم تكن خطة الملحق الاجتماعي تستهوي الكثيرين، لأنها لا توفر امتيازات هامة لمن يضطلع بها، بل تفرض عليهم مهمات دقيقة مضنية، منها خاصة اصطحاب المرضى الصغار والمسنين من تونس إلى فرنسا، ومتابعة أوضاعهم الصحية في المستشفيات والمصحات الخاصة، وزيارة السجناء من أبناء الجالية التونسية بالخارج، والإحاطة بالعائلات المهاجرة عند نشوب خلافات بين الأزواج، تضر بمصلحة أطفال الجيل الثالث من المهاجرين، والعناية بهم ثقافيا وترفيهيا في المناسبات الدينية والوطنية، ما يصحّ معه القول أن خطة الملحق الاجتماعي، أحدثت استجابة لحاجات اجتماعية وصحية مؤكدة، وثقافية وترفيهية هي من مشمولات صندوق الضمان الاجتماعي ووزارة الشؤون الاجتماعية.. وقد تكفل صندوق الضمان الاجتماعي، بصرف مرتبات الملحقين الاجتماعيين، بينما ظلت خطة الملحق الاجتماعي تابعة لديوان التونسيين بالخارج، وهي الآن في قبضة مديره العام الحبيب اللويزي، رئيس ديوان محمد الناصر وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة الباجي قائد السبسي السابقة.. واليوم نلاحظ تهافتا كبيرا على خطة ملحق اجتماعي، من بعض إطارات الدولة (مدير، مدير عام...)، مردّه الامتيازات المالية والعينية الكثيرة والمتنوعة التي أصبح يتمتع بها الملحق الاجتماعي، والتي تسمح له بتحقيق مدخرات مالية هامة على امتداد سنوات الإلحاق الخمس بالوظيفة، إلى جانب إمكانيات أخرى تتمثل في تمويل دراسة الأبناء بالجامعات العالمية. وهي حالة ينطبق عليها المثل الشعبي القائل: «كول اللحم يا دجاج» لكثرة الامتيازات وضبابية الأعمال المرتبطة بخطة الملحق الاجتماعي، ما يجعل التفصي منها سهلا للغاية، وهذا ما يفسر التهافت الشديد على هذه الخطة، واستخدام كل الوساطة الممكنة والعلاقات المشبوهة، وغيرها من الوسائل المتاحة للظفر بها.. ولنا في المثل الشعبي «كول اللحم يا دجاج» حكمة تنطبق على هذه الحالة.. وكما لا توجد ترتيبات تنظم خطة الملحق الاجتماعي، فإنه لا توجد بالتوازي مقاييس مضبوطة متفق عليها، لاختيار المرشحين لهذه الخطة الوظيفية.. وكثيرا ما تعلن الجهات الإدارية المسؤولة، أن مطالب الترشح لهذه الخطة تقدم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، أو مباشرة إلى ديوان التونسيين بالخارج، المؤهلين معا للقيام بالاختيار الأول ، وأمّا التصديق على القائمة النهائية، فيتم في مستوى مصالح رئاسة الجمهورية.. والسؤال المطروح ، إذا كان هذا الأمر صحيحا وبمثل هذه الدقة، فكيف يعقل أن يترشح عديد المرات لهذه الخطة، إطار متخرج من التعليم العالي له مسؤولية إدارية في الصندوق الاجتماعي، ولا يقع اختياره رغم أقديمة 20 سنة عمل ضمن مصالح الصناديق الاجتماعية، ورغم درايته بمشاغل التونسيين بالخارج، وتمتعه بمؤهلات بدنية وخبرة سياسية واجتماعية ومساندة مؤكدة من إدارة مؤسسته، في حين أن الكثير ممن شغلوا هذه الخطة أو يشغلونها حاليا لا تتوفر لديهم القدرات العلمية الكافية ولا الخبرة المهنية ولا حتى المؤهلات البدنية؟.. ويمكن الاستئناس بمن وقع اختيارهم في عهد الحكومة المؤقتة الثانية بعد الثورة، لمعرفة ما كان يشوب عملية اختيار الملحقين الاجتماعيين من اعتباطية وسوء تقدير وموالاة ومحسوبية مقيتة ولا فائدة من استعراض أسماء الذين تمتعوا في ضوء ذلك بهذه الخطة .. أين نحن إذن من حاجيات وانتظارات الجالية التونسية بالخارج، التي تتطلع إلى ملحق اجتماعي كفء يتواصل معها ويستمع إلى مشاغلها، ويتدخل لحل مشاكلها وفض الخلافات التي تنشأ بين أفرادها، ولا يتقيد بمواقيت عمل السفارات والقنصليات؟. ولكي يتحقق ذلك بأرض الواقع، يصبح لزاما على وزارة الشؤون الاجتماعية، بوصفها الراعي لمجمل هذه المشاغل والاهتمامات، أن تنظر في إعادة ترتيب البيت من الداخل خاصة في مستوى ديوان التونسيين بالخارج، الذي أوكل لصالح نفسه اختيار المرشحين مباشرة وإدراجهم بالقائمة وهو بذلك يستغل السلطة التقديرية للوزارة والأوساط المتدخلة الأخرى، والأمثلة عديدة لا تحتاج إلى تدليل لأن الإدارة العامة للديوان تعرفها وكثيرون آخرون يعرفونها ولا فائدة في ذكرها.. أنهي فأقول: المصلحة تقتضي التعجيل بوضع مقاييس جديدة لاختيار المرشحين لهذه الخطة، وإيجاد إطار قانوني ينظم وظيفة الملحق الاجتماعي وفقا لمستلزماتها وخصوصياتها. فلا مجال لأن يستمر التعامل مع هذا الشأن الدبلوماسي الاجتماعي، بطريقة الإسقاط في ضوء معايير الولاء والانتماء والمحسوبية. معايير أصبحت منبوذة من الجميع بعد ثورة 14 جانفي لأنها تقوم على الغموض والالتباس والهشاشة.. إن الكثير ممن شغلوا هذه الخطة أو يشغالونها حاليا، لا تتوفر فيهم القدرات العلمية و الخبرة المهنية ولا المؤهلات البدنية الكافية وإلى متى يستمر اختيار الملحق الاجتماعي بالطرق الموروثة من العهد السابق؟.. إن الجالية التونسية بالخارج في حاجة ماسة وملحة إلى ملحقين اجتماعيين يعينون على أساس الكفاءة والأداء الجيد، وليس لاعتبارات تقوم على المحاباة والمحسوبية والجهوية..