تقوم العادات الغذائية التونسية بالنسبة لأغلب الواقفين يوميا على أبواب مطاعم الأكلة السريعة على الكفتاجي والبريك والفريكساي. هذه المأكولات التونسية الأصيلة تمثل عزاءا في أسعارها لفاقدي السند ولأصدقائهم من الكادحين وجيرانهم من الموظفين. فهذه الأكلات مازالت ملاذ المواطن التونسي أمام موجة ارتفاع الأسعار. في السابق كانت الأكلات المذكورة عزاءا حقيقيا فنكهتها الرائعة ومذاقها التونسي اللذيذ يجعل المواطن يغفل عن غياب القيمة الغذائية وعن مذاق أطعمة أخرى كالسمك والكافيار لحم الخروف وأنواع أخرى نعرف بعضها ونجهل بعضها. هذا المذاق اللذيذ بدأ يتراجع وقد لا نبالغ إذ نقول انه انعدم. فحيث ما تولي وجهك تجد أطعمة متشابهة بمذاقات متشابهة وبأسعار متشابهة وقد تكون عبارة «بزايد هريسة» نابعة بهذا الشعور بالتكرار والروتينية فلعل قليلا من الفلفل الحار يلهب الإحساس في الفم والحلق. هذه الأطعمة الخفيفة سعرا ومذاقا وقيمة غذائية، أصبحت أشياء تلقى في غياهب الجوف البعيدة لتحل ركنا غير كبير ولتفقدنا الإحساس المرير بالجوع. أما ما يجعل من الأكل متعة فتلك قصة أخرى لا علاقة للمواطن بها. لقد نشا الأكل أول مرة كغذاء ضروري طبيعي ليتواصل الكائن البشري في الحياة. مع تطور الحضارة اتجه الأكل نحو المتعة وأصبحت له عادات وأوقات وطقوس مثلت جوهر متعته. ولكن أين هذه المتعة اليوم وأنت تشاهد الطابور الطويل أمام مطاعم الأكلة الشعبية؟. أين الطقوس في الأكل على عجل؟ أين الطقوس وأنت تعيد نفس الطعم يوميا؟ أين الطقوس وأنت تسرع في أكل الوجبة لتعود سريعا إلى العمل؟ بقليل من التمعن ستكتشف إن الطقوس تغادر في حضور قلة ذات اليد. حيث أصبح المواطن عاجزا عن توفير ثمن الطبق اللذيذ فيضطر لمشاهدة البائع و هو يضع غرامات قليلة من كل شيء ومن لا شيء ليلفه في قطعة الخبز. يأكله فلا يكاد يحس بشيء سوى أن الجوع كاد يغادر، فبمقدار المال يذهب الجوع. وهذا المال المطلوب ليس ذلك الذي يوصل إلى حد التخمة بل هو المال المطلوب للأكل الذي يغني من جوع فبعاداتنا الغذائية لا نأكل إلا قليلا ونحن نريد أن نأكل دائما