قام النظام المالي والبنكي بتمويل الاقتصاد التونسي ب53 مليار دينار خلال سنة 2012. وقد استأثر قطاع الخدمات بالنصيب الأكبر من حجم القروض التي أسندها النظام البنكي للاقتصاد التونسي. حيث بلغت قيمة القروض المسندة لقطاع الخدمات 37.502 مليار دينار مقابل 1.752 مليار دينار لفائدة قطاع الفلاحة والصيد البحري. في حين بلغ تمويل البنوك لقطاع الصناعة 13.837 مليار دينار. المراهنة على الخدمات ويرى الملاحظون أن هذا الوضع معقول نظرا لتطور ثقل الخدمات في الاقتصاد التونسي وحاجة هذا القطاع إلى التمويل بشكل اكبر من باقي القطاعات خاصة وان القيمة المضافة لهذا القطاع أعلى بكثير من الناحية النظرية من باقي القطاعات. غير أن الخبراء يقدرون أن هذا الوضع ليس مثاليا نظرا للفرص التنموية المهدورة من خلال عدم المراهنة على قطاع الفلاحة. فإذا كان من المفهوم المراهنة على قطاع الخدمات فاد ذلك لا يعني إهمال الفلاحة التي تمثل فرصا تنموية كبيرة وقرة تشغيلية مهمة. وبالنظر إلى وزن قطاع الفلاحة والصيد البحري في الاقتصاد التونسي يبدو أن التمويل لا يتماشى مع أهمية القطاع. حيث يمثل قطاع الفلاحة 10 بالمائة من الناتج المحلي الخام غير أن نسبته من التمويل لا تتجاوز 3.3 بالمائة وهو ما يعكس عدم تلبية كل حاجيات التمويل. ويبدو أن قطاع الفلاحة وقع ضحية ما يسمى رقم المعاملات حيث يمثل هذا المؤشر المالي للشركات احد ركائز إسناد القروض للمؤسسات الاقتصادية ويكون رقم معاملات المؤسسات المالية العاملة في مجال الخدمات ضخما نظرا للضعف النسبي للرأس مال الثابت مقابل انخفاض رقم المعاملات في قطاع الفلاحة. وتجدر الإشارة إلى قطاع الفلاحة والصيد البحري قد حافظ نسبيا على حجم التمويل الذي كان سنة 2004 يعادل 1.184 مليار دينار مقابل 1.752 مليار دينار سنة 2012 إلا انه فقد خلال هذه العشرية نسبته من القروض حيث كانت النسبة 5.1 بالمائة سنة 2004 لتصبح 3.3 سنة 2012 وفي المقابل فان قطاع الخدمات تطور من حيث الحجم والوزن حيث كان حجم التمويل 13.975 مليار دينار سنة 2004 أي بنسبة قدرها 61 بالمائة من مجموع القروض المسندة للاقتصاد وبلغ حجم التمويل 37.502 مليار دينار سنة 2012 أي بنسبة قدرها 70.5 بالمائة من الحجم الجملي للقروض. ويمكن أن تؤشر هذه الأرقام على توجه الاقتصاد التونسي نحو الخدمات مقابل تراجع وزن الفلاحة والصيد البحري وتقلص دور قطاع الصناعة. فوائد ومخاطر ويرى الخبراء أن التحول إلى الاعتماد الكلي على قطاع الخدمات يوفر فرصا مهمة للتنمية الاقتصادية غير انه يحمل في طياته عدة مخاطر أهمها أن يصبح الاقتصاد التونسي هشا وحساسا للهزات الاقتصادية. وقد أثبتت التجربة في بلدان جنوب شرق أسيا وفي الأرجنتين أن التعويل على قطاع الخدمات بشكل كبير ليس الحل الأمثل دائما وان كان هذا القطاع احد ركائز التطور والنمو الاقتصادي. حيث تأثرت الاقتصاديات في بلدان جنوب شرق آسيا بالهزات الاقتصادية العالمية والصدمات الداخلية والخارجية. ولذلك فان المراهنة على الخدمات لدفع النمو الاقتصادي يجب أن يرتبط بتطوير القطاعات الأخرى وخاصة الفلاحة التي مازالت تمثل فرصا كبيرة للاستثمار 5 مليار دينار ديون غير مسددة وتجدر الإشارة إلى أن قيمة القروض غير المسددة قد بلغت 4772 مليون دينار في موفى سنة 2011 وهو ما يعكس عجز المؤسسات الاقتصادية على الإيفاء بالتزاماتها المالية من ناحية وعدم قدرة الجهاز البنكي على تقدير المشاريع بشكل صحيح وقد انعكست هذه الوضعية على أداء النظام البنكي الذي أصبح عاجزا عن تمويل الاقتصاد التونسي وهو ما يدفع الحكومة التونسية نحو مزيد الارتهان إلى الدوائر المالية العالمية عبر التداين الخارجي. فهل ينجح مشروع اعادة هيكلة النظام المالي والبنكي في تحسين أدائه؟ أم أن الإصلاح سيكون مجرد استجابة لشروط صندوق النقد الدولي من اجل اسناد القرض الأخير؟