أثار اطلاق سراح بعض من رموز حزب التجمع المنحلّ في المدّة الاخيرة ردود أفعال كثيرة وجدلا حول مقاصدها وتوقيتها واستتباعاتها في المستقبل المنظور. و أوّل المتابعون هذه العملية بأنها صفقة بين الحزب الحاكم الحالي ورموز الحزب الحاكم السابق على أساس التقليص من الضغط المسلّط على السلطة السياسية و انعزالها داخليا وخارجيا والتقليل من حدّة احتقان الشارع التونسي وغضبه من عدم كفاءة الحاكمين الجدد في كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الى جانب ضياع عنصر اساسي من قوة حركة النهضة الا وهو بداية وهن حركة الاخوان المسلمين العالمية والضربات القاصمة التي تلقّتها مؤخرا في مصر وسوريا وليبيا والاردن والسودان وحتى في المغرب الاقصى مؤخرا يضاف اليها تراجع الدور القطري وظهور قوى اسلامية اخرى مناهضة مثل السعودية والامارات والتي افتكت زمام المبادرة وربحت صمت الدول الخارجية خاصة فيما يتعلّق بالاحداث الاخيرة في مصر وسقوط حكم الاخوان هناك. حركة النهضة ،بخروج رموز الفساد التجمعيين الى «الهواء» ، تعتقد، وفق المراقبين، انها ستربح القليل من الوقت باعتبار «تواصل تأثيرهم» على الادارة التونسية وعلى بعض المناطق الداخلية والساحلية بالبلاد والقواعد القديمة في التجمع المنحلّ، ولما لا أخذ النصيحة منهم بخصوص بعض الملفات الشائكة، علاوة على علاقاتهم الخارجية «الجيّدة» مع عديد الجهات، وهذا من شانه ان يكسب حركة النهضة وحلفائها «اسلحة» جديدة تقاوم بها خصومها وتوفر لها «اكسيجينا» يوسع لها من هامش المناورة. الموقع قبل الموقف عديد الخصوم السياسيين لحركة النهضة يتهمونها بالشراهة غير العادية لكرسي السلطة وعدم استعدادها التخلي عنه مهما كلفها ذلك حتى وان استعملت «اسلوبها «القديم الجديد الا وهو التهديد والوعيد وممارسة العنف (تصريح الصحبي عتيق الاخير)، وهذا يعتبره المتابعون امرا طبيعيا في سياسة الاسلام السياسي وقاعدة مادية لسلوك حركة الاخوان المسلمين العالمية في علاقتهم بظاهرة السلطة السياسية والتعامل معها، وعلاوة على هذا الاسلوب لا تنفك الحركات الاسلامية السياسية في اتباع اساليب اخرى على قاعدة «عدو عدوي صديقي» أو « عدو الامس صديق اليوم» وهذا الاسلوب اتبعته حركة النهضة منذ توليها مقاليد الحكم وتمثل ذلك في التعيينات التي اسماها العديد بالفوقية ومسّت رموزا تجمعيين ومناشدين من الذين لهم «الخبرة الواسعة في مجال الادارة والتسيير». هذا المنطق انعكس ايضا في تعامل حركة النهضة مع ملف الفاسدين والفساد من خلال ابنائها في وزارة العدل والنيابة العمومية ، وتعاملوا مع الملفات بعدم الجدية والاستهتار وعدم الكفاءة منذ ان تسلموها مثلما تعاملت معها حكومتا الغنوشي و السبسي المتهمتان بافراغ ملفات المتهمين بالفساد وقمع الشعب التونسي من محتوياتها ومن المؤيدات والبراهين ولم تبق فيها الا بعض القرائن الشكلية التي بمقتضاها تم اطلاق سراح المتهمين، وهذا ما سكتت عنه حركة النهضة وصمتت اثر تسلمها للحكم. فبالنظر الى التهم المنسوبة لرموز التجمع المنحل، نلاحظ مثلا ان بشير التكاري اتهم على خلفية ضلوعه في قضية سرقة اليخت الفرنسي من قبل عماد الطرابلسي صهر الرئيس المخلوع، من سواحل اللازوردي الفرنسية او عبد الرحيم الزواري الذي كان موقوفا في قضية «ستير للبترول» حول صفقات النقل للمواد البترولية والغرياني أحد أبرز رموز نظام بن علي الذي اتهم في ما عرف بقضية تمويلات التجمع او عبد العزيز بن ضياء وعبد الله القلال وعبد الوهاب عبد الله ... وهذه كلها اتهامات لا ترتقي الى ما اقترفه هؤلاء قي حق الشعب التونسي من انتهاك لحقوق الانسان وتعذيب وضرب حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية حسب المعارضة التونسية وجعل من القضاة مضطرين للحكم وفق الاوراق المقدّمة والمؤيدات الشكلية المتوفرة...هذا اذا اعتبرنا ان المكلفين بهذه الملفات لم ينخرطوا في فعل التجاذبات السياسية والحزبية وحافظوا على مبدأ استقلالية التحقيق والقضاء... وهذا ما جعل الغضب يتنامى في اوساط المعارضة وخاصة المعارضة اليسارية وحتى في الاوساط العادية للمجتمع التونسي والبعض من حلفائها ايضا(ما يُسمى برابطة حماية الثورة) حسب المتابعين، واتهموا حركة النهضة وحلفائها بانعدام الارادة السياسية لديهم لمحاسبة رموز النظام القديم وعدم الكفاءة والجدية لإنجاح المرحلة الانتقالية وتفعيل العدالة الانتقالية على اساس سليم. ان قلق حركة النهضة وخوفها الكبير من «عزلها» من كرسي الحكم و السلطة يجعلها بالتأكيد تتخلّى عن شعاراتها التي رفعتها في وقت من الاوقات الا وهي محاسبة الفاسدين ومن اجرم في حق الشعب التونسي وعذّبه وحرمه من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتفعيل العدالة الانتقالية واستقلالية القضاء ويضطرها لإتباع قاعدة «الموقع قبل الموقف». ضغوطات داخلية اطلاق سراح رموز النظام القديم جاء في وقت دقيق يتميّز بانعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم في تونس وعزلة كبيرة تواجهها النهضة في علاقة بالمكونات الاخرى في المشهد السياسي، فهي التي حاولت افساد المؤتمر الوطني لمناهضة العنف وتجنبها اعطاء مواقف وتقديم سلوكات واضحة في علاقة بالارهاب والعنف والاتفاق على خارطة طريق للاستحقاقات الوطنية القادمة من استكمال دستور توافقي وتحديد موعد للانتخابات وهيئة انتخابات تحظى بتوافق الجميع وتسهيل مهام هيئة الاتصال السمعي البصري وبعث مجلس وطني للصحافة علاوة على «شطحات اغلبية النواب في المجلس التأسيسي» وعدم الكفاءة في تسيير مقاليد الدولة والحكم والمواقف التي اعتبرها العديد مخزية فيما يخص العلاقات الدولية الخ... كما ان الشارع التونسي ذاق ذرعا بالتهاب الاسعار واهتراء المقدرة الشرائية وضعف الاجور وتنامي البطالة وانعدام الامن محمّلا السلطة القائمة مسؤولية ذلك خاصة وانها «تواصل نفس الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للنظام القديم « وهي رؤى مملاة من المؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...) وزادت في مأساة الطبقات الفقيرة في الشعب التونسي، حسب المراقبين. هذه المعطيات جعلت الحزب الحاكم الجديد في عزلة كبيرة وتركته مرهقا بعد ان استنفذ كل الاجراءات «الاصلاحية» لإرضاء الشارع والجماهير المطالبة بالتنمية وبإنجاح المرحلة الانتقالية على اكمل وجه مما اجبره على البحث عن حلول اخرى قد تربحه القليل من الوقت وتكسبه مساحة مريحة للمناورة، وهذا ما وجدته، الى جانب التظاهر في الشارع دفاعا عن «الشرعية»، وجدته في اطلاق سراح رموز النظام القديم الذين من الممكن، حسب عديد القراءات، ان يقدموا يد العون لحركة النهضة وحلفائها ومن ذلك استرضاء التجمعيين والاعداد للانتخابات القادمة وتقديم المساعدة في التظاهرات المنظمة في الشارع والتخفيف من وطأة احتقان الالاف وغضبهم وكسب ود بعض الاعلاميين الذين كانوا موالين للحزب الحاكم القديم من خلال اطلاق سراح امينهم العام والذين سيقدمون قطعا الخدمات الكبيرة في هذا الوقت الدقيق. عزلة خارجية وضغط اقليمي اطلاق سراح التجمعيين وبطانة بن علي، جاء في وقت محرج ايضا بالنسبة لحركة النهضة على المستوى الخارجي والعلاقات الدولية، فمن المؤكد ايضا ان حركة النهضة بدأت تستشعر الخطر الداهم عليها في تونس بعد «خلع» رئيس الفرع الاخواني في مصر واستحالة عودته خاصة مع بداية تخلي القوى الاقليمية عن «البديل الاخواني» ومنها تراجع دور الدور القطري و تخلي السعودية والامارات وجزء من الادارة الامريكية و الغياب المفاجئ للشيخ القرضاوي والازمة التي باتت تعاني منها حركة الاخوان في ليبيا وانكفائها في السودان والاردن واليمن وضعفها في المغرب الاقصى علاوة على تراجعها السياسي والميداني في سوريا نتيجة الضربات القوية التي تلقتها مؤخرا من النظام السوري وجيشه. كل هذه المعطيات جعلت من حركة النهضة قلقة جدا واضطرتها الى البحث في ايجاد تسويات وصفقات، حتى وان كانت مع «الشيطان الاكبر»، لكسب حرب الوجود وربح الوقت والبحث في نصيبها من الحكم في الفترة المقبلة، و بالتالي ستكون القيادات التجمعية وبطانة بن علي السابقة ، سواء تلك التي داخل السجن او خارجه، خير ضامن لهذا «التكتيك»، خاصة وان تجربة سابقة في هذا المضمار قد تم القيام بها ونجحت ( التحالف الظرفي بين النهضة وكتلة كمال مرجان في المجلس التأسيسي، او تعيينات التجمعيين على رأس الادارة التونسية). فقيادات التجمع المنحل بإمكانها ان تقوم بعديد الخدمات كردّ او اعتراف بجميل «الحرية» الذي قدّمته النهضة وكحماية لنفسها من مغبة الرجوع الى السجن مرة اخرى، فهي ما تزال محتفظة ببعض التأثير على قواعدها القدامى في عديد من جهات البلاد و التي من الممكن في فترة قادمة ان تتحالف او ان تنصهر حتى مع قواعد النهضة او روابط حماية الثورة للتصدي لمن يريد «استنساخ» التجربة المصرية في تونس، كما ان القيادات التجمعية لا تزال محتفظة بعلاقات دولية جيدة مع عديد الدول ومنها مثلا العربية السعودية التي لم تنفك في الفترة الماضية تحاول وتضغط عبر تقديم الوساطات من اجل اطلاق سراح بعض وزراء بن علي$. ومهما يكن من امر، فان اطلاق سراح التجمعيين برعاية نهضوية سيربك بالضرورة قواعد حزبها وخاصة من الشباب وسيزيد من احتقان الشارع التونسي ونقمته على الحاكم الجديد، الذي لن يقتصر على اعادة انتاج نظام اقتصادي اجتماعي لبن علي بل لخيار سياسي اخر بنفس الوجوه القديمة التي كانت من الدّ الاعداء للشعب التونسي ولنخبه الديمقراطية. ناشطون في مجال حقوق الانسان والقضاء ادانات مفرغة من محتواها وإرادة سياسية واضحة في اطلاق سراح رموز النظام القديم اثر اطلاق سراح رموز النظام القديم في المدة الاخيرة وما رافقه من جدل في اوساط النخب السياسية وغضب في الشارع التونسي، اتصلنا بالسادة والسيدات احمد الرحموني رئيس مركز استقلالية القضاء وروضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة وكلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة وعبد الستار بن موسى رئيس رابطة حقوق الانسان لرصد مواقفهم وارائهم حول موضوع اطلاق سراح التجمعيين ان كان يدخل في اطار الصفقة السياسية مع حركة النهضة ام لا. كما حاولنا الاتصال بعميد المحامين لكن للاسف اجاب انه لا يملك المعطيات بخصوص الموضوع لذلك تعذّر عليه الاصداع بموقفه. الاستاذ احمد الرحموني لا بد من محاكمة جدية على جرائم حقوق الانسان منذ اطلاق سراح التكاري والزواري عبرنا عن موقف سابق وهو نفسه الذي نتمسّك به حاليا، فإطلاق سراح هؤلاء يأتي في اطار استباقي لمسار العدالة الانتقالية عبر تسويات، والمثير في الامر ان من مستهم هذه «الحرية» اناس هم رموز للنظام السابق. ومن البداية، فان تتبع هؤلاء لم يتم على اساس جرائم تهم انتهاك حقوق الانسان والتعذيب وضرب حقوق الشعب التونسي وانما ملفات شكلية كانت احكامها مثيرة للجدل مثل قضية «تمويل التجمع» واطلاق سراحهم الان يؤذن بإسقاط التهم الباقية وبالتالي فالتهم الموجهة ضدهم هي شكلية وفي اطار تعقيب قرار دائرة الاتهام وليست محاكمة اصلا باعتبار ان التهمة غير ثابتة وان النيابة العمومية لم تجد أي ملائمة للتبعهم من اجل جرائم خرق حقوق الانسان وهذا ما يظهر خللا كبيرا بما انها مقيدة بسياسة خاصة للسلطة التنفيذية . ونحن نعتقد انه دون محاكمة جدية لرموز النظام القديم لا يمكن القطع مع النظام الاستبدادي فالمحاكمة الحقيقة في اعتقادنا لم تتم بعد، والسبب في ذلك غير قضائي بقدر ماهو سياسي بامتياز فلا اتصور ان دائرة الاتهام تجرؤ على اطلاق السراح دون تأثيرات سياسية. ان تأخر مسار العدالة الانتقالية وتعطيله الى حد الان هو سبب كل هذا ، فالعدالة الانتقالية وحدها بامكانها القطع مع الاستبداد. روضة العبيدي ادانات مفرغة من محتواها كل شيء وارد فيما يخص الصفقة السياسية، لكن في المقابل يجب الاشارة الى انه لا يمكن الحديث عن قاض مستقل او لا، لان الملفات المقدّمة والموجودة كانت شكلية ولا تتضمّن ادانات واضحة وانما ادانات مفرغة من محتواها وبالتالي لا يمكن الحديث عن مسؤولية القاضي في هذا المستوى. لذلك وجب البحث جيدا في هذه الملفات و لا يجب في المقابل ان نضع القضاء تحت ضغط الشارع مهما كانت الملفات لان ذلك يمثّل خطرا على كل الناس. من ناحية اخرى، ادعو الى تفعيل باب العدالة الانتقالية وتكريس مبدأ ضمانات المحاكمة العادلة باعتبارها ضرورية لكل الناس. عبد الستار بن موسى هناك ارادة سياسية واضحة لإطلاق سراحهم حسب تصريحات القضاة، فقد تم تجاوز المدة القانونية لإيقاف رموز التجمع تحفظيا، وهذا ما يبعث الى التساؤل عن الارادة السياسية لإيقافهم سابقا وهل ان تركهم يتجاوزون المدة القانونية للإيقاف التحفظي أمرا بريئا ام لا. فقد كان من الاجدى وضع هذا الملف في اطار العدالة الانتقالية ، كما اني اعتقد ان هناك ارادة سياسية لإطلاق سراحهم، لذلك أنبّه الى ضرورة أن يكون القضاء بعيدا عن التجاذبات السياسية والحزبية الذي، للاسف، لم يكن في هذا الملف بعيدا عن ذلك.