اللحظة التاريخية الفارقة والحارقة التي تمرّ بها بلادنا، استدعت بقوّة كلّ الفاعلين السياسيين والاجتماعيين ومن ورائهم الأحزاب السياسية ومكوّنات المجتمع المدني إلى تسريع مواقفهم وتحرّكاتهم. ويبقى دور القطاعات محوريا في سياق حركة التاريخ والمجتمع، حيث يغدو هذا الدور منخرطا في الهم الجماعي المشترك، إن كان ذلك على الصعيد السياسي أو على الصعيد النقابي. ومن القطاعات ذات الحساسيّة المفرطة والقيمة المضافة في المراكمة الرمزية، نجد قطاع الشباب والطفولة الذي يمثّل في حقيقة الأمر أكثر من نصف عدد سكان تونس. لهذه الأسباب الموضوعية ولغيرها دعت «الشعب» إلى هذا اللقاء الحواري عسى أن ترفع الغشاوة وتنفض الغبار عن دور هذا القطاع في الرّاهن الوطني بكل أبعاده وحقوله الحيوية. باعتبارك أحد المساهمين في صياغته، كيف تحلّل موقف الهيئة الادارية الوطنية الأخير وكيف ترى تأثيراته على المجريات السياسية راهنًا ومستقبلاً؟ أعتقد أنّ موقف الهيئة الادارية الوطنية، هو موقف القوى الوطنية عموما في تونس حيث ينطلق من ثوابت الاتحاد العام التونسي للشغل التاريخية في تحمّله لمسؤولياته الوطنية في كلّ الظروف، ويمثّل هذا الموقف الأخير مرّة أخرى موعدًا مع التاريخ فهو ينحاز بالضرورة إلى مطامح الشعب التونسي الذي يرى اليوم، إنّ الضرورة الملحة لانقاذ الوطن تتمثّل أساسا في حكومة انقاذ وطني وتحديد مهام ما تبقى ضمن المجلس الوطني التأسيسي وتوضيح خارطة الطريق. يرى بعض المراقبين أنّ هذا الموقف قد شكّل رصاصة الرحمة ضدّ حكم الترويكا فما رأيك فيما ذهب إليه هؤلاء؟ نحن لا نطلق رصاص الرحمة، نحن ننحاز إلى قضايا شعبنا، قضايا الكادحين ومثلما قلت فإنّنا لا نزال نخلص لتاريخ هذه المنظمة الذي اتّسم بالمواقف الوطنية منذ تأسيسها وواهم من يعتقد أنّنا نخرج من ارتكب الأخطاء بالرصاص من المآزق التي صنعها. ارتفعت خلال هذا الأسبوع وتيرة العمليات الارهابية الجماعية في حلق الوادي وفي الشعانبي وأخيرًا في المحمدية، ماهي الأطراف التي تقف وراء هذه العمليات وما مدى تأثيرها على الانتقال الديمقراطي في تونس؟ من يكره الديمقراطية ويعاديها ولا يؤمن بها، ويعتبرها مجرّد سلم يوصله إلى الحكم ثمّ يهدمه بعد وصوله، هم من يرتكبون هذه الجرائم لأنّهم لا يعيشون إلاّ في الأجواء المتفجّرة، فأحسن الديمقراطيات عندهم هي تلك التي توصلهم إلى سدة الحكم وتذبح بعدها قربانًا لحكمهم والاحتفاء به. تبدو أنّ كلّ المعادلات السياسية اليوم مرتكزة على مواقف الاتحاد العام التونسي للشغل، فهل تعتقد أنّ المنظمة الشغيلة قادرة على انقاذ البلاد في هذه اللحظة الفارقة والحارقة؟ رغم وزن الاتحاد وثقله على الساحة الوطنية ورغم تاريخه النضالي الحافل ورغم المحطّات المتعدّدة التي مرّ بها، فإنّه دومًا في حاجة إلى الانصهار مع باقي القوى الوطنية التي تؤسس مثله بالنضال الديمقراطي واقرار العدالة الاجتماعية حتى يتمكّن الجميع من أداء الرسالة المنوطة بعهدته. وهذه اللحظة الفارقة والحارقة تستوجب تجميع كلّ هذه القوى والاتحاد العام التونسي للشغل على أهميّته غير قادر بمفرده على تحمّل أعباء المرحلة. التنوّع القطاعي والجهوي والفكري الذي يميّز جوهر الفعل النقابي، كيف يتعاطى معه قطاع الشباب والطفولة وبماذا يساهم فيه على مستوى الاضافة الفكرية والتحرّكات الميدانية؟ قطاع الشباب والطفولة هو قطاع تربوي ثقافي اجتماعي بالأساس، وموقعه في المنظمة الشغيلة يجعله يساهم بقسط وافر في الحراك النقابي، إنّه قطاع يتفاعل مع الأطروحات المتنوّعة في الاتحاد العام التونسي للشغل. لئن تقارب الاتحاد العام التونسي للشغل مع منظمة الأعراف، فإنّه في الآن نفسه تباعد مع الحكومة، فهل نتوقّع أن تتعزّز المكاسب في القطاع الخاص على حساب القطاع العام والوظيفة العمومية حيث بقيت جملة الاتفاقيات المبرمة حبرًا على ورق؟ الاتحاد العام التونسي للشغل لا يتقارب ولا يتباعد إلاّ بمدى احساسه وقناعته بدعم مكاسب الشغالين وعموم الشعب التونسي، لذلك لم يتقارب مع السلطة إلاّ بهذا المقياس وعلى هذا الأساس الموضوعي، وفي الوقت الرّاهن فإنّ الهوة التي تبدو سحيقة بين السلطة والشعب عموما هي نفسها التي تفصل الاتحاد عنها. أمّا منظمة الأعراف فإنّها قد عبّرت عن مواقف تُمليها مقتضيات الرّاهن. أصبحت اللحظة الرّاهنة على المستوى الوطني لحظة سياسية بامتياز، فكيف تتعاطى النقابة العامة للشباب والطفولة مع هذا السياق التاريخي الموضوعي؟ النقابة العامة للشباب والطفولة ليست غريبة عن التعاطي السياسي، فهي نقابة قطاع حسّاس بامتياز. ففي العهد البائد طالما استعمل القطاع لأهداف سياسية لتلميع صورته وكان الحراك النقابي فيه والنقابيون هم من يتحمّلون وزر الدفاع عنه والنأي به عن ذلك التوظيف. ولا يزال القطاع يتعرّض إلى التّهميش والتوظيف رغم دفاعنا المستميت والمنادي بضرورة أداء وظيفته الأساسية. بعد أن كانت الساحة السياسية موزّعة على ثلاثة أقطاب كبرى، فإنّها قد أصبحت بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي، مرتكزة على قطبين، كيف تستشرف التحوّلات التي ستشق الساحة السياسية في صورة سقوط حكومة لعريض ؟ إنّ اللحظة الرّاهنة وما يمرّ به الوطن هي بالضرورة لحظة فارقة في تاريخنا وهي تحتّم أيضا الفرز بين الوطني واللاوطني. والانحياز إلى الوطنية هو الأساسي والضروري على حدّ السواء والحديث عن شكّل الأقطاب ليس جديدًا ولكن الغشاوة التي أصابت البعض بدأت تتجلّى وتظهر واضحة للعيان. هل تعتقد أنّ حركة النهضة ستتنازل عن السلطة بشكل سلمي أم أنّ البلاد مقبلة على برك من الدماء؟ مثلما سبق وقلنا ان اعداء الديمقراطية يحرقون سفنهم بعد وصولهم إلى الكراسي، فهم لا يؤمنون إلاّ بذلك، وهذا ما يجعلهم يبيعون كلّ القضايا من أجل تلك الكراسي وواهم من يعتقد أنّ أنياب اللّيث حين تبرز فهو يبتسم، كذلك النهضة لن تتورّع على اسالة الدماء واهدارها وسفكها، مثلما ظهرت البوادر والمؤشرات ولكن الشعب التونسي قادر على المواجهة وإن طالت. ظلّ قطاع الشباب والطفولة ولمدّة عقود طويلة يرزخ تحت وطأة التوظيف السياسي للسلطة المتعاقبة، فإلى أي مدى يمكن الحديث على أنّه قد تحرّر بعد الثّورة؟ قطاعنا يهتمّ بأهمّ شرائح المجتمع التونسي، لذلك فإنّ من يتحكّم فيه يكون له بالغ التأثير في توجيه الطبقات النيّرة داخل المجتمع، لذلك أيضا ظلّ هذا القطاع يعاني من توظيفه من قبل السلطات المتعاقبة ولكن مهامه الجوهرية فهي نبيلة في جوهرها على اعتبارها مهام تربوية واجتماعية بامتياز. ولئن اعتقدنا أنّنا بعد 14 جانفي 2011 اننا سنتحرّر من هذا التوظيف، فإنّ الحقيقة كانت عكس ذلك فلا يزال هذا القطاع يعاني من التّهميش. لذا يصبح لزامًا علينا مواصلة النضال. من طارق ذياب إلى سهام بادي توزّع قطاع الشباب والطفولة، فهل تاه قطاعكم بين شارع بورقيبة والمنزه؟ فعلا تاه القطاع وتمزّق بين وزارتين، في حين أنّ ما كان مطلوبًا هو التوحيد الذي هو مطلب نقابي تُمليه الضرورة، فقطاع الشباب والطفولة هو قطاع واحد تاريخيا، وقع تفريقه من أجل مزيد تهميشه. ويوجد اليوم على رأس سلطتي اشرافه شخصيات لا تمت له بصلة وهذا دليل آخر على أنّ الترويكا الحاكمة لايهمها النجاعة والمسؤولية والمردودية فيمن تعينهم، بل ما يهمها هي الكراسي، وهذا مازاد القطاع تأزّما. من القطاعات الآخذة في التأنيث، قطاع الشباب والطفولة، فأي دور للمرأة التي أعطت الحياة للطفولة ورعتها وهي تتحوّل إلى شباب؟ قطاع الشباب والطفولة يرتكز ضمن العاملين والفاعلين فيه على العنصر النسائي، فطبيعته تساعد على ذلك اعتبارًا لجوهر دوره التربوي والاجتماعي. وهذه الميزة تجعل منه قطاعًا متفتّحا، لذلك كانت التمثيلية النقابية فيه متميّزة وفعلية، إذ أنّ هياكله تضمّ في مجملها عناصر نسوية مناضلة ومنخرطة في الهم النقابي والوطني، وعلى سبيل المثال، فإنّ مكتب النقابة العامة للشباب والطفولة يعدّ نموذجا مثاليًا في وصول المرأة إلى أعلى الهياكل بثقل محترم.