أبعد تصفية رمزين من رموز المعارضة الوطنية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وبعد استعمال الرش ضد أهالي سليانة، والاعتداءات المتكررة على الاتحاد العام التونسي للشغل، وبعد تكديس الاسلحة في الجبال والحارات وموادعة الارهابيين والتمكين لهم اثناء قيادة السيد علي العريض لوزارة الداخلية، وبعد استفحال الازمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخانقة في تونس، وتراكم اخفاقات الحكومة السياسية الثانية للترويكا وانحرافها عن اهداف المسار الثوري... أبعد كل ذلك يطلع علينا رئيس حركة النهضة بخطاب التخفي والتهديد واللامبالاة بما سببته سياسة حزبه لتونس وشعبها من بوائق (مصائب)، لم تعد تخفى على الخاص والعام! ومع كل ما جرى ويجري مازال الشيخ يحدثنا عن الوحدة الوطنية المهددة والشرعية المنقلب عليها والديمقراطية المراد أجهاضها، فحين تطرح المعارضة حكومة انقاذ من الكارثة التي حلت بالبلاد يرى الشيخ في ذلك تشريعا للفوضى ،انقلابا على الشرعية ووأدا للتجربة الديمقراطية... وفي الوقت الذي يعبر فيه عن عدم رغبة النهضة في التمسك بالحكم، يرى ان مصلحة التجربة الديمقراطية الفتية في تونس تكمن في استمرار النهضة في الحكم: «ان اصرار النهضة على رئاسة الحكومة لا ينبع من أنانية او من مصلحة شخصية ،انما هي مصلحة الديمقراطية (1) ومع هذا التخفي وراء الديمقراطية ومقتضياتها، لا يتورع الشيخ عن استخدام اساليب التخويف والتهديد ضد من تسول له نفسه النيل من «شرعية حكومة النهضة» : «ورأينا كيف حصل في مصر عندما أراد اعتصام ان يزيح حكومة رأينا بحور الدماء الذي غاصت فيه مصر... بحيث اذا لم نحترم أدوات الديمقراطية فنحن نعرض بلادنا للخطر (2)»... و «اشرب وإلا طيّر ڤرنك». وما يفهم من كلام الشيخ ان النهضة ليست في عجلة أمرها، واذا أراد التونسيون تصحيح المسار الحالي واستبدال الحكومة الحالية بحكومة انقاذ (اي حكومة فوضى في نظر الشيخ) عليهم سحب الثقة منها في البرلمان! أو انتظار الانتخابات القادمة بعد اجراء حوارات ونقاشات مطولة في شأنها بين الاطراف السياسية! وصفوة القول حزب حركة النهضة مستعد باسم الشرعية الانتخابية ان يمارس الحكم حتى على جماجم التونسيات والتونسيين... غير ان ما فات الشيخ هو ان الكلمة العليا في المسارات الثورية تبقى للشرعية الثورية التي يعتبرها الآن فوضى!، وليس للشرعية الانتخابية التي استحالت عند حزبه استبدادا جديدا واستئثارا وانكارا للآخر وعرقلة المسار وانحرافا عن أهدافه الاصلية. وهل من الحكمة اليوم ان نبقى مكتوفي الايدي ونحن نرى وطننا يساق الى الهاوية باسم الديمقراطية! فهتلر ذاته وصل الى الحكم عبر انتخابات يقال انها ديمقراطية! وعليه فانه لا مخرج اليوم لتونس من أزمتها ما لم يقع تصحيح المسار الثوري وتخليصه من الشوائب التي علقت به، وما لم يقع تعميق اهدافه وايجاد الاليات لتحصينها. اما موضوع الديمقراطية فموضوع مؤجل حتى يقع انضاج شروطه والتوافق على محتواه. وقديما قال الشاعر العربي: ومن الجهالة عذل من لا يرعوي عن غيّه وخطاب من لا يفهك. (1) و (2) من كلمة الشيخ راشد الغنوشي المنشورة بجريدة الشروق عدد 8087 في 16 أوت 2013 الصفحة الرابعة: تحت عنوان : «بن جعفر أعقل من أن يعتبر المجلس دكانا خاصا».