◄ الخطاب المزدوج والتلاعب سبب أزمة الثقة أجمع عدد كبير من أهل الثقافة والفكر والفنون على أن الشأن الثقافي ليس بمعزل عن المشغل السياسي والاجتماعي في تونس اليوم بل أن اهتمام هذه الشريحة من المواطنين موجه إلى مجريات الأحداث في بلادنا في هذه المرحلة ومتابعة آخر التطورات والقرارات فيما يتعلق بحراك تصحيح المسار وبناء الدولة الحديثة. كما أن أغلب الأعمال والأنشطة تعد انعكاسا جليا لمشغل هذا الواقع وطرحا استشرافيا، يتضمن من النقد والرفض والحلول ما يرتقي بهذا الميدان بكل قطاعاته والناشطين فيه ليكونوا طرفا في هذا البناء وجزءا من الحل. وهو تقريبا ما تجلى في الحضور الذي ميّز اعتصام "الرحيل" أو مبادرات بعض الحركات والأنشطة الثقافية الثورية. لذلك كان تفاعل بعض الناشطين في هذه القطاعات سريعا، مع المبادرات المطروحة من عديد الجهات في تونس اليوم للخروج من الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها تونس لتجمع المواقف والقراءات على ضرورة القطع مع السياسة الراهنة والبحث عن الحل للخروج من المأزق. دور طلائعي في قراءته للمرحلة ومستجدات الوضع والمشاورات الجارية بين عديد الجهات والفرقاء السياسيين، حمّل المسرحي عزالدين قنون مسؤولية تردي الوضع في تونس اليوم إلى فشل الحكومة وعجز الهياكل الشرعية وأولها المجلس الوطني التأسيسي على ضمان تسيير المرحلة الانتقالية وفق أهداف الثورة واستحقاقات المرحلة بعد أن تحولت الأهداف من وطنية شاملة جامعة إلى مشروع فئوي مبني على الاقصاء ومواصلة نفس سياسة التهميش. في المقابل انتقد من اختار الحياد والانسحاب من الحراك الدائر في تونس خلال السنتين الأخيرتين من الفنانين والمثقفين ووصف هذا الهروب ب"الاستقالة" غير المبررة. وقال في ذات الإطار:" مواطنتي تفرض عليّ أن أنشط وأكون طرفا في الحراك والمشهد السياسي. وأن أقوم بدور طلائعي في هذه المرحلة. لأني كمسرحي لي إطلالاتي السياسية ومواقفي الصريحة وقراءاتي البناءة". لذلك اعتبر، ما يقوم به من أنشطة ومبادرات من قبيل "مسرح المواطنة" في فضاء الحمراء أو من خلال نشاطه في المجتمع المدني أو في ائتلاف الثقافة ضد العنف، يعد مساهمة عملية فعالة في هذه المرحلة. واعتبر عزالدين قنون حضور بعض أهل الثقافة والفنون في المخاض الدائر في باردو بمثابة تعبيرة اجتماعية تختزل ما يجري في كامل جهات الجمهورية من غيلان ومواقف وتخوفات ورفض. وأضاف قائلا:" ما يجري في ساحة باردو يمكن تطويعه فنيا وتقديمه في شكل فني يؤرخ للمرحلة والأزمة ويدفع للاتعاظ منها. فالمعذرة إن اختزلت ما تقوم به جبهة الإنقاذ في باردو في مثل قديم يقول "قطاطس باردو الشر والخلاعة" لأن هؤلاء ورغم الضغوط الكبيرة التي يعيشونها فهم متمسكون بإصلاح حال هذا الوطن الجميل وحلحلة وضعه". من جهته قال المسرحي صالح حمودة:" لا أستطيع أن أكون فنانا بعيدا عن المرحلة وعن راهن المشغل اليومي في تونس خاصة من موقعي كفنان مسيّس وغير متحزب. وهو تقريبا ما أقوم به في "مسار" أو في الحركة الثورية الثقافية منذ نشأتها. وهي أن نكون كفنانين متابعين للفعل السياسي ومشاركين فيه بطريقتنا". وعبر عن تمسك المجموعة بمطالبها وتجندها للدفاع عن اهداف الثورة وتصحيح مسار الثورة خاصة بعد أن تبين العجز الكلي للحكومة الحالية التي لم يكن لها أيّ مشروع وإنما تبين أنها تريد أن تزرع نمطا دون سواه حسب تأكيده. حراك ثوري واعتبر صالح حمودة ما قامت به الحركة الثورية الثقافية مؤخرا من حراك وأنشطة يترجم مدى وعي شريحة هامة من أهل الثقافة والفنون بأهمية اللحظة والفعل الثقافي، خاصة بعد أن طالت مدة المفاوضات بين جبهة الإنقاذ والحكومة من ناحية أو مع مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل من ناحية أخرى. وفسر مبادرة هذه الحركة الثورية بما قامت به من دور تثقيفي وتوعوي للمشاركين في الاعتصامات والاحتجاجات في الساحات في عديد المواقع بالجمهورية برفع اللافتات وتوجيه المطالب والحراك الاحتجاجي. لكنه اعتبر ما واجهته هذه الحركة من صعوبات ومحاولات للقمع والترهيب كانت بمثابة حوافز للمجموعة لمواصلة الدفاع عن أهداف الثورة ومطالب تونس الجديدة دون الاقتصار في ذلك على ما هو ثقافي بل تعدته إلى ما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي. كما استحسن الزغباني خروج بعض المثقفين والفنانين وانضمامهم إلى الحراك في الشارع بعد أكثر من سنتين من التخفّي واعتبر في ذلك بادرة صحية لهذه الفئة من المواطنين. ويرى صاحب فضاء "الأرتيستو" أن في التحام الفنانين بالشارع ومن ثمة بمشاغل وقضايا المواطنين دفع لهذه الشريحة لتتبنى جزء من هموم المواطن في أعمالها لتشكل قوة ضغط وتوجيه نحو مطالب واستحقاقات المرحلة. لأنه يرى أن الأزمة في تونس اليوم تضع كل المواطنين سواسية أمام محك الخروج من الأزمة. واعتبر الزغباني أن العائلة الثقافية الموسعة باختلاف مشاربها واهتماماتها تتحد تقريبا حول نفس الهدف وهو تصحيح مسار الثورة وتغليب مصلحة الوطن والتونسيين جميعا على المصالح الحزبية والفئوية الضيقة. الضربة القاسمة في المقابل شدد عزالدين قنون على ضرورة موقف الحكومة وحزب حركة النهضة تحديدا من مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل. وأرجع ما وصلت إليه من أزمات على جميع الأصعدة والمجالات إلى استفحال أزمة الثقة بين الفرقاء السياسيين وجزء هام من الشعب التونسي وخاصة تجاه من هم في السلطة من حزب حركة النهضة وتوابعها. ودعا إلى قراءة أي قرار يصدر عن الحزب الحاكم بحذر ويقظة تامة لأنه يرى أن هناك تلاعب بالألفاظ وازدواجية في الخطاب وتضارب في المواقف. واعتبر في قبول رئيس حزب حركة النهضة مسكنا لآلام التونسيين وربحا للوقت طالما أنه ليس هناك جدية في التعاطي مع الأزمة والمبادرات التي تبحث عن حلول عملية للخروج منها. واعتبر في قبول القوى الديمقراطية مبدإ النقاش في هذه المسألة هزيمة أولى. لذلك وصف هذا القبول قائلا:" لا أرى فيه إلا النصف الفارغ في الكأس". وهو تقريبا نفس ما يذهب إليه صالح حمودة في رؤيته للمسألة.