ما فتئت مهام المتفقدين تتدعّم وتتراكم على امتداد العقدين الاخيرين ولقد اضطلعوا بها على افضل وجه طيلة اصلاحين تربويين على الاقل فصاغوا البرامج وفق متطلبات كل مرحلة وألّفوا الكتب المدرسية التي جسّمت الاختيارات التربوية والبيداغوجية الجديدة وجنّدوا أنفسهم لمتابعة تطبيق الاختيارات من خلال حلقات تكوين شملت جميع معاهد الجمهورية ومدارسها الاعدادية ومن خلال زيارات تفقد وارشاد طالت شمال البلاد وجنوبها كما طالت شرقها وغربها وتابعوا الامتحانات الوطنية في مختلف مراحلها واستجابوا للطلب بروح عطاء ومسؤولية في المدارس الصيفية التي نظمت لتكوين الاف الناجحين في مناظرة الكفاءة لأستاذية التعليم الثانوي ولم يترددوا في الاشراف على الامتحانات الطارئة في مناظرة الكفاءة فلم تتوقف عندهم السنة الدراسية مع العطلة الصيفية وأقبلوا بكل تحمس على التجديد البيداغوجي فشاركوا في المسابقات الوطنية للابتكارات البيداغوجية مدعمين سياسة الدولة في هذا الاتجاه ونالوا من الجوائز ما يؤكد تحرك هذا الاطار على اكثر من صعيد واستعداده الدائم ليكون في مقدمة المعنيين بالرفع من الشأن التربوي في البلاد. ومن المفارقات أنه في الوقت الذي لم يدخر فيه اطار التفقد البيداغوجي بالتعليم الثانوي جهدا لتغطية حاجيات وزارة التربية والتكوين والمجموعة الوطنية، تتراكم مشاكل القطاع وتتفاقم دون ان يجد آذانا صاغية لمعالجة أوضاعه المهنية والاجتماعية والاقتصادية. فهو القطاع الوحيد الذي وضع على ذمة وزارة التربية والتكوين سياراته الخاصة وأموال عائلاته كي ينجز المهام المتعددة التي تقرها وزارة الاشراف وينتظر منحة تنقل تآكلت امام الارتفاع المهول في المحروقات وقطاع الغيار والتأمين ومعلوم الجولان والصيانة. فمنحة التنقل والمصاريف اليومية مجمدتان منذ 1998 ولا يستعيد المتفقد مصاريفه الا بعد مرور اشهر واحيانا سنوات، والامر الرئاسي الخاص بمكافآت التكوين والتأطير مازال حبرا على ورق. وفي الوقت الذي تنكب فيه العائلات التونسية سنويا على تأطير أبنائها واعدادهم للامتحانات والمناظرات الوطنية يكون المتفقد بعيدا عن عائلته وأبنائه دون ان تفكر وزارة الاشراف في اسناد مكافأة حرمان تعوض هذه التضحيات الجسام التي تطال في مخاطرها مستقبل ابناء الاطار. وفي الوقت الذي يقطع فيه المتفقدون الاف الاميال لتأمين حسن سير الامتحانات تصورا وتنفيذا وإصلاحا ولمتابعة تطبيق البرامج الرسمية وتجويد المردود التربوي ويجابهون مخاطر الطريق لا يبدو ان الوزارة مستعدة للاعتراف بهذه المخاطر الخصوصية. وفي الوقت الذي يتحمل فيه المتفقدون ما يترتب عن القرارات الصعبة التي يتخذونها في الترسيم او الاعفاء او تجديد الانتداب او تقويم الأداء من ضغط نفسي وإرهاق مضاعف لا يبدو ان وزارة الاشراف مقدّرة للمسؤولية الجسيمة الملقاة على كاهل المتفقدين. لهذه الاسباب لم يجد اطار التفقد بدا من التنظم النقابي فعقد مؤتمره التأسيسي الذي انبثقت عنه نقابة عامة لمتفقدي التعليم الثانوي وأثار هذا الانخراط ضمن الاتحاد العام التونسي للشغل حفيظة بعض الاطراف واستغرابهم والحال انه كان ينبغي ان يكون فرصة للبحث الصادق في دواعي هذا الاختيار الذي لا يمكن ان يعد إثما أو انحرافا لكونه مؤشرا دالا على ما آل اليه وضع متفقدي التعليم الثانوي. وتذكر هذه الاطراف بأن المتفقدين الساهرين على صيانة دولة القانون والمؤسسات وحقوق الانسان في مؤسساتنا التربوية فضلا عما هم مؤتمنون عليه في المستويين العلمي والبيداغوجي يعتبرون الانخراط في الاتحاد العام التونسي للشغل كمنظمة شرعية وقانونية ذات تاريخ وطني مجيد شرف لهم لا يحتاج لتبرير وإن كانت له اسبابه الموضوعية. وان كان ثمة طرف يمكن ان يسأل في شأن هذا الانخراط فهو بالتأكيد ليس المتفقد وإنما وزارة الاشراف. لقد كررت النقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي منذ مؤتمرها التأسيسي الطلبات لمقابلة السيد وزير التربية والتكوين والسادة مديري الادارات المركزية بغرض التعارف وعقد جلسات عمل لكن دون جدوى، ومن حقها الان ان تعتبر هذا التجاهل موقفا سلبيا مما ورد في لائحتها المهنية المنبثقة عن مؤتمرها التأسيسي. وأصبح من واجبها ان تتصرف وفق هذا المعطى. ومع ذلك نظمت النقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي ملتقى دراسيا يومي 14 و 15 أوت 2006 بالاتحاد الجهوي للشغل بالمهدية على أمل ان يفتح باب التحاور وكررت طلبها للقاء السيد وزير التربية والتكوين يوم 9 سبتمبر 2006. وامام استمرار هذا التجاهل لم تر بدا من الاستعداد لعقد هيئة ادارية فنظمت للغرض اجتماعات إقليمية بالمتفقدين يوم 17 سبتمبر 2006. عبّر خلاله المتفقدون عن نفاذ صبرهم وعن تراكم مشكالهم المهنية والاجتماعية والاقتصادية داعين النقابة العامة لاتخاذ ما تراه صالحا خلال الهيئة الادارية المزمع عقدها في موفى شهر اكتوبر للدفاع عن كرامة اطار يعتبر نفسه ممثلا للسيد وزير التربية والتكوين. وإن النقابة العامة التي قررت منذ مؤتمرها التأسيسي ان تكون نقابة مشاركة ايجابية ونقابة حوار مسؤول يعكس ما يتعين ان يتمتع به هذا الاطار داخل وزارة التربية والتكوين من مكانة تعلم وزارة الاشراف وجميع الاطراف بأن متفقدي التعليم الثانوي مهددون بحالة عجز عن مواصلة الاضطلاع بمختلف مهامهم وتؤكد انها لم تفقد بعد الامل في ان تتصالح وزارة الاشراف مع هذا الهيكل النقابي وتفتح معه قنوات التواصل لمعالجة الملفات المهنية التي وردت في اللائحة المهنية دفاعا عن كرامة الاطار وتأمينا لما فيه خير التربية في بلادنا.