يكثر الحديث عن الحق النقابي ويتواتر ذكره في أوساط المناضلين النقابيين ذكرا مشوبا بالحماسة حينا وبالحسرة أحيانا اخرى. فما حقيقة هذا الحق النقابي؟ وهل يجوز اعتباره، على عكس ظاهر اللفظ، مكسبا وجب تكريسه تشريعا وممارسة؟ ينص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في البند الاول من المادة 20 على الآتي: «لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية» كما ينص كذلك في البند الرابع من المادة 23 على الاتي: «لكل شخص الحق في ان ينشئ وينضم الى نقابات حماية لمصلحته». وتعتبر حرية الانضمام الى نقابات تدافع عن مصالح المنخرطين فيها، كما ورد في المادة 23 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وما يترتب عنها في ممارسة هذا الحق، جوهر الحق النقابي. وقد قصد المشرّع، وهو يعلن مضامين حقوق الانسان، ان تكون هذه المضامين وفق مبادئ اهمها مبدأ العالمية، بحيث لا يتعارض تطبيقها مع اختلاف الثقافات والأنماط الاجتماعية المختلفة أصلا والتي، وهي كذلك، تضيف الى جوهر الحق ولا تنقص منه تحت اية تعلة او تبرير. ان الدولة التونسية، وهي عضو في منظمة الاممالمتحدة، ملزمة بسن تشريعات تراعي مبادئ ومضامين حقوق الانسان. واذا كان الالزام في الاعلان العالمي لحقوق الانسان لا يتعدى ان يكون الزاما أدبيا فحري بها، اي الدولة التونسية، ان تلتزم بما ورد في العهدين الدوليين ونقصد بهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهما العهدان الدوليان اللذان وافقت عليهما الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاجماع في 16 ديسمبر 1966 وصارا نافذين اعتبارا من 3 جانفي 1976. وقد جاء في ديباجة العهدين الدوليين ما يلي: «ان الدول الاطراف في العهد الحالي، إقرارا منها بأن مثال الكائنات الانسانية الحرة المتمتعة بالحرية المدنية والسياسية، والمتحررة من الخوف والحاجة، انما يتحقق فقط اذا قامت أوضاع يمكن معها لكل فرد ان يتمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية». ويبقى هذان العهدان ملزمين لكافة الدول الموقعة عليهما ومن بينها الدولة التونسية. ورد بالفصل 8 من دستور الجمهورية التونسية في اخر تنقيح له ما يلي: «حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر والاجتماع وتأسيس الجمعيات مضمونة وتمارس حسبما يضبطه القانون. والحق النقابي مضمون» ونحن لا نعتقد ان المشرع لهذا النص الدستوري بغافل عن معاني المفردة «مضمون» من ضَمَنَ يضْمَنُ ضمانا الشيء اي كفله او التزم ان يؤدي عنه ما قد يقصر في أدائه، وهو يبرر القول ان الحق النقابي مكفول نظريا من خلال تشريعات وقوانين تترجمه الى ممارسة لا تتعارض مع روح الدستور في علويته وإلزامه. من هنا ومما سبق يمكن الاستنتاج بأن الحق النقابي مضمون من خلال المواثيق والعهود الدولية ودستور الجمهورية التونسية ضمانا لا يرقى اليه ريب ولا يفسر تفسيرا قد يجعله محل شك او نقاش. وهو بهذا مكسب ناضلت من اجله اجيال متعاقبة لا يحق لأحد، احتراما لتضحياتها، المساس به او اعادة ترجمة مضمونه بما يتعارض والغاية التي كسب من اجلها. غير ان المتابع لنضالات الشغالين في بلادنا يلاحط ورود هذا الحق، ونقصد به الحق النقابي، في لوائح المؤتمرات، من المؤتمر العام للاتحاد العام التونسي للشغل الى المؤتمرات العامة القطاعية والهيئات الادارية الوطنية والقطاعية، على شكل مطلب يسعى الاتحاد العام التونسي للشغل وعديد القطاعات العامة والخاصة فيه الى رفعه بل وايلائه الاولوية في مطالبها. فكيف يمكننا فهم ذلك اذن؟ وكيف يمكن تفسير ما يبدو انه تناقض؟ من المعروف ان العديد من البلدان عموما والعربية خصوصا، وهي تتعامل مع حقوق الانسان في شموليتها او في خصوصيتها، تسعى وبكل مالها من جهد الى تأويلها، اي هذه الحقوق، بما يتناسب واستعدادها الى تمكين مواطنيها منها او حرمانها اياها بحجة الخصوصية الحضارية او الثقافية او الاجتماعية. فهي تتمتع بإصدار تشريعات وقوانين تضمن هذه الحقوق، وهي، وان اصدرتها، تأولها على هواها، لا بل تجتهد في اتهام المطالبين بهذه الحقوق بالقصور في فهمها حينا، وبالتطرف والمغالاة في تصوير غياب هذه الحقوق بما يهدد مصلحة البلدان ويفتح الباب على مصراعيه لأعدائها الخارجيين، حينا اخر. وهي بهذا تبرر استبدادا مارسته وتمارسه بشكل منهجي غايته غير الخافية انها ليست مستعدة للالتزام بتعهداتها الدولية والوطنية. ولعل من أوضح الامثلة على ذلك ما نشهده من امتناع بعض هذه الدول، عن الامضاء على بعض الاتفاقيات الدولية والاقليمية التي تضمن بعض هذه الحقوق ومنها النقابية أو كتكوين لجان لدراسة بعض هذه الحقوق بغاية اصدار قوانين، لكن هذه اللجان، ولغاية ما، لا تنهي اعمالها بالرغم من السنوات العديدة التي تستغرقها في ذلك، مثل الجنة التي تشكلت منذ سنوات بين الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل لدراسة ما يتعلق بالحق النقابي واصدار قوانين تحقق هذا الحق وتنظمه. وبالرجوع الى المادة الخامسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ونفس المادة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللتين تنصان صراحة على الآتي: «ليس في هذا العهد اي حكم يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على حق لأي دولة او جماعة او شخص بمباشرة اي نشاط او القيام بأي عمل يهدف الى أهدار اي من الحقوق والحريات المعترف بها في هذا العهد او الى فرض قيود عليها اوسع من تلك المنصوص عليها فيه» فإننا نستطيع التأكيد بدون مواربة ان الحق النقابي، كأي حق وخاصة تلك التي ورد ذكرها بشكل صريح، هو في الاصل مكسب انساني ناضلت من أجله اجيال حتى اصبح كذلك. لكن هذا الحق المكسب يبقى في حاجة الى التذكير به والى النضال دون هوادة من اجل ان يتطور الى ممارسة فعلية تقطع الطريق امام كل تفسير او تأويل من شأنه ان يعطله او يلغيه في زمن بلغ فيه التراجع في الحقوق وفي هشاشة العلاقات الشغلية حدا يعيد الى الاذهان ما كان سائدا قبل سنين ان لم نقل قبل قرون. وبالرغم مما تبدو عليه هذه الدول من عدم الاستعداد للاعتراف بالحق النقابي خصوصا وبباقي الحقوق عموما تشريعا وممارسة، فهي لا تجرؤ على نفي هذه الحقوق مما يزيد المطالبين بها عزما على مواصلة نضالاتهم من اجل ذلك. ابراهيم الخصخوصي عضو النقابة الاساسية