هو رمزمن رموز الجنوب سُمرة على جبين يتقطب بأسرع ما تنفرج الأسارير .. جنوبي باسق كنخلة يتدلى رطبها ويساقط ليغير مذاق الملح والبيدالى عسلي خارج من بطون ساكنات عرباطة من النحل ... كجمل بل كقافلة بل كحادي عيس يكفر بالعطش ويذبح الكثبان وينحر الأفاعي ذات السموم ... قفصي بل جريدي يبكي فيضحكك ، يضحك فيبكيك مسكون، بأشياء لا يعرف كنهها كجبل منطو في أحشائه نفيس المعادن وعلى سفوحه وقممه نتوءات وصخر ... إنه مسرحية بحالها بل مدرسة قال عنها المرحوم عبد اللطيف الحمروني ذات يوم في دار الثقافة ابن رشيق إنها المدرسة المقدادية نسبة الى عبد القادر مقداد ضيفنا الذي استقبلنا بمركز الفنون الدرامية بقفصة بعد أن ساعدنا في مهمات أخرى على متن سيارته 504 العجوز الزرقاء الجميلة ... والتي منها بل من داخلها انطلق حوارنا ليتواصل في مكتبه الصغير . * هذاالكرم لن نزيد به معرفة لكن قراءنا يريدون تفاصيل أكثر عن بطل هذه الديباجية ومسيرته على درب الفن الرابع... البداية كانت في سبعينات القرن الماضي أي منذ أكثر أو ما يناهز الأربعين سنة .. أيامها كنت منشطا بما كان يسمى «دار الشعب» وكانت الفرصة مواتية لبعث خلية بل لنقل فرقة مسرحية صغيرة عددا وعُدّة تحولت بعدها وتحديدا سنة 76 الى فرقة جهوية مسرحية تارة وهو وضعها القانوني الذي لم يمنع تغيير اسمها في مرحلة أولى الى فرقة مسرح الجنوب بقفصة ليصبح فيما بعد مركز الفنون الدرامية والركحية بعد أن اندثرت عديد الفرق الأخرى في باقي جهات الجمهورية ... وطوال هذه الفترة حاولنا أن نضيف الى الساحة الثقافية والى الفن الرابع البعض مما قد يكون نفع الناس وينفعهم في حمة الجريدي الى أحبك يا شعب وما بينهما من جواب مسوقر والجراد وكلاب فوق السطوح وبشير بن سديرة، والعريس، ووادي الربيع وفيران الداموس وغيرها من الأعمال التي بذلنا فيها من العرق والجهد والكثير وحصدنا منها النجاح وحب الناس ولمسات وفاء الى رابع الفنون الذي بدأت تتخنه الجراح... * آه ... بقولك هذا تكون فتحت اللعب بلغة الكرة وبالتالي دعني أصارحك بأن الفن الرابع يراه البعض محتضرا وليس جريحا ... بفعل ألوان مان شو وما شابه؟ أنا فاهم جيدا ما تقصد وقد تكون ببراءة المتلقي ولكن دعني أنت أيضا أصارحك بقناعاتي وأولها أن الإفلاس الجماهيري ليس معناه بالضرورة الإفلاس الإبداعي لأن كل ما هو نخبوي وأكاديمي لا يستهوى الناس.. فالوان مان شو مثلا هو فن مسرحي قائم الذات وليس بدعة. فيه تقنيات اخراج واضاءة وأزياء ومكياج وموسيقى الخ... ولنا في «يوميات مجنون» لقوقول أكبر مرجع ... ولنكن واقعيين فان ما يحدث اليوم فيه الكثير من الاستخفاف والنهم المادي الذي شلّك هذا النمط المسرحي وأهلكه .. ولأنك يريء كطفل سأكون جريئا كناقد لأقول أن المسرح بصفة عامة هو شكل احتفالي ولا يمكن حسب رأيي أن يكون كذلك في حضور ممثل واحد وبعض الانفار من عائلة ذاك الممثل كمتفرجين .. إذن أين الاحتفال هنا ... حسب رأيي فإن عرسا بلا حضور هو عرس ميزرْ ولكن «آش نعملوا» ما دام كل واحد سيدعي الانفراد بليلى. * هذا موقف من احدى المدارس فهلاّ عرفتنا بمدرستك ؟ هي دون شك المدرسة المقدادية وهي الصفة التي أفخر بها جدّا والتي أطلقها عليّ المرحوم عبد اللطيف الحمروني ذات يوم في تعليقه على مسرحية «صاحب الكلام» بدار الثقافة ابن رشيق حيث قال انها المدرسة المقدادية ... وحتى أكون أكثر جدية في الاجابة أقول إني أخذت من كل شيء بطرف بعد جولة في المذاهب والاتجاهات المسرحية في الكتابة والاخراج من المسرح اليوناني والاغريقي ..الكلاسيكي والابداعي .. الى مسرح الطليعة. *إذن أنت تنفي صفة الكوميدي مثلا. لا أنفي هذه الصفة بل اتبناها في بعض المواقف * هل ترى أن الكوميديا تخفي الاهداف الاساسية من العمل؟ صحيح هي كذلك بل كذلك نريدها لأنك إذا قدمت هذا العمل بذاك الجفاف تصبح المسرحية مشاكسة وقد تجلت الويلات والمشاكل ولكن عندما تطرح المشاكل والمواقف والرأي الآخر بطريقة مرحة تمرّ.. وكفنان ترضيني النتيجة مهما كانت .. فإن أدلج المتلقي الفكرة ورفعها في بعد فكري ورمزي معني فهذا جميل وإن اكتفى بالوجه الظاهر والضحكة ف «فيه البركة». * ألا تشاطرني الرأي بأن المسؤولية الإدارية المنوطة بعهدتك حاليا حجمت عطاءك الابداعي ... وجعلت البعض من رفاق العمر ينفضون من حولك؟ «أبي وشنه هالكلام» (يضحك) فما أعلمه أنه لم ينفضّ عني إلا من ماتوا (محمد الطاهر السوفي) أما البقية فنحن كما انطلقنا منذ زمن بعيد (المنصف البلدي، لطيفة، مالك، حمزة، والعبدلله) إذن منهو هلّي انفضّ!! اما عن المسؤولية الإدارية فلا دخل لها على الاطلاق في حقلي الفني ولا أذكر أحدا تدخل في أعمالي سواء وزارتي أو باقي السلط عدا ما حدث لنا في الثمانينات مع مسرحية العريش التي «اعتقلت» وأفرج عنها وعرضت في العهد الجديد ... وبصفة عادية «نا وشنيه المسؤولية اللّي عندي «فلاني مدير المناجم ولا مدير تونس الجوية» نخاف على البلاصة فأنا مدير على 4 موظفين وقاعد بين أربعة حيوط». * هذه الاستقلالية عن «السلطات» لا تخفي الودّ مع المنظمات أليس كذلك؟ هذا صحيح ولكن أقولها وبلا مجاملات فارغة فان الاتحاد العام التونسي للشغل هو الهيكل الأهم الذي تربطني به «وشائج قربى» جد متينة ... ولعلي أكون جاحدا إذا مررت في حديثي عن الاتحاد مرّ الكرام كمنظمة وكرجال وإن نسيت فلا يمكن أن أنسى دعم الاخوة منذ مؤتمر قفصة وما قبله وأذكرفي هذا السياق تعاون الاخوة في المركزية النقابية وحماسهم ودعمهم لي.. وكيف «أخذوا بالخاطر» لعقد ذاك المؤتمر الكبير في ضيافتي بدار الثقافة بن منظورأيام المرحوم المناضل الحبيب عاشور .. ومن يومها أصبح الاتحاد رقما مهما رغم تغير الوجوه لأن المنظمة باقية وأمّ لن تعقر .. وبالمناسبة أخص بالتحية الأخوين العزيزين عبد السلام جراد وعبيد البريكي وكذا طاقم جريدة الشعب الذين أذكر لهم حفاوة استقبالي وتكريمي (التحرير، والمطبعة) بعد نجاح مسرحية «أحبك با شعب» والعرض الخيالي في الحمامات.. * مادمت دخلت في «السياسة» بعد «المسرح» كيف تتراءى لك الحالة العامة للامة؟ لا حال أبشع وأفظع من حال العراق .. والأبشع والأفظع من ذلك هو ذاك السؤال المقيت وهو كيف تعدم حكومة بأكملها و»الناس تتفرج» أضف الى ذلك تشرد العراقيين بعدما كان العراق للمشردين ملاذا... والله شيء يحبس الأنفاس عندما ترى المتاحف تدمّر والثروات تنهب والأعراض تنتهك ... والكل يتفرج ... والكل ساكت! * هل من توظيف إبداعي لهذه الدراما؟ قد يكون ذلك .. وقريبا جدا. *وقبل ذلك ماذا هناك ...؟ من أجل تعبك من العاصمة الى قفصة أخبرك بما لم أصرح به اطلاقا وهو «هوية» العمل الذي نحن بصدد انجازه وهو عمل خاص بأيام قرطاج المسرحية بعنوان «عبد الجبار حل الكتاب» وحتى لا تسألني أكثر أقول سنحلّ الكتاب على الشعب التونسي (العمل ضخم وخطير وسنفصح عن محتواه في أعدادنا القادمة نزولا عند رغبة صاحبه). * في هذا العمل قد تتحدث عن الكرة ماذا ستقول؟ بعيدا عن هذا العمل أقول لك أني أديت صلاة الجنازة على هذه اللعبة واستخرجت لها شهادة وفاة عندما شاهدت ذات يوم لاعب النادي الصفاقسي اسكندر السويح يسجل ضد ناديه الأصلي في ملعب المنزه ويقبل قميص الترجي ... يومها ماتت الكرة ولبّت داعي فسادها..!! * وماذا عن الموسيقى ؟ لا أسمع إلا القطع الصامتة أو الروائع عبد الوهاب وسيد درويش أما موسيقى هذا الزمن فلا تعني لي شيئا بل ليست موسيقى أصلا كجهنم لا يصلاها إلا الأشقى، وكذلك بعض المرضى عافانا وعافاكم الله (يقصد جماعة البدون هدوم ومستعرضات الحضور والنهود والأولاد ذوي الشعر المزيت والحواجب المحددة). * شخصيات أسرتك؟ بلا منازع صدام حسين وبلا نفاق فخامة الرئيس زين العابدين بن علي