التحرش أو التحكك سلوك سيء حسب كل المفاهيم وبنظر كل المجتمعات بما في ذلك المجتمعات المتحررة، و التحرش يكون على أشكال مختلفة ، فهناك تحرش الرجال بالنساء وتحرش النساء بالرجال والتحرش المثلي الشاذ، وليس للمتحرش عمر معين فقد يكون مراهقا وقد يكون يافعا أو شابا وحتى عجوزا. والتحرش قد يكون بكلمات غزل عابرة، وقد يكون بكلمات سمجة وجارحة للحياء وقد يتم أثناء التحرش تلامس أو مضايقات مادية وقد يساعد الطرف الثاني على التحرش به عندما يبتعد عن السلوك العادي ويدخل في مرحلة الاغراء. ويرى علم النفس أن السبب في وجود مثل هذا السلوك هو وجود قضايا دفينة تتعلق بطفولة مرتكب التحرش الذي عادة ما يكون شخصا سلبيا ومنعزلا ... فالنشأة الاجتماعية والمفاهيم الخاطئة التي يكونها مرتكب التحرش على الجنس الآخر إضافة الى القصور الشخصي والرغبة في التفاخر بين الاقران وعدم الاستقرار العائلي، هي من أهم اسباب لجوء بعض الافراد الى ممارسة التحرش الجنسي، وقد توسع مفهوم التحرش ليتجاوز حدود التحكك بمعناه المادي ليصل في التعريف الذي أورده تنقيح المجلة الجنائية في تونس الى أنه «يعتبر تحرشا كل امعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه، وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات». فكيف نظم القانون التونسي في تنقيحه للمجلة الجنائية عملية تجريم ممسارسة التحرش الجنسي . القانون سنة 2004 تدعمت المجلة الجنائية في تونس بقانون جديد هو القانون عدد 73 المؤرخ في 2 أوت 2004 المتعلق بتنقيح وإتمام المجلة الجنائية بخصوص زجر الاعتداءات على الاخلاق الحميدة وزجر التحرش الجنسي فقد أضيفت الفصول 226 مكررا و226 ثالثا و226 رابعا الى المجلة . فتم بمقتضى هذا التعديل على الفصول تجريم عقوبة التحرش الجنسي وإفرادها بالعقوبة في حالة الاثبات بعد أن كانت سابقا مربوطة بالاعتداء على الاخلاق الحميدة. ومن أجل مزيد التعريف بهذا القانون اتصلنا ببعض الحقوقيين لاستطلاع آرائهم حول القانون الجديد. حماية الشهود الأستاذة حياة الجزار المحامية لدى التعقيب اعتبرت سنّ مثل هذا القانون مكسبا ينضاف الى المنظومة القانونية في البلاد إذ صار بالامكان الاستناد إليه لنشر القضايا المتعلقة بالتحرش الجنسي أمام المحاكم. كما أنها رأت أن مجرد صدوره يؤدي دورا زجريا في حدّ ذاته، ولكن هذا القانون يعتبر في شكله الحالي ضبابيا وشديد العمومية وكأنه صيغ على عجل، فمثلا نحن نعرف أن جلّ حالات التحرش الجنسي تتم داخل مواقع العمل ولكن المشرّع لم يفرد هذه النقطة بالتوضيح، فالتحرش الجنسي في مواقع العمل يستعمل لإغراء الضحية بحوز بعض المكاسب أو هو سبيلٌ لتخويفها والضغط عليها بالتهديد بطردها في حالة عدم الرضوخ، فالقانون لم يتوفر على آليات لحماية الطرف الضعيف (الضحية المرأة غاليا) . فالمؤجر الذي يتحرش بالعاملة قد يكون بمأمن من شهادة الشهود مثلا كوسيلة إثبات قد تلجأ لها الضحية ، لأن الشهود في الغالب من زملاء العمل الذين يخشون سلطة المؤجر في طردهم وحرمانهم من العمل فالفصل 226 لم يتعرض للحماية القانونية للشهود، ثم إن النساء ضحايا التحرش غالبا ما يلتزمن الصمت ولا يلتجئن للقضاء لأنهن يخشين صعوبة الاثبات. فالتحرش ممارسة تتم في الخفاء وهي في الغالب غير منظورة، لذلك على القانون أن يتعرض للدليل أو القرينة الذي يجب أن يكون سهلا من نوع أن يشهد بعض زملاء العمل أن المؤجر يتعمد إبقاء ضحيته للعمل بعد خروج زملائها أو أنه يطلب حضورها المستمر لمكتبه دون دواعي مهنية لذلك... تخويف الضحايا وعلى هذا القانون أن يتشبه مثلا بقانون الشغل في تجاوز الآلية الكلاسيكية في الاثبات «البيّنة على من ادعى» لتكون بالعكس أي البيّنة / الاثبات على من أنكر.فالضحية تقول أن شخصا قد تحرش بها وعلى المتهم أن يثبت أنه لم يفعل. أما أخطر ما في نصّ هذا القانون فهو الروح الزجرية لضحايا التحرش واحتوائه على الصبغة التخويفية لمن تفكر في رفع الامر للقضاء، فالمشرع عندما يقول انه في «صورة صدور قرار بأن لاوجه للتتبع أو إذا صدر الحكم بعدم سماع الدعوى العمومية جاز للمشتكى به أن يطلب التعويض عن الضرر الحاصل له دون أن يمنع ذلك عند الاقتضاء من تتبع الشاكي من أجل الادعاء بالباطل». ففي هذه الفقرة تخويف لمن يفكر في رفع قضية تتبع حالة تحرش، خاصة إن الاثبات صعب . فمن صاغ هذا القانون بشكله الحالي هم رجال وقد تجلت في هذه الفقرة عقليتهم الذكورية التي لم تكن ترغب في اطلاق هذا القانون الى مداه من أجل ردع التحرش الجنسي وخاصة داخل مواقع العمل باعتبارها المجال الرئيسي لحدوث مثل هذه المحاولات. ولكن القانون يظل مكسبا نأمل أن يتحسن، فبفضله استطاعت احدى ضحايا التحرش الجنسي في احدى مدن الجنوب الكبرى مؤخرا أن تكسب دعواها على مؤجرها الذي اضطر الى التفاوض من أجل حلّ اسقاط الدعوى لأن تجريمه وفقا لهذا القانون قد بات وشيكا.فالقانون ينص على انه «يعاقب بالسجن مدّة عام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار مرتكب التحرش الجنسي»، ويضاعف العقاب إذ ارتكبت الجريمة ضدّ طفل أو غيره من الأشخاص المستهدفين بصفة خاصة بسبب قصور ذهني أو بدني يعوق تصديهم للجاني». الجمعيات طرف في التفاوض الاستاذة يسرى قراوس المحامية طلبنا رأيها باعتبارها احدى الناشطات في المجال الجمعياتي حول هذا القانون ، فقالت إن هذا القانون وإن شكل خطوة في طريق حماية المرأة من الاعتداءات اليومية التي تتعرض لها إلا أنه مازال في حاجة للدراسة من أجل أن يبلغ نضجا تتحقق من خلاله النتائج المرجوّة لحماية ضحايا التحرش: أولا القانون مازال يرزح تحت طائلة ربطه بالاخلاق الحميدة وإن انفصل عنها بعض الشيء، وهذا مكبّل لإطلاقيته. ثانيا : أن المشرع لم يوضح الفرق بين التحرش والغزل ومازال التعريف المطروح للتحرش الجنسي الوارد في هذا القانون يحتاج الى الشرح خصوصا أن الاشارة الى عدم توفر الرضائية لدى أحد الطرفين لا تعتبر كافية لحسم الجدل بين ما يعتبره أحد الطرفين غزلا وبين أن يعتبره الثاني تحرشا. ثالثا: إن على المشرع أن يخلق بعض الديناميكيةالاجرائية في التعاطي مع هذا القانون بتكوين بعض المؤسسات والجمعيات التي يمكنها نيابة ضحايا التحرش الجنسي، فمثلا يمكن أن يتم تكوين مرصد وطني لتلقي شكاوى ضحايا التحرش (رقم اخضر ) للخروج من حالة الصمت ثم يسمح المشرّع للجمعيات المهتمة بمثل هذه القضايا ان تكون طرفا في الدعوى في حالة نشرها أمام القضاء . رابعا: إن مراكز البوليس أين يتم تلقي شكاوى ضحايا التحرش الجنسي في مرحلتها الأولى مازال بعض أفرادها يقومون بزجر المرأة وتوبيخها لاقدامها على تقديم شكوى وتحميلها مسؤولية ما وقع لها بالاشارة الى لباسها أو شكلها، وقد يصل الامر الى حدّ إثنائها عن تقديم شكواها... آراء النساء كثير من النساء صرحن أنهن في الغالب وخاصة في مواقع العمل ما يكن ضحايا للتحرش الجنسي الذي قد يرتقي في بعض الاحيان الى دعوات صريحة من المؤجرين لإقامة علاقات معهن رغم عدم وجود مبرر لمثل هذه الدعوات سوى جنسهن، فبعض الرجال يتصورون أن كل امرأة هي خليلة افتراضية أو هي فكرة أو مشروع وقت جميل يقضيه المؤجر معها وتكفي فقط المحاولة لتقع الفريسة بين فكي الصيّاد، فالنساء غالبا ما يعانين من مثل هذه النظرة الدونية لوضعهن وهن يجتهدن في الحفاظ على علاقة سوية بمحيطهن من الرجال ، فواحدة تمتنع عن التجميل في مواقع العمل وأخرى قللت من ارتداء الملابس الأنثوية وثالثة تجنبت كل تواصل مع الزملاء الرجال لأن هناك من يفهم كل شكل من أشكال التعايش المهني على أنه مؤشر على سقوط المرأة. وعادة ما يجرب الرجال حجم تحصّن المرأة إذ هم لا ينطلقون قط من ضرورة اقامة علاقة معها وفق النديّة و الاحترام المتبادل ، فيعمد الواحد منهم الى القاء كلمة غزل عرضا لقياس حجم الممانعة وقد تتطاول هذه الكلمة الى كلمات وإشارات وأشياء أخرى في حالة عدم الزجر السريع والمباشر . فالمرأة بهذا المعنى مناضلة على جميع الجبهات : حماية نفسها من التحرش وإثبات جدارتها في العمل ، التوفيق بين شغلها وشغلها الثاني في البيت ... لذلك قالت بعض النساء أن صدور مثل هذا القانون للحماية من التحرش الجنسي هو في حدّ ذاته آلية ردعية حتى قبل رفع الدعاوى أمام القضاء الذي يحتاج الى شجاعة غالبا ما تغيب عن النساء حتى في حالة انزعاجهن الفعلي من بعض ممارسات الرجال، فالمرأة قد تخسر حياتها الاسرية وقد تحرج عائلتها وعائلة زوجها وأطفالها وقد تخسر دعواها في النهاية وتخسر اضافة الى ذلك شغلها ، لذلك تأمل النساء في تسهيل وسائل الاثبات على من ترفع دعوى التحرش الجنسي. ويبقى التحرش الجنسي سمة اجتماعية تعاني منها أغلب المجتمعات ويحتاج أمر الحدّ منها الى تضافر جهود أهل القانون مع أهل التربية وأهل علم الاجتماع وعلم النفس لتطويقها والحدّ منها.