كما أسلفنا في عددنا قبل الماضي (تأخر الجزء الثاني لغزارة المادة الاعلامية والاعلانية). فإنّ اصداء واسعة احدثتها بل احدثها موضوع الندوة التشريعية لولاية المنستير والذي تعلق بمسألة الغيابات لاسباب صحية والتي تحولت الى ظاهرة بالنظر لما احدثته وصنعته من ارقام مفزعة ومشاكل خطيرة اصبحت مثار جدل تردد صداه في صلب المؤسسات والمستشفيات وكذلك المحاكم!! ولتطويق الظاهرة سعت هذه الجهات الثلاث إلى تنظيم ندوة مهمة باحد فنادق المنستير دعي لها عشرات الضيوف من قضاة واطباء ومحامين ورؤساء مؤسسات وممثلون عن مكونات المجتمع المدني والفضاءات الجمعياتية علما وان التنظيم كان ثلاثيا بين تفقدية طب الشغل والاطار القضائي ومجمع طب الشغل. وللتذكير ولمن فاته الاطلاع على عددنا قبل الماضي نشير الى ان برنامج الندوة تضمن عديد المداخلات المهمة ومن بينها مداخلة الاستاذ توفيق الضاوي وكيل الجمهورية بالمنستير حول الاثار القانونية المترتبة عن التغيب لاسباب صحية وكذلك مداخلة الدكتورة إيمان قلالة الطبيبة المسشتارة بالصندوق الوطني للتأمين على المرض وكذلك مداخلة الاستاذ النوري مزيد عميد كلية الحقوق بصفاقس. ولئن اتينا في الجزء الاول على تفاصيل هذه الندوة ككل ومداخلاتها بشكل خاص فاننا آثرنا أن نفرد اليوم الاتحاد والقضاء اللذين تطابقا كليا في اليات معالجة المسألة وقد تجلى ذلك في موقفي الطرفين الذي لمسناه من خلال مداخلة المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بالمنستير ممثلا في الاخ بلقاسم بن احمد الذي لفت الانتباه بتلمّسه الذكي لمواطن الداء والخلل لظاهرة الغياب لأسباب صحية. الاخ بلقاسم تمنى لو وقع التطرق لاسباب المرض كتوجه وقائي والاحاطة بواقع العمل المنجز وظروفه التي كثيرا ما تكون سببا مباشرا في «هلاك» الخدام مضيفا ان المناخ الاجتماعي داخل المؤسسة قد يفرز ظاهرة التمارض الذي بدوره يفرز شهادات المجاملة... كذلك عزا ممثل الاتحاد استفحال الظاهرة الى توظيف التأهيل الصناعي والتأهيل الشامل والعولمة والمنافسة وغيرها توظيفا غير صحيح والاقتصار على هدف واحد مشبوه فيه وهو الربح في أسرع وقت وبأقل التكاليف ويضيف «ان الاتحاد يتساءل اكثر من اي وقت مضى عن دور معهد الصحة والسلامة المهنية ويناشد من له النظر السديد توفير الرقابة على المؤسسات التي كثيرا ما تضم بين جنباتها الامراض وعزرائيل». ومن بين ما اقترحته المنظمة الشغيلة وحاز على استساغة الجميع هو تكوين لجنة من الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية ومنظمة الاعراف والاتحاد العام التونسي للشغل لمتابعة ظاهرة تساقط العمال في ساحات العمل بفعل امراض يمكن تلافي الكثير منها لو احيط العامل بما يستحق من احتضان وختم الاخ بلقاسم تدخله بالاشارة الى نقطتين وهما ضرورة ان تكون تفقدية الشغل محاميا للعمال وليس العكس وكذلك ضرورة التخلص من الكليشيات والاحصائيات الهدامة على غرار الاداعات ان المؤسسة التي فيها تمثيل نقابي غيابات عمالها اكثر؟! مضيفا بل مشددا على نقطة مضيئة وهامة وهي ما يلاحظ من تعاطف القاضي مع العامل. رؤى قضائية لافت جدا تدخل الاستاذ عبد الحفيظ بوريقة رئيس المحكمة الابتدائية بالمنستير والذي لم يفلت اي «حيثية» من حيثيات موضوع القضية دون مجاملة طرف على حساب الاخر ودون السياقات البروتوكولية التي تضيع بين وعبر منعطفاتها الحقيقة. الاستاذ بوريقة دعا الى ضرورة تفهم ظروف العامل بوضعه في المكان المناسب لضمان جودة الاداء. ودعا الى ضرورة تفهم الظروف الخاصة من ذلك يحسن الترخيص في التغيب لقضاء الشؤون العائلية المتأكدة حتى لا يضطر الى شهادة مجاملة طبية... كما ألح السيد الرئيس على ضرورة الاحسان للعامل في سائر المناسبات الدينية والطارئة (زواج، وفاة، حادث....) كما أشار السيد بوريقة الى نقاط عديدة اخرى نوجزها في الآتي. ضرورة التنسيق بين المؤسسة المشغلة والصناديق الاجتماعية والتعاونيات والوداديات؟! ضرورة اسناد منحة تحفيزية للحدّ من الرخص التي يمكن تلافيها. تضييق الخناق على المتمارضين من خلال الفحص المضاد الجدّي توعية الاطباء ومراقبتهم للتصدي لظاهرة المحاباة. القطع مع دفتر الشهائد الطبية الممضى مسبقا والذي يسمح «بترويج» الشهادة في حضور الطبيب كما في غيابه. ضرورة المحافظة على مكاسب مهمة لم يصل غيرنا اليها على غرار ما تنصّ عليه مجلة الشغل بعد التنقيح من ان فقه القضاء صار مظلة يورف ظلها على العامل تماما كالمؤسسة.