احتضنت قاعة صالح القرمادي (أحد رواد الجامعة التونسية وأحد مناضليها) يوم 15 جوان من سنة 2007 جلسة علمية للنظر في ملف التأهيل الجامعي الذي تقدم به الأستاذ الدكتور المترشح عبد الطيف الحناشي للارتقاء لرتبة أستاذ محاضر، وهو يشغل حاليا خطة أستاذ مساعد بكلية الآداب بمنوبة حائز على الدكتوراه في التاريخ المعاصر. وقد سبق له أن نشر: ست مقالات حول التاريخ المعاصر وخاصة حول الصراع العربي الصهيوني. كتاب المراقبة والمعاقبة بالبلاد التونسية ا الإبعاد السياسي نموذجا ا1881 1955 (أطروحة الدكتوراه). كتاب تطور الخطاب السياسي في تونس إزاء القضية الفلسطينية 1920 1955 وقد تضمن الملف : أ ست مقالات ب التقرير البيداغوجي والتأطيري ج التقرير التأليفي ونظرت في هذا الملف لجنة تتركب من : الأساتذة المختصين، والمعروفين بإنتاجاتهم حول التاريخ المعاصر بمختلف تفرعاته: عبد الجليل التميمي رئيسا وعضوية كل من الأساتذة لطفي الشايبي ، الهادي التيمومي، الحبيب القزدغلي ومحمود فروه. ومن الجدير بالملاحظة، أن الحضور كان متميزا كميا ونوعيا، وتكمن خلفية هذا الحضور في تقديري لعاملين أساسيين : 1 حساسية الموضوع، فهو يتعلق بطبيعة الصراع العربي الصهيوني الذي له جذوره التاريخية في تونس منذ النصف الأول من القرن العشرين، ومازالت لهذا الصراع بعض الامتدادات في بعض المجالات الحيوية وبعض المؤسسات. 2 أن هذا الموضوع استقطب اهتمام العديد الكتاب في تونس، أستحضر منهم السيد الهادي التيمومي. النشاط الصهيوني في تونس والسيد علي المحجوبي جذور الاستعمار الصهيوني بفلسطين والسيد عبد الكريم العلاقي الأقلية اليهودية في تونس ، والسيد علي العيد الدعاية الصهيونية في تونس، وأحمد قرين الجمعيات اليهودية والصهيونية بالبلاد التونسية وبول صباغ تاريخ اليهود في تونس، بالإضافة إلى العديد من الدراسات والتحاليل التي نشرتها المجلة المغاربية التي يشرف عليها الأستاذ عبد الجليل التميمي وأهمها االمسالة الفلسطينية وعلاقات الحبيب بورقيبة بالمؤتمر اليهودي العالمي .عرض الأستاذ المترشح في حيز زمني لم يتجاوز النصف ساعة خلاصة لملفه تضمنت : منهجيته والتقنيات التي اعتمدها والمصادر والمراجع التي عاد إليها والإطار العام الذي اشتغل عليه ومضامين إنتاجاته، وخاصة مضمون الأثر الثالث المتعلق بتطور الصراع بين الحركة الصهيونية المتحالفة مع الاستعمار من ناحية والشعب الفلسطيني وعمقه العربي والإسلامي من ناحية أخرى، مركزا اهتمامه على خطاب الفعاليات الوطنية في تونس على مختلف انتماءاتها الفكرية والسياسية. إلى أي مدى كانت هذه الفعاليات والسياسية منها بالخصوص واعية بطبيعة الصراع وأبعاده ؟ كيف تعاطت مع القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور إلى سنة1955 سلبا وإيجابا؟ هل وظفتها في علاقتها مع الأطراف الدولية لتحقيق أهدافها؟ هل كان لهذا الصراع تداعيات على مستوى العلاقات بين التونسيين ومواطنيهم من الأقلية اليهودية؟ وعلى إثر هذا العرض قدم الأساتذة مجموعة من الملاحظات التي جاءت في مجملها نقدية موضوعية وإن كان بعضها لا يخلو من الصبغة الانتقادية التي لم تكن خلفيتها السياسية خافية على أحد،وهذا ما أحدث تجاذبات لسانية بين رئيس اللجنة وبعض الأعضاء. وقد تمحورت الملاحظات حول العناصر التالية: المادة التاريخية كان هناك اتفاق حول دسامة الموضوع وغزارة المادة التي تجاوزت ما هو مطلوب وهذا يعكس الجهد الذي بذله المترشح ، وبقدر ما كان الأساتذة متفقين حول أهمية الموضوع إلا أن تقييماتهم اختلفت حول عدة مسائل منها: المنهجية والتقنيات الموظفة: هل وُفّق المترشح في اختيار المنهجية المناسبة؟ ثم ما هي المنهجية ؟ هل هي نظرية في المعرفة ؟ أم مجرد تقنيات يتوخاها كاتب التاريخ ؟ ما وظيفة المقدمة هل هي الإعلان عن التوجهات العامة للتأليف؟ أم أن نحملها محتواه؟ هل الكاتب مجبر على أن يحقق توازنا بين أبوابه وفصوله حتى وإن لم تكن بنفس الأهمية؟ صعوبة كتابة التاريخ المعاصر على أهميته أليست الكتابة في التاريخ الآني مغامرة صعبة ونتائجها غير محسومة؟ كيف يقع التعامل مع موضوع يطرح إشكالات صعبة ودقيقة في فترة حرجة من تاريخ بلادنا وقع فيها الخلط بين المبدأ والوسيلة، وهذا هو المحضور الذي وقعت فيه القضية الفلسطينية لدى العديد من الساسة العرب بما فيهم بورقيبة حجم التأليف: هل يجب على المترشح أن يختصر تأليفه إلى حدود 150 صفحة(من 352 ص) مراعاة للقارئ المستهلك الذي لم تعد له لا الرغبة ولا الوقت الكافي للقراءة أم أن يتقصى الحقيقة فيتوسع في استقصاء المزيد من المصادر والمراجع؟ المصادر و المراجع : إن البحث جاء محاولة جادة للإلمام بالموضوع رغم شح الملفات الأرشيفية التي مازال البعض منها سريا لم تكشف عنها الأوساط الأجنبية التي كان لها دور فاعل في البلاد، أما الأرشيفات المتوفرة فهل ترشح بغير المعلومات التي ترغب الأوساط الأجنبية في تسريبها؟ وأشار البعض إلى وجود مصادر ومراجع في تونس وخارج تونس( خاصة في فرنسا وفي بريطانيا كان يمكن الإلمام بها) كان من الممكن الاستفادة منها، ولكن هل تتوفر للباحث في بلادنا غير الصحافة؟ وهل هي صحافة رأي أم صحافة إخبار؟ وإلى أي مدى يمكن اعتمادها كمصدر للحقيقة؟ لكن هل من اليسير على الباحث التونسي أن يبحث عن المعلومة خارجها إذا لم يكن برعاية مؤسسة بحثية وطنية؟ أو بتمويل من إحدى المؤسسات التي تكفلت بمواصلة حركة الاستشراق الاستعمارية في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؟ المفاهيم إن كثيرا من المفاهيم مازالت غير واضحة وليست محل اتفاق بين المؤرخين منها: مصطلح الإشكالية، متى تكون هناك إشكالية؟ ما هي الإشكالات المطروحة في البحث ؟ ثم الدلالة البنيوية لمصطلح ا الخطابب السياسي، فهل وقع توظيفه في معناها الدلالي، ثم أي الخطابات يمكن اعتمادها، لقد ضمت الساحة العديد من الأطراف التي اختلفت أراؤها وتباينت مواقفها من هذه المسألة، فهل نكتفي بالطرف الوطني دون غيره؟ لغة النص إن سبويه كان غائبا لدى كل أعضاء لجنة التحكيم وبدون استثناء ، وهذا لم يمنع بعضهم من أن يشير إلى بعض الأخطاء اللغوية التي تضمنها الكتاب، وهي أخطاء طبيعية لم يسلم منها أي أثر، أما لغة النص فكانت سليمة وواضحة ومتماسكة أدوات المؤرخ لاحظ بعض أعضاء اللجنة ، أن المؤرخ صار في حاجة إلى آليات أشمل من آلياته التقليدية، فهو في حاجة إلى الإلمام ببعض المعارف الحافة كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الاقتصاد وعلم الجغرافيا بل والفلسفة، ولعله يشير إلى المذاهب الإيديولوجية في الاقتصاد والسياسة التاريخ والقناعات الشخصية هل يلغي المؤرخ قناعاته الإيديولوجية؟ ألا تمثل هذه حافزا من حوافز البحث؟ التاريخ بحث ونظر وتمحيص وتدقيق وهو أيضا معاناة ومكابدة، ولكن هل هدف المؤرخ هو أن يعرف الماضي كيف كان أم أن يصنع المستقبل كما يجب أن يكون؟ ما هي وظيفة التاريخ هل هي الموعظة أم المعرفة؟ هل يحق للمؤرخ أن يوظف التاريخ لقناعته؟ وبالتالي هل التاريخ محايد؟ رد المترشح وبعد هذه المداخلات الثرية بتنوعها وبتعددها التي لم تخل من بعض الاستفزازات، أعيدت الكلمة إلى السيد المترشح ، فكان مثالا لرجل العلم والمنطق متماسكا بعيدا عن كل تشنج ، فاتجه بالتحية إلى أعضاء اللجنة ثم أوضح ما بدا غير واضح معتبرا عمله محاولة متواضعة لكنها فريدة في نوعيتها ومن هنا جاءت الصعوبات والإشكالات قرار اللجنة بعد الاختلاء والتشاور قررت اللجنة منح الأستاذ عبد اللطيف الحناشي رتبة أستاذ محاضر بالأغلبية، فأثلج ذلك صدور الحضور الذين استاؤوا من بعض الملاحظات التي تجاوزت النقد الموضوعي لتوحي بخلفيات سياسية. انطباع لا يلزم إلا صاحبه لقد أمتعني هذا الحضور حيث التقيت بمجموعة من الإخوة جمعتني وإياهم سنوات الجمر أو التواصل المعرفي وعشت ما لا يقل عن أربع ساعات في مناخ فكري تعددت فيه الآراء وتنوعت إلى درجة التباين، حول الكتابة التاريخية ومدارسها ومناهجها وشروطها وأهدافها، إلا أنني خرجت مأزوما ومسكونا بمجموعة من الهواجس تعكسها مجموعة من التساؤلات أختزلها في سؤال وحيد ولكنه خطير هو: هل تحولت المؤسسة الجامعية التونسية إلى فضاء لتصفية الحسابات من أعلى منابرها وأقدسها ؟