عاجل/ إحداث خط تمويل مشاريع لفائدة هؤلاء..    تونس: الانتهاء من إنتاج الورق المخصّص لطباعة الكتاب المدرسي لسنة 2025    موهبة تونسية في مواجهة عمالقة الطاولة: وسيم الصيد يتحدّى ثلاث منافسات !    الألعاب العالمية الجامعية: بن عون والجندوبي يعبران إلى نصف نهائي مسابقة التايكواندو    بوحجلة: الإعلان عن برنامج المهرجان المغاربي للفروسية    الفنان زياد غرسة في افتتاح مهرجان تستور الدولي [صور+ فيديو]    شمس تختفي لمدة طويلة.. الكسوف الكبير يجي على قريب    عاجل/ تفاصيل جديدة في حادثة مقتل شاب تونسي بايطاليا..والده يكشف ويوجه هذا النداء..    توقيع اتفاقية تعاون لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار الأسلحة    فضيحة صحية في صفاقس: أكثر من 17 ألف قارورة ماء معدني تحت الشمس!    تونس تشارك بوفد رياضي هام في النسخة الأولى من دورة الألعاب الإفريقية المدرسية بالجزائر    قابس: تدعيم قسم الأنف والأذن والحنجرة بالمستشفى الجامعي بقابس بتجهيزات متطورة    عاجل/ خلال يومين: استشهد 23 فلسطينيا من بينهم أطفال بسبب الجوع في غزة..    الرّابحي يدعو إلى حماية المياه المعلّبة من أشعة الشمس ومعاقبة كُلّ من يرفض التّجاوب..    اللجنة الأولمبية القطرية تؤكد مشاركتها في النقاشات الجارية لاستضافة أولمبياد 2036    قبلي: تواصل التحضيرات استعدادا لانطلاق موسم تغليف عراجين التمور    عاجل: 4 قرارات من وزيرة العدل تتعلق بانتدابات جديدة في القطاع العمومي    عاجل و رسمي : الاعلان عن روزنامة العطل للسنة الدراسية 2025-2026 في تونس    نقص في عدد السباحين المنقذين: الحماية المدنية توضح وتعد بحل قريب    الزهروني: "سيف" في وجه فتاة وحملة أمنية تطيح بعدة منحرفين خطيرين    البرلمان: جلسة عامة للنظر في مشروع قانون تجديد وتطوير خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط    المجلس الوطني الفلسطيني يحذر من التراخي الدولي "غير المبرر" إزاء الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في قطاع غزة..    هند صبري تودّع والدتها بكلمات مؤثرة: "كانت ابنتي وصديقتي ورفيقة دربي"    عرض "سينوج - اوديسي" على ركح مسرح الحمامات الدولي: ملحمة موسيقية جمعت بين المزود و"الروك"    لجنة التخطيط بالبرلمان تصادق على تقرير مقترح قانون لانتداب خريجي التعليم العالي ممّن طالت بطالتهم    عاجل/ خطية بين 100 و300 دينار لكل من يرمي أعقاب السجائر أو مناديل ورقية أو عبوات بلاستيكية في الشارع..    وزير الداخلية يؤدي زيارة عمل إلى فرنسا    راغب علامة يعلّق على قرار منعه من الغناء في مصر: ''اعتبروني عبد الحليم حافظ أو سعاد حسني''    جامعة النزل : 25% من الوحدات السياحية أغلقت أبوابها خلال السنوات الأخيرة    إيران: حريق ضخم بمجمع تجاري في ميناء أنزلي (فيديو)    السخانة طالعة... تبع النصايح قبل ما توصل للمستشفى!    تحذير من طبيب الرازي: صحتنا الدماغية في خطر... وأغلبنا لا يعرف!    الحماية المدنية: 221 تدخلا لإطفاء الحرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    بسبب ''قُبلة'' من فتاة: منع راغب علامة من الغناء في مصر    تحذير يهم التونسيين : كيف تؤثر حرارة الصيف على جودة المياه المعدنية؟    بجانب جثتها سلاح ناري.. وفاة مفاجئة لقريبة الأميرين ويليام وهاري عن عمر 20 عاماً    بطولة سيغوفي الاسبانية للتنس: عزيز دوقاز يواجه اليوم المصنف 225 عالميا    النادي الإفريقي: تواصل التحضيرات بالحديقة .. ومباراة ودية في البرنامج    فينوس وليامز تعود بانتصار لافت في بطولة واشنطن للتنس بعد 16 شهراً من الغياب    وزارة الصحة تحذّر: أدوية قد تصبح خطيرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة    عاجل/ "الصوناد" تكشف الأسباب الأوليّة للحريق الذي نشب بمحول محطة ضخ المياه..وهذه المناطق ماتزال دون ماء..    حريق هائل بمحل لجمع فضلات حفاظات الأطفال..وهذه التفاصيل..#خبر_عاجل    طقس اليوم: الحرارة تتراوح بين 31و 42 درجة مع ظهور الشهيلي    مفاوضات هدنة غزة.. واشنطن تطالب حماس بردّ على المقترح المحدث    الاحتلال يقتحم منشآت تابعة لمنظمة الصحة العالمية في غزة ويحتجز موظفين    ترامب: مستعدون لشن ضربات متكررة على المنشآت النووية الإيرانية إذا لزم الأمر    المدرسة الجاسوسية .. تاريخ غامض وموقع استراتيجي    الأرض على موعد يومين من أقصر الأيام في تاريخ البشرية!    تاريخ الخيانات السياسية (22) .. حكاية الرشيد وجعفر البرمكي    بعد حادث نيجيريا: المنتخب التونسي لألعاب القوى يعود بسلام    راغب علامة ممنوع من الغناء في مصر    تراجع صادرات منتوجات الصيد البحري وتربية الاحياء المائية خلال شهر ماي 2025    هيئة السلامة الصحية للمنتجات الغذائية تدعو إلى إحترام شروط السلامة الصحية لدى خزن وعرض المياه المعلبة    انطلاق فعاليات الدورة 15 لمعرض الصناعات التقليدية بطبرقة    تراجع نسبي في الحرارة بداية من الغد.. وعودة لموجة الحر في هذا الموعد    طقس اليوم: الحرارة مرتفعة تصل الى 48 درجة بهذه الولاية    جندوبة: 10 سهرات خلال مهرجان بلاريجيا الدولي والقضية الفلسطينية حاضرة في البال    عاجل: ما ينتظر التونسيين هذا الأسبوع..حرارة مرتفعة أجور تنتظر وعطلة قادمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأب مجلوط مُقعد والأم بين جحيم الغاب وحرارة الطابون والجدة تعالج الطفل لتوفير ثمن ماء البئر!!
معاناة طارق بياع الخبز:
نشر في الشعب يوم 14 - 07 - 2007

قد تكون تداخلت الأمور عند القارئ من خلال عناوين المقال .. لكنها عندنا كذلك بل أكثر حيث لم يكن من اليسير علينا تحديد وجهة المقال وعن أي زاوية من الموضوع يمكن تناولها أو رصدها .. احترنا أمام كومة من المسائل منها الاجتماعي الصرف ومنها الإنساني البائس ومنها الشخصي المؤلم ... إلا أن ما لمسناه من ردّة فعل مذهلة من المصالح الطبية الجامعية في المنستير بناء على ملحوظة صحفية عابرة... هذا الذي لمسناه جعلنا نأخذ كل المسائل مجتمعة في تقرير مفاده أن في الوطن وجعا ونقائص وهناك أيضا بلاسم وإرادة تدارك ...
طارق ... البوابة ...
الصدفة وحدها كانت وراء التطرق الى ما سيأتي .. وكان ذلك عند مرورنا رفقة إحدى الزميلات بمنطقة وادى العبيد على الطريق الرابطة بين تونس والهوارية ... وهي المنطقة التابعة اداريا الى معتمدية تاكلسة ... هناك وسط الغابات برز أمامنا طفل في حدود الخامسة عشرة من العمر أسمر البشرة وزاده لفح الهاجرة سوادا على سمرة ملوحا لنا بخبزة طابون... وكان التوقيت الثانية ظهرا في تلك الأيام المتّقدة التي مرت علينا أخيرا... ورغم أننا لم نكن في حاجة لا للخبز ولا لغيره فإن زميلتي أصرت على أن نتوقف وكأن مسّا هاتفها ... متسائلة ماذا يفعل هذا الطفل في هذا الوقت وفي أيام الأمتحانات بالذات وهذا هو موضوع مهمتنا أصلا ... توقفنا وابتعنا الخبز وسألناه ما أخبار الدراسة فكانت الاجابة بكثير من المرارة وبدمعة كبيرة في أحداق صغيرة ... «بطلت» عندها كبشت «صديقتي وكْبرْ» النهار...
افتح المحضر..
و»بالتحري» كما يقول رجال المباحث وأي بحث هذا الذي فتحناه تبين أن هذا الطفل لم يكن إلا رجلا صغيرا ... حيث وبعد إصابة والده بجلطة في الدماغ أقعدته عن الحركة وبالتالي عن العمل وعن إعالة أسرة متكونة من زوجة وأم وطفلين أحدهما طارق ... الذي كان الى وقت قصير تلميذا بين أقرانه يدرس ويلهو ويمرح ويحلم بيوم يبدل فيه : «وادي العبيد» بحدائق غناء!! إذن وبعد اصابة والده انقلبت حياة العائلة الى جحيم حيث دخلت في نفق لا ضوء ينبئ بنهايته ... فاختار طارق المسار المرّ وهو الانقطاع عن الدراسة (السابعة اساسي) ليعيل عائلته ويعالج أباه الذي تملي طبيعة مرضه تنقله بين الفينة والأخرى الى أحد مستشفيات العاصمة على متن شاحنة مقابل 100 د يعود في كل مرة منها منهكا وببطاقة موعد آخر وهكذا على مدار سنتين أو أكثر.
الأمر الذي دفع بالأسرة الى بيع كل ما تملك من شويهات وحتى الدجاجات والديك انقرضوا على حد تعبير أحد أجوارهم ... وفي ظل هذا الوضع لم يعد أمام طارق وأمه الا الاختيار الأخير وهو بيع الخبز على قارعة الطريق واحيانا في قربص المجاورة ... وفعلا انخرط طارق وأمه في هذه السمفونية المريرة ... حيث تنهض السيدة مفيدة قبل صياح الديكة لتخترق أشجار «السكّوم» والقندول متحدية فعلها الجارح لتظفر ببعض الأحطاب والأغصان اليابسة بعيدا عن عيون الساقجي وزبانيته ... تعود بعدها لتجد العجينة التي جهزتها قبل الفجر في انتظارها وقد تخمرت فتوقد الطابونة وتصافح النار قبل أن تصافح ولدها مرسلة اياه الى ضفاف الاسفلت شاهرا خبره على مدار اليوم ملتهبا كان أم عاصفا ...
خالتي رقية
إذا كانت الحال كذلك بالنسبة لطارق وأمه السيدة مفيدة فإن لبقية الأسرة كلاما آخر، وليس أبلغ من كلام خالتي رقية التي يحكي جبينها المقطب بل يسرد فصولا أخرى من المعاناة... فإذا كلمتك عن ابنها محمد أبو طارق وصورت لك مصيبتها فيه بعد الجلطة القاسمة التي تعرض لها والتي ذهبت أو تكاد بنصفه الأيمن تشخص أمامها، وإذا حدثتك عن معالجتها المستديمة لمادة الطفل لصنع الكوانين وما اليها من الأواني الفخارية ... لا تملك إلا أن تقول لها بورك فيك خاصة أن ريع تلك المعاناة التي أحنت منها الظهر يذهب (أي الربع) الى خلاص القرباجي أي بائع الماء!! الذي يسقيهم مقابل 50 مليما للتر الواحد !! في غياب الماء المشروب حيث أن الماء الذي زودت به القرية غير صالح بحكم انه مجلوب من بئر عن طريق جمعية قيل لنا أنها تحصلت على جائزة!!
فهذا الماء بشهادة كل المواطنين غير صالح للشرب حتى لو أكد «الخبراء» و»العلماء» وكل الجمعيات أنه كذلك ... وإلا فما الذي يدعو خالتي رقية الى الخصاصة التي تعيش وأمثالها على اشتراء «ديكالتر» من ماء سيدي داود البعيد بنصف دينار أي وعلى رأي أحد الرعاة ويدعى كريم تكون الشربة خاصة في «القايلة» ب 50 مليما . كل ذلك في حضور فاتورة الجمعية التي لا تفوقها فاتورة الصوناد العادية إلا بالصبر ... وبالتالي فهذه البئر التي زود الاهالي بمائها تعتبر بغير مروءة طالما لا تروي الظمأ رغم أن هذه المنطقة غير بعيدة عن مركز المعتمدية «بئر مروّة».
نقطة ضوء...
بل قل هي شعلة نور قدفه الله في صدر هذه العائلة.. مصدرها كان مستشفى فطومة بورقيبة بالمنستير بكل مكوناته من الاطار الطبي وشبه الطبي الى المدير العام ... هؤلاء جميعا انطلق تحركهم من خلال ورقة صغيرة من الملف الطبي للسيد محمد الصويعي (أبو طارق) عرضناها على قسم أمراض القلب خلال مرورنا بمدينة المنستير ولم نكن نتوقع أن يكون الرّد على تلك الشاكلة المدهشة فقد سارع بل انقضّ الدكاترة على الحالة وطالبونا بجلبه فورا أودلّهم عليه ليتولوا هم الأمر ... وفعلا تم الاتصال به وجلبه للتو من على مسافة 160 كلم وأخضع الى صور وتحاليل وفحوصات بين المنستير ومستشفى سهلول توجت بعملية قسطرة ليزرية كللت بالنجاح الباهر حيث تم انقاذ ما يمكن انقاذه (باعتبار تأخر التدخل).
ورغم التكتم الطبي لأن في المسألة صحافة! فإننا اخترقنا هذا الجدار وعلمنا انه من أخطر التدخلات التي حدثت بنجاح خيالي هي تلك المتعلقة بالصمام التاجي الذي تم فتحه بنسبة تناهز الثمانين في المائة ممّا يرفع أمل الحياة للمصاب الى عقود بمشيئة الله بعد أن كانت لا تتجاوز كلينكيا أياما أو أشهرا معدودات ... علما أن التدخل المباشر على القلب كان بعد «جولة» ناجحة للسيد محمد الصويعي بين أقسام عدة في صلب نفس المستشفى كللت بالضوء الأخضر لقسم القلب.
للأمانة و للتاريخ
هذا التقرير ابتدأ بطارق بياع الخبز على جنبات الاسفلت الذي يشتعل كاللظى يشتعل على طريق تونس/ الهوارية وانتهى في قسم أمراض القلب بالمنستير على مدى 29 يوما وهي الفترة التي انتظرناها للنشر حتى نؤدي الأمانة بكل نزاهة وصدق والذي يملي بل يفرض علينا فرضا ان نحيي الأسرة الموسعة لمستشفى المنستير خاصين بالذكر السادة الدكاترة الأستاذ فتحي بتبوت والدكتور المجدوب والدكتور الفلسطيني الأصل تونسي الهوى حمزة الى جانب الطاقم شبه الطبي من ممرضين وعمال دون أن ننسى الإدارة العامة التي عبرت عن استعدادها لإتمام هذا الجهد الخارق بايصال المريض الى أهله سليما معافى... كل هذا للأمانة أما للتاريخ فنقول قولا موجزا وهو أن القطاع العام يبقى الشفر الباكي على العامة...
واسألوا محمد الصويعي وطارق وخالتي رقية ان كنتم لا تعلمون.
آه ... لو يقتدي
هذه الآهة ليست عنوان معاناة بل عنوان أمل عبر عنه أهالي وادي العبيد الذين هبوا لاستقبال جارهم الطيب محمد سليما معافى حيث استعطفوا مدير الشركة الوطنية للمياه بأن يقتدي بمدير المستشفى فيشفيهم من ماء الجمعية بماء الشركة الوطنية ... ها قد بلغنا... اللهم فاشهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.