سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاخ عبد السلام جراد:حان الوقت للارتقاء بالحوار والمفاوضة الجماعية الى مستويات افضل عبر تحديث المضامين والآليات افاق الشراكة والحوار الاجتماعي من اجل دعم نسبة المؤسسة والنهوض بالعمل اللائق بواسطة تقوية الكفاءات العمالية:
افتتح الاخ عبد السلام جراد الامين العام للاتحاد يوم الخميس 19 جويلية 2007 بنزل اميلكار اليوم الدراسي حول آفاق الشراكة والحوار الاجتماعي من اجل دعم تنافسية المؤسسة والنهوض بالعمل اللائق بواسطة تقوية الكفاءات الذي نظمه قسم الدراسات والتوثيق بالتعاون مع مؤتمر النقابات البريطانية وبالتنسيق مع سفارة بريطانيا بتونس وبمشاركة ممثل عن الحكومة ومنظمة الاعراف والكاتبة العامة لاتحادات الجامعات والمعاهد والناطقة الرسمية باسم اتحاد النقابات البريطانية (مزيد من تفاصيل المشاركين في غير هذا المكان). وقد القى الاخ الامين العام كلمة عبّر فيها عن سعادته ان يكون بين الحاضرين للمساهمة في اعمال ندوتكم هذه، ومن دوافع سعادتي ان أبادلكم الرأي في حوار على درجة عالية من الاهمية، موضوعه الحوار الاجتماعي والنهوض بالعمل اللائق وتقوية الكفاءات، وغايته دعم تنافسية المؤسسة من اجل دفع حركية الاقتصاد وتأمين اسباب الرقي الاجتماعي. انها بادرة مهمة، وعليه فاني أتوجه بالشكر الى كل الذين ساهموا في اعداد هذه الندوة، وأخص بالذكر قسم الدراسات والتوثيق بالاتحاد العام التونسي للشغل واصدقاءنا بالنقابات البريطانية، كما أتوجه بالشكر لممثلي اطراف الانتاج بتونس وللسادة الخبراء وضيوفنا الكرام مجددا تقديري لسعادة سفير بريطانيا بتونس لحضوره ودعمه للتعاون النقابي بين بلدينا. وأستسمحكم لأؤكد ان مثل هذه اللقاءات التي تجمعنا بالنقابات البريطانية وغيرها من النقابات الصديقة هي خير برهان على رغبتنا المشتركة في التحاور والتواصل لإزالة ما يرسب بالاذهان من سوء تفاهم بين الشعوب جراء ما يحصل من احداث بسبب الاحتلال والارهاب وهي مستجدات سبق لنا ان أدناها ورفضنا اساليبها مهما كانت غاياتها. ان احد اهداف ندوتكم هو دعم تنافسية المؤسسة وهو هدف لم يكن في السابق يثير كل هذه الحماسة لدى النقابيين، لكن العالم تغير وتغيرت معه كل المقاربات، لم تتغير مبادئ العمل النقابي وقيم العدالة الاجتماعية، لكن النقابات أعادت صياغة استراتيجياتها وفق مستجدات العولمة ومتطلبات المرحلة الراهنة، فالنضال العمالي اليوم لم تعد ميزته تلك المواجهات الكبرى كما كان بالامس، ولم تعد ساحته التطاحن الطبقي والصراع المذهبي، بل ساحته هياكل الحوار والتفاوض وأدواته الدراسات والارقام، وهذا لا يلغي بطبيعة الحال نضالية وحقهم المشروع في الاحتجاج كلما تعثر مسار الحوار بين اطراف الانتاج. لقد طوينا منذ سنوات ذلك الجدل العقيم حول طبيعة المؤسسة وملكية وسائل الانتاج، فنحن النقابيون اول من يعلم انه لا حقوق في العمل اذا لم يكن هناك من عمل، فالدفاع عن حقوق العمال يمر حتما عبر تشجيع المبادرة الحرة وحفز الاستثمار الوطني والاجنبي ودعم ديناميكية التشغيل. غير ان المؤسسة تتعرض اليوم الى اهتزاز عنيف نتيجة تفاعل عديد العوامل منها الغاء الحمائية الاقتصادية والاعتماد على الاسواق وانتشار التكنولوجيات الحديثة بما افضى الى اعادة تشكيل عالم الشغل وبروز انماط عمل جديدة والقضاء على الوظائف التقليدية بحكم انتشار صناعة الحاسوب. وبصرف النظر عن تعميم اقتصاد السوق، فان السؤال المطروح اليوم هو كيف يمكن تطوير اقتصاد ديناميكي يوفر العمل اللائق للجميع؟ لقد اصبح هذا الهدف، وطبقا للأجندة الجديدة التي رسمتها منظمة العمل الدولية، احد ابرز حقوق الانسان. غير ان هذا المطلب تواجهه عراقيل جمة، ففي ظل تزايد مرونة التشغيل واتساع رقعة الاقتصاد غير المنظم واللجوء الى التعاقد بواسطة الوكالات اصبحت الحاجة ملحة الى تنظيم سوق العمل. فبينما تدعو النقابات الى احترام معايير العمل وبخاصة مبادئ العمل اللائق بوصفها شروط اساسية لدعم تنافسية المؤسسة ترى المؤسسات ان مقتضيات المنافسة تستوجب تسريع وتيرة المرونة ومراجعة قوانين العمل. ومن جهة اخرى ينبغي الاعتراف بأن المسار الحالي للتحول التكنولوجي يشجع المهارات بدل الاعتماد على اليد العاملة الكثيفة وهو ما يضع قضية التدريب المهني وتقوية الكفاءات في صدارة الاولويات، فلا فرص عمل اليوم ولا مجال للحفاظ على شغل قار دون تكثيف برامج التكوين والرسكلة والتأهيل وتعصير مناهج التعليم لضمان جاهزية الموارد البشرية. ان التحول الليبرالي لم يفض الى توسيع حجم البطالة فحسب وانما ساهم في ظهور فئة جديدة من العاطلين تسمى بالمسرحين بسبب غلق المؤسسات وضعف التأهيل البشري الى جانب تواصل تدفق هجرة الشباب نحو بلدان الشمال وغيرها من المخاطر التي تهدد استقرار المجتمع في ظل انسداد آفاق التشغيل وانعدام اليقين الذي يحفّ بجزء هام من النسيج الصناعي الوطني جراء المنافسة الخارجية التي فرضها مسار الشراكة مع الاتحاد الاوروبي. ان الليبرالية المجحفة تتعرض اليوم الى انتقادات من كل صوب، وقد بات واضحا انه من الخطأ دعم تنافسية المؤسسة بإطلاق العنان لقوانين السوق على حساب متطلبات العدل الاجتماعي. لقد قطعت بلادنا اشواطا هامة على درب الحوار والمفاوضة الجماعية، لكن حان الوقت للارتقاء بهذا الرصيد الى مستويات افضل عبر توسيع مجالات الحوار الاجتماعي وتقنين هياكله وتحديث مضامينه وآلياته. ان الصعوبات التي تواجهها المؤسسة اليوم تستوجب درجة عالية من الثقة بين اطراف الانتاج، ثقة تنبني على الاحترام المتبادل وحرية كل طرف في تمثيل منظوريه في اطار عقد اجتماعي يؤسس لترابط المصالح ويلغي كل اسباب النزاع. ان هذا العقد بين رأس المال والعمل، والذي ينبغي ان يتجسد كل يوم بالحوار والتفاوض، هو القوة الضامنة لاستقرار المؤسسات وعالم الشغل وهو صمام الامان في وجه العولمة التي تستبيح كل الحدود وتعبث بمصير اقتصاديات بلدان وقارات بأسرها. ولابد من التأكيد ان ثقافة العقد الاجتماعي لا تعني تغييب الدولة بل بالعكس تظل الدولة المجسدة للمصلحة العامة والراعية لشروط الحوار الاجتماعي والقادرة على التأليف بين مختلف المصالح على قاعدة الاعتراف بمشروعية كل طرف ودوره في بناء مجتمع ديمقراطي ومتضامن. هذه أيها الاخوة والاخوات بعض الخواطر التي اردت المساهمة بها في ندوتكم هذه، واذ أجدد شكري لكل المشاركين والمشاركات وضيوفنا الكرام، فاني على يقين ان مثل هذه اللقاءات هي دليل على الرغبة القوية التي تحدونا للتعاون مع كافة الشركاء الاجتماعيين من اجل توفير اسباب النجاح للمؤسسة وتأمين مقومات الرقي الاجتماعي ايمانا منا بأن مجتمع الحوار والتضامن هو الحصن المنيع ضد سلبيات العولمة ومخاطر الليبرالية المجحفة.