بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد والنقابيون أبرياء من احداث 26 جانفير
نشر في الشعب يوم 04 - 08 - 2007

بعد نحو 6 أشهر من الآن تحضرنا الذكرى الثلاثون لأحداث اليوم السادس والعشرين من شهر جانفي من سنة ,1978 تلك الاحداث التي أعقبت الاضراب العام الذي كان قرره الاتحاد العام التونسي للشغل دفاعا عن استقلاليته وحرية عمله النقابي.
وقد أرادت بعض الاطراف المتصلبة في الحكومة بقيادة المرحوم الهادي نويرة والحزب الاشتراكي الدستوري بقيادة السيد محمد الصياح حسم الخلاف بالعنف الشديد فأنزلت الجيش الى الشوارع اضافة الى قوات الامن، كما جنّدت مجموعات من المرتزقة مما عرف «بالميلشيا» وأوعزت لهم الاتيان بعمليات نهب وتخريب وحملها على كاهل النقابيين والعمال المضربين.
فكان ان حصل المحظور، حيث أطلق الجيش والشرطة النار على أعداد كبيرة من المواطنين الذين وجدوا أنفسهم في الأتون دون ان يعرفوا الغايات والاسباب والاهداف.
اما النقابيون والعمال، وعلى رأسهم قيادة الاتحاد الشرعية فكانوا قد سجنوا قبل ذلك او بعده وتعرضوا للضرب والتعنيف فضلا عن الطرد من العمل والاحالة على المحاكم والعقاب بالسجن والاقامة الجبرية.
لكن اطراف السلطة المشار اليها لم «تهنأ» بالنصر الوهمي الذي كسبته، اذ لم تمض الا سنتان حتى حصل الاعتداء المسلح على مدينة قفصة مما تسبب في الاطاحة بالمرحوم الهادي نويرة كوزير أول وتسمية وزيرا أول اخر بدلا منه واتخاذ سلسلة من الاصلاحات، كان الهدف منها احداث نقلة نوعية في الحياة السياسية بعد أزمتي جانفي 78 وجانفي .80
وكان احد أوجه هذه الاصلاحات، اطلاق سراح النقابيين والعمال السجناء واعادتهم الى عملهم وتمكينهم من التعويضات اللازمة وخاصة اعادتهم عبر المؤتمرات لا محالة الى مسؤولياتهم النقابية ومواقعهم القيادية وعلى رأسهم جميعا الزعيم الحبيب عاشور الذي ناضل النقابيون ولا سيما من خلال المؤتمر الاستثنائي المنعقد في افريل 1981 بقفصة من اجل رفع الاستثناء عنه وفرض عودته على رأس الاتحاد بقرار من المجلس الوطني للاتحاد المنعقد في نوفمبر ,1981 وقد انسحب من المؤتمر المذكور 127 نائبا احتجاجا على عدم رفع الاستثناء عن الاخ الحبيب عاشور وتمسكا به امينا عاما للاتحاد.
وزادت المحكمة الادارية في تنقية أثواب النقابيين من اية أدران ألصقت بها فاتخذت قرارا مشهودا قضى بتبرئة النقابيين كل النقابيين دون استثناء وبما فيهم الزعيم الحبيب عاشور من اية مسؤولية مباشرة او غير مباشرة عن احداث 26 جانفي .1978
كانت هذه مقدمة مختصرة لابد منها لوضع المقال اللاحق في اطاره، ولفت انتباه المعنيين من نقابيين وباحثين ومفكرين ومسؤولين الى حقائق لا يمكن انكارها او تأويلها في غير ما اتجهت اليه او تحريفها، والى ان الامانة تفترض على الاقل سرد الاحداث كما حصلت وليس الحكم لها او عليها.
اما الاطار المقصود، فقد وفرته لنا صباح السبت الماضي مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بعودتها مرة اخرى الى البحث في اطوار احداث 26 جانفي ,1978 ولولا صدفة عجيبة تهيأت لنا، ما كنا نعلم بالموضوع، وهذا في الحقيقة، تقصير علمي نحمّل جانبا من مسؤوليته الى الاستاذ عبد الجليل التميمي الذي نحترم جهده ومبادراته فيما نحمّل الجانب الاكبر من مسؤوليته الى بعض من الاخوة النقابيين الذين شاركوا في الندوة وهم يعلمون علم اليقين بالنقص الفادح في اصحاب الشهادات والانحياز الواضح لبعض التصورات دون الاخرى، رغم ان الجميع شاركوا في صياغة او اتخاذ قرار الاضراب المشهور ثم سُجنوا، وها هم اليوم يتنصلون من مسؤوليتهم تلك وينبرون في محاكمة غير عادلة وغير شريفة لبقية زملائهم وخاصة منهم الزعيم الحبيب عاشور.
وقد اثرت هذه النقطة بالذات خلال مشاركتي في الندوة لافتا الانتباه الى ضرورة العودة الى الموضوع واضفاء الصبغة العلمية عليها من خلال الاستماع الى كل الذين اشتركوا في الاحداث... كما يجب الاستماع الى المتسببين الحقيقيين في الاحداث واستجلاء الاسباب الحقيقية التي دفعت الى ردة الفعل العنيفة المعروفة.
في انتظار ذلك، اعود الى فعاليات الندوة لأنقل بعض اطوارها وبالتحديد مختصرات من مداخلات المشاركين ومنهم السيد محمد الناصر وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك حيث ذكر بالتحالف الذي قام بين نويرة وعاشور منذ عام 1970 والمبررات الموضوعية التي كانت وراء قرار مماثل يبدو انه خدم الطرفين في تلك الفترة لكن مع تطور الاوضاع واضطراب الاقتصاد التونسي وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين وتصاعد وتيرة المطالب النقابية بدأت تبرز ملامح المواجهة الحتمية بين الطرفين.
ومن خلال تحليله للاسباب المؤدية الى الاحداث استنتج السيد محمد الناصر ان ما حدث أملته في كثير من الاحيان المطامح الشخصية لهذا الطرف او ذاك وهنا يقول السيد محمد الناصر : «ما حز في نفسي بعد هذه السنوات هو هيمنة الاعتبارات الشخصية على الاحداث التي وقعت قبل واثناء احداث جانفي 1978 وكنت شخصيا من الوزراء المستقيلين في تلك الفترة الحرجة.
ومن جهته تحدث الاخ محمد شقرون عن بدايات الازمة بين السلطة والاتحاد آنذاك حول طريقة اختيار اعضاء المكتب التنفيذي في المؤتمر الرابع عشر الذي كان حاسما في تاريخ المنظمة الشغيلة برمتها، فالزعيم الحبيب بورقيبة أراد تزكية الاعضاء، كما جرت عليه العادة في السابق بينما اصر الحبيب عاشور على الانتخاب النابع من قواعد المنظمة النقابية وكان هذا احد مظاهر الازمة بين الاتحاد الذي بدأ يدافع عن استقلاليته، والسلطة (دولة وحزبا) التي كانت تسعى الى تسييس النضالات وتحاول فرض ارادتها على المنظمة الشغيلة.
واضاف الاخ محمد شقرون قائلا: «وتقرر الاضراب العام واندلعت احداث الخميس الاسود التي قدمت من طرف الاعلام الرسمي على انها مؤامرة لتغيير نظام الحكم.
وأكد الاخ محمد شقرون ان النقابيين براء من التدمير واتلاف الممتلكات اثناء الاحداث المؤلمة لكن كل القرارات والاتهامات كانت تصب في خانة تحميل الاتحاد مسؤولية ما حصل (محاكمات صورية طرد تعسفي ترويع اهالي واطفال النقابيين النقل التعسفية خاصة في قطاع الوظيفة العمومية). وأطنب الاخ محمد شقرون في الحديث عن فترة السجن وكيف شارك بنفسه في النقاشات لتقييم الوضع واعداد خطة عمل مستقبلي والتنسيق مع النقابيين لايجاد حل الى انفراج الوضع نهائيا لتبدأ مرحلة جديدة من العمل النقابي.
اما الاخ الطيب البكوش فقد ركز في تدخله على النتائج التي افرزتها الاحداث مؤكدا ان كل الاطراف كانت خاسرة في نهاية الامر ولا يوجد اي طرف يمكن الادعاء بأنه خرج منتصرا من المواجهة، كما ان السلبيات طغت بشكل كبير على الايجابيات مما ادى الى تدهور الاوضاع برمتها وانهيار اسس العلاقة بين الاتحاد والسلطة في فترة حرجة من تاريخ تونس.
واشار الاخ الطيب البكوش الى ان الاحداث نتج عنها العديد من التطورات والمتغيرات منها بداية تبلور مفهوم استقلالية الاتحاد حيث كان المؤتمر الرابع عشر للاتحاد خطوة اولى تحو دعم الاستقلالية. فقد تدخل الزعيم الحبيب بورقيبة في مناسبتين لمنعي من الترشح لقيادة الاتحاد لكنه لم يفلح وعندها قال بورقيبة بالحرف الواحد: «الاتحاد اتحادكم دبروا روسكم»، لقد بدأ بورقيبة يشعر آنذاك بأن الاوضاع بدأت تتغير، ولم يعد بالامكان التحكم في مصير الاتحاد بسهولة.
ومن جهته، تحدث السيد محمد بلحاج عمر عن الاسباب التي ادت الى تأزم الوضع حيث ذكّر ان ازمات الاتحاد شبه دورية فكلما نهض الاتحاد واصبح اكثر قوة تحركت بعض الاطراف لضربه وتدميره، مؤكدا ان التحرك الفعلي بدأ في نوفمبر 1977 باضراب عمال النسيج في مدينة قصر هلال وتدخل الجيش لمواجهة الاضراب ثم تتالت الاضرابات بما فيها اضراب للقضاة لأول مرة في تاريخ تونس، وهنا تبينت الابعاد السياسية للاحداث، وكانت النتيجة محاكمات عديدة وصراع مفتوح بين الاتحاد والسلطة السياسية في تلك الفترة الحرجة والخطيرة من تاريخ تونس الحديث.
وشهدت تونس العديد من الزيارات لشخصيات دولية ومحاولات للتدخل من اجل التخفيف من الازمة، ويذكر الاستاذ محمد بلحاج عمر بالاخص زيارة هواري بومدين الى تونس لمدة 24 ساعة ثم زيارة وزير الري الجزئري، كما التقى الزعيم الحبيب بورقيبة في نفس الفترة بأعضاء الحكومة والديوان السياسي بهدف متابعة الاحداث عن كثب، واتخاذ الاجراءات الضرورية لمعالجة الوضع المتأزم.
وكشف المتحدث في ختام تدخله ان الحبيب بورقيبة لم يقل كلمة سيئة واحدة في شأن الحبيب عاشور، وكل ما صرح به ان الرجل تعرض للمغالطة تحت تأثير العديد من البعثيين والشيوعيين الذين حاولوا افساد علاقته بالسلطة.
وفي تحليله لما حدث اكد الاخ ناجي الشعري ان الاحداث لم تكن فقط نقابية بل هي سياسية بالاساس ولو لم تتدخل السياسة لمرت الامور بشكل عادي، وكانت البداية عندما ساند الهادي نويرة باعتباره امين عام الحزب عودة الحبيب عاشور لقيادة الاتحاد لسبب وجيه وهو ان الهادي نويرة كان يفتقد للقاعدة السياسية مما دفعه الى التحالف مع الحبيب عاشور للاستفادة من قاعدته النقابية لكن عندما اصبحت لديه قاعدة سياسية واسعة في البلاد بدأت بوادر المواجهة بين الرجلين ثم تطورت الاحداث بشكل ظن معه الهادي نويرة ان الحبيب عاشور خانه وتحالف مع اعدائه فقرر التخلص منه، وجاء قرار الاتحاد بالاضراب العام ليفتح ابواب الجحيم في وجه قيادات ومناضلي الاتحاد.
لكن من المتسبب في الحوادث الدموية؟ هنا يقول السيد ناجي الشعري : «الضحايا كانوا شبانا تراوحت اعمارهم بين 18 و 23 عاما، وكانوا من بين العاطلين عن العمل او الطلبة وقد تعرض هؤلاء لطلقات نارية قاتلة استقرت في الرأس او في الدماغ».
واضاف: «ان النقابيين براء من المواجهات الدموية، ولم تسجل حادثة واحدة مماثلة بين صفوفهم».
ويظل السؤال مطروحا: «من المتسبب الفعلي في وقوع ضحايا اثناء الاحداث المؤلمة؟».
ومساهمة منّي في النقاش ذكرت بالخصوص ان الاتحاد واجه بعد الاستقلال سلسلة من المحن والمصاعب وتحمل مناضلوه السجون وشتى ألوان التعذيب والملاحقة، كما خاض في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات العديد من المواجهات دفاعا عن استقلاليته وحقه في تمثيل الشغالين بمنأى عن كل اشكال الوصاية الخارجية.
لقد كانت أزمات 65 و 78 و 85 عناوين تاريخية بارزة لهذه الملحمة التي خاضها النقابيون والشغالون من اجل الذود عن حرية العمل النقابي والدفاع عن حرمة منظمتهم والنضال من اجل تكريس حق الشغالين في التنمية العادلة وحق شعبنا في الحرية والديمقراطية.
ولقد بلغت هذه المعركة ذروتها في احداث 26 جانفي 1978 باعتبارها منعرجا تاريخيا حاسما في مسيرة المنظمة وفتحت امامها آفاقا أرحب لمواصلة نضالها من اجل ترسيخ حريتها وفرض كيانها المستقل وتعزيز مكانتها ودورها في النضال الاجتماعي والديمقراطي ببلادنا. وقد شهدت تلك الفترة ضرب الاتحاد من خلال الزج بقيادته ومئات النقابيين في السجون. وكان على رأسهم الزعيم الحبيب عاشور الذي دافع عن استقلالية المنظمة ودفع الثمن باهظا بسجنه ومحاكمته وتسليط اقسى الاحكام عليه وحرمانه من العودة لتحمل مسؤولياته النقابية، ونتيجة لهذا الوضع الصعب الذي شهده في تلك الفترة، لقي الاتحاد العام التونسي للشغل دعما داخليا كبيرا ودعما خارجيا من طرف النقابات المغاربية والعربية والدولية وعدد كبير من القادة النقابيين العالميين يتقدمهم الامين العام الراحل للسيزل أوتو كريستن الذي قام بدور هام في الدفاع عن الحركة النقابية التونسية بالتضامن وبالضغط الدولي.
ومازلت أتذكر تلك الاحداث المؤسفة التي جدت بمدينة قصر هلال والتي انطلقت من مؤسسة SOGITEX للنسيج حيث توقف العمال للاحتجاج عن سوء التصرف الحاصل بالمؤسسة الذي اكتسى بعد ذلك طابع الاضراب الشامل وردا على هذه الحركة النضالية التي كان بالامكان معالجتها بطريقة اخرى هوجم العمال من طرف قوات النظام العام ووقعت اصطدامات عنيفة عمّت كافة المدينة ونتيجة لذلك نشأت الحركة التضامنية في عديد المؤسسات المجاورة في صيادة وبوحجر والمكنين وغيرها مما ادى الى تدخل الجيش واعتقال العديد من النقابيين والعمال وحصل ذلك في أوائل شهر اكتوبر .1977
وفي نوفمبر 1977 اجتمعت الهيئة الادارية الموسعة للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وقررت الاضراب العام كامل يوم 9 نوفمبر 1977 احتجاجا على التهديدات بالقتل الموجهة ضد الاخ الحبيب عاشور وضد عدد من النقابيين في الجهة.
وفي منتصف نوفمبر 1977 انعقدت الهيئة الادارية الوطنية واصدرت نداء الى السلط العليا بالبلاد وخاصة الى رئيس الدولة انذاك من اجل تدارك الوضع قبل فوات الاوان، وقد قررت الهيئة الادارية دعوة المجلس الوطني الى الانعقاد والى اتخاذ قرارات مصيرية ان لم تقع الاستجابة الى نداء الاتحاد المتعلق بإخراج البلاد من الازمة بصورة سلمية.
لكن للأسف ما من احد استمع الى نداء الهيئة الادارية بل كان اهل السلطة منشغلين بقضية اخرى يتنازعون عليها فيما بينهم وهي قضية الخلافة وتسبب الموقف من الازمة في شرخ بين السلطة الحاكمة فانقسمت الى نصفين وظهر ذلك للعيان يوم 23 ديسمبر 1977 حيث اعفي الطاهر بلخوجة من مهامه كوزير للداخلية وتنصيب عبد الله فرحات كبديل له واستقال ستة وزراء دفعة واحدة من حكومة الهادي نويرة مما زاد في تأزيم الوضع داخل الفريق الحكومي وسيطرة الجناح المتصلب على كل الدواليب، وإعلانه صراحة نهج العنف في التعامل مع النقابيين، ثم توالت الاحداث متسارعة والاجواء متوترة وتولى محمد الصياح مدير الحزب توسيع وتطوير دور الميليشيا لتصبح قوة موازية لقوات الامن مما تسبب في ارتفاع وتيرة العنف والملاحقات والمضايقات على المواطنين وخاصة منهم النقابيين الى ان كان يوم 20 جاني 1978 ذكرى تأسيس الاتحاد، حيث انعقد بقاعة الاتحاد الجهوي بسوسة اجتماع عام كبير باشراف الاخ خير الدين الصالحي عضو المكتب التنفيذي الوطني وافتتحه الاخ الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة الاخ الحبيب بن عاشور بحضور العديد من الاطارات النقابية المناضلة.
وقد تعرض مقر الاتحاد الجهوي في ذلك اليوم الى هجوم عنيف من طرف عناصر الميليشيا المسلحة التابعة للحزب الحاكم انذاك والتي احدثت اضرارا بالمقر وبعديد المناضلين.
وتتالت الهجومات المماثلة على مقرات الاتحاد بتوزر وتونس والقيروان وزغوان على مرأى ومسمع من اعوان الامن بل بتشجيع وحماية منهم.
امام هذه التطورات الخطيرة انعقدت الهيئة الادارية يوم 22 جانفي 1978 بقيادة المرحوم الحبيب عاشور وقررت مبدأ الاضراب العام بكامل الجمهورية وفوضت للمكتب التنفيذي تحديد تاريخه. وإمعانا من السلط في تصلبها وردا على قرار الهيئة الادارية تم الاعتداء على مقر الاتحاد الجهوي بالقيروان من طرف الميليشيا بقيادة بعض المسؤولين من لجنة التنسيق الحزبي حيث حطموا كل محتوياته، كما تم الاعتداء على النقابيين الموجودين داخل المقر فوجه المكتب التنفيذي الوطني وفدا يتركب من الاخوة الطيب البكوش ومصطفى الغربي الى هناك. وتبعا لتقرير الوفد اجتمع المكتب التنفيذي الوطني واتخذ قرار الاضراب العام ليوم الخميس 26 جانفي .1978
وكما يعلم الجميع، فلقد جوبه الاضراب العام بالقمع والاعتقالات وسفك الدماء باستعمال كل الوسائل وتدخل الجيش واعلنت حالة الطوائ. وقد خلفت هذه الاحداث عشرات القتلى ومئات الجرحى وامتلأت السجون بآلاف من العمال والمناضلين النقابيين ومن الشباب العاطل عن العمل المنتمين الى الاحياء الشعبية المهمشة. هذا وقد أدّت عناصر الميليشيا التابعة للحزب الحاكم دورا اساسيا في التخريب والنهب بغية توريط الاتحاد واطاراته النقابية وتحميلهم مسؤولية الخراب الحاصل.
في ذلك اليوم وقبل وقت قصير من ايقاف اعضاء المكتب التنفيدي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل اصدر عدد من هؤلاء بيانا بإمضاء الامين العام الحبيب عاشور جاءت فيه توضيحات هامة عن الاحداث وعن الاعمال والتداعيات التي سبقتها وأعدت العدة لها، وقد جاء في هذا البيان بالخصوص.
ان الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الجماهيرية الحرة اذ تكبر تعاطف كافة الجماهير الشعبية معه يعلن انه سيواصل النضال من اجل اقرار الحريات العامة والنقابية ومن اجل احترام دستور البلاد وقوانينها والمعاهدات الدولية من اجل احترام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهي قيم انسانية يمثل الاتحاد اول درع لها.
كما ان الاتحاد يعلن امام الرأي العام التونسي والعالمي تمسكه بضرورة مواصلة الحوار الذي تتحمل الحكومة مسؤولية انقطاعه وضرورة إحلاله محل العنف والارهاب حفاظا على مكاسب الشعب ووضعا لمصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
وفي الختام يشير البيان الى المسؤولية الكبرى التي يتحملها رئيس الدولة امام التاريخ ويدعوه الى ان يعمل على اعادة الحوار مكان العنف والارهاب وان يساهم في وضع الشعب التونسي على طريق التقدم والحرية والديمقراطية السياسية والاجتماعية.
لقد ذاق النقابيون شتى انواع التعذيب في مقرات الشرطة واجبروا على توقيع محاضر بحث لم يدلوا بها وانتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب وكلنا يعرف ما حصل للمناضل المرحوم حسين الكوكي الذي مات تحت التعذيب حسب شهادات الاطباء.
وكرد منا على الادعاءات التي تعمدت بعض وسائل الاعلام الرسمية نشرها والتي تفيد بأننا نتلقى معاملة عادية داخل السجن قمنا بتحرير مراسلة من داخل السجن تفند ادعاءات وكالة الانباء الرسمية بأننا نتلقى معاملة حسنة وتوضح الحقيقة للرأي العام.
هذه بعض المعطيات، قدّمتها من باب التذكير ومن باب الامانة واعطاء كل ذي حق حقه مجددا تأكيدي على براءة النقابيين كل النقابيين من مسؤولية احداث 26 جانفي وهو ما شهدت به المحكمة الادارية من جهة ومحكمة الجنايات بسوسة ودائرة الاتهام بمحكمة أمن الدولة التي حفظت القضية في شأن عدد كبير من النقابيين نظرا لعدم كفاية الحجة من جهة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.