«العيد» في المطلق هو محطة فرح وحبور في حياة الناس الا ان العيد تحول في بلادنا الى كوكتال «فرح ودموع»... «وحلوى ودماء» عيد ادخل عليه غول الطريق الوجع والالم والشكوى والموت، على غفلة سماها كل بما يشاء بدأ بالقدر مرورا بالتهور وصولا الى الاهمال والتخلف والجهل وكذا الاستهتار والعربدة... ففي اقل من 48 ساعة تحولت طرقات البلاد الى ساحة اشبه ما تكون بساحة حرب، واذا الخسائر تتجاوز حدود المعقول ويأباها المنطق وتستنكف منها الضمائر... بنو ربيعة أو «رْبيعنفراد» «الشعب للشعب» هذه الجملة قيلت لنا ونحن نتحسس طريقنا الى قرية بني ربيعة من طرف مجموعة من الناس تحلّقوا لاستذكار ضحايا البلدة الاربعة في حادث السبع ارواح بمنطقة الخزّازية على طريق القيروان... قلت قيلت لنا هذه الجملة عندما اخترنا ان نضحّى باللّمة العائلية يوم العيد بالذات لنكون الى جانب بعض العائلات المنكوبة لنواسي، ونتقصى، ونستقرأ أبعاد هذه المآسي من خلال عيّنة من الضحايا واهاليهم... وفعلا وصلنا الى قرية بني ربيعة التي يعرفها أهل الساحل باسم «بُالرّبيعْ» ولم يكن من الصعب الوصول الى بيت الحاج الشاذلي سليمان الذي قضى في الحادث صحبة ولديه وحفيده لنجد مئات البشر الذين خف عددهم عند صلاة المغرب (البيت قبالة المسجد) ليتضاعف مرات بعد ذلك.. وقد تمكنا من الانفراد بالسيد لطفي سليمان بن الحاج الشاذلي الفقيد ليفيدنا بما يلي «في آخر يوم من رمضان قرّر شقيقي الدكتور فتحي سليمان الخروج في رحلة صيد صحبة والدي للترفيه عليه وشقيقي رزوقة وصغير العائلة إبن أختي حازم وفعلا انطلقوا بعد صلاة الفجر على متن سيارته (المرسيدس 190) في اتجاه المناطق الغابية بالقيروان وبوصولهم الى منطقة الخزّازية (وهذا حسب شهود عيان) فوجئ أخي بدراجة نارية تجر عربة بلا انارة فحاول تفاديها ولم يقدّر تقديرا صحيحا للمسافة الفاصلة بينه وسيارة في الاتجاه المعاكس ومن ثمّ وقع التصادم الذي أودى بحياة سبعة بدلا عن واحد... وذاك هو القدر». ويضيف محدثنا لطفي وهو معلم تطبيق بمدرسة «الفرادى» بأنّ والده الشاذلي يبلغ من العمر 74 سنة وهو من كبار فلاحي المنطقة وشقيقه فتحي هو استاذ في الطب مختص في الامراض الصدرية ورئيس قسم مستشفى ابن الجزّار بالقيروان والدكتور المشرف على مصحة اعوان وزارة الداخلية بولاية القيروان. اما شقيقه الثاني عبد الرزاق ويدعى «رزوة» فله محل تجاري وقد تأثر الجميع لفقده بحكم انه «قريد العش» ومازال اعزبا اما الفقيد الرابع فهو الطفل حازم ويدعى «دعبس» للشبه الكبير بينه والممثل توفيق الدّقن وهو ابن شقيقة القتيلين المذكورين وطبعا حفيد عمّ الشاذلي... يذكر ان الدكتور خلف ولدا واحدا (19 سنة) لاعب في النجم الساحلي وهو تلميذ متألق وتوأم بنات هما من انجب نجباء معهد البرجين. وقد حدثنا البعض ان السيدة بسمة زوجته وهي اطار في قطاع الصحة أصبحت اما لاربع بدل ثلاثة حيث ان الجميع يوصونها خيرا بالحاجة ارملة عمّ الشاذلي وجدة ابنائها. للامانة اهالي الضحايا اثنوا على تعاطف الناس وخصّوا بالذكر السيد وزير الصحة العمومية واطارات الوزارة ومنتسبيها في كل من سوسةوالقيروان وكذلك منتسبي وزارة التربية والفلاحة وطبعا السلط الادارية والمحلية والجهوية بسوسة. عملية «سوداء» والقتيل 25. لمقاومة هذه الحوادث وغيرها من الكوارث تقوم الجهات المعنية بعمليات بيضاء للتحسيس... ونحن وبحكم اننا لم نحضر الحادثة التي كنا نروي تفاصيلها.. كتب لنا ونحن في طريق العودة من بني ربيعة ان نحضر مباشرة عملية «سوداء» للاسف حيث تصادمت امامنا سيارتان فقد سائق احداهما صوابه وتوازنه وحياته بفعل الخمرة ليصطدم بسيارة اخرى ملحقا بها ضررا فادحا وبنفسه ضررا افدح وهل افدح من الموت؟ ملاحظة «حمراء» جدا خلال هذا الحادث الذي اعلمنا به مصالح ال 198 (الحماية المدنية) فور وقوعه (التاسعة والنصف مساء الاثنين يوم العيد) وقع هذا الحادث على الطريق رقم 1 في المنطقة الفاصلة بين ولايتي المنستيروسوسة وهنا مربط البغل حيث لم يكن موقع الحادث يبعد اكثر من 15 دقيقة عن اقرب موقع للنجدة وكم كانت المفاجأة عندما اعلمونا بان شاحنة حماية وسيارة اسعاف سيغادران من قصر هلال البعيدة اكثر من 45 دقيقة في احسن الاحوال كل ذلك بدعوى ان الحادث وقع ترابيا في ولاية المنستير في حين كان اقرب موقع للنجدة في ولاية سوسة!! عجبا.. وذاك البشر الذي يحتضر؟ ثم مات. أقرب لمن؟؟ طبعا لربّه..!! ... من القلب وعلى الجبين من القلب هي المصافحة وعلى الجبين هي القبلة لرجال الحرس الوطني الذين هبوا من كل الجهات ومن مراجع نظر مختلفة: مراكز: البرجين / منزل الحياة / مساكن / منزل كامل / والحضور المفاجئ للعقيد فرج اللواتي اطار مالي بوزارة الداخلية ومدير ادارة مركزية بالادارة العامة للحرس الوطني. هؤلاء وبعض الخيرين بل الكثير من الخيرين ذاقوا الامرين لاكثر من ساعة في اخطر موقف على الاطلاق وعلى أكبر طريق على الاطلاق وفي اكبر مناسبة على الاطلاق... فبلا تردّد نقول شكرا.. لحرس تونس وليس لحرس البرجين فقط.