كانت تجلس وهي تنتظر دورها بين العشرات من المرضى، جمعنا الملل وطول الانتظار فتجاذبنا أطراف الحديث ، عاد بها الحنين الى ذكرى حبّ ضائع فاسترسلت تقول:أنا من عائلة محافظة وكان من عائلة ميسورة، كنا نتقابل بعيدا عن أعين الرقباء المتطفلين وحتى لا تكتشف عائلتي هذه العلاقة ، تكررت لقاءاتنا سنوات اتفقنا خلالها على كل الجزئيات ولم يبق لي سوى إعلام والدتي وكسب دعمها ، ولما هممت بذلك فوجئت به يطلب مقابلتي لأمر أكيد. وصلت قبل الموعد وأوصالي ترتعد خوفا مما سيقول صمت طويلا ليخبرني بالنهاية أنه فُصل من العمل وأنه عدل عن قرار الخطبة لعلمه أن عائلتي سترفضه ما دام عاطلا . وكنت بحاجة الى وقت أطول لأستوعب ما سمعت . عدت أجرّ أذيال الخيبة واستمرت علاقتنا مضطربة لا نلتقي إلا لنختلف حول مستقبله، رجوته مرارا أن يبحث عن عمل حتى وإن دعت الحاجة الى ينتصب لحسابه الخاص إذ لا يعوزه المال. أبدى تجاوبا في البداية وأمام فشله في العثور على عمل أصبح يختلق الاعذار. أحسست أنه تغير أو هكذا خيّل اليّ ، فوضت أمري الى الله وفضلت أن أبتعد فترة من الزمن علّه يتخذ قراره. وألقى البرود بثقله على حياتي وأنا أنتظر رد فعل منه حتى تجمدت كتلة انتظار وما من جديد يلوح في الافق. العجلة وفوجئت ذات يوم برجل آخر يطرق بابي رجل لم اشعر نحوه إلا بالغربة والخوف من مصير مجهول ، اضربت عن الطعام ولزمت الفراش حتى كدت أفقد عملي. ترددت لكني لم أجد حلاّ سوى الاتصال بمن أحبّ عساه يخلصني من ارتباط تراءى لي قيدا سألت الله أن ينكسر. لم يحرك ساكنا وتململ ليطلب مني أن أصبر إن كنت أريد أن يكتب لعلاقتنا الاستمرار أو فليمض كل منا في طريق (هزمتها دموعها) صفعني قراره الرهيب وتبعثرت اتجاهات الرؤية كلها وغدت كالأشباح خوف . لم يترك لي خيارا ما دام يقبل العيش وراء الشمس . ولأنني كنت أتعجل الارتباط ، وأمام إصرار عائلتي اتخذت قراري بالزواج. انتقلت وزوجي حيث يعمل لكني لم أتأقلم مع وضعي كزوجة، فلم أركض الى زوجي إذا وجد ولم أبحث عنه إذا غاب. قابلت حبّه باللامبالاة ولهفته بالبرودة، وظلّ يحاول حتى ملّ المحاولة ومللت أنا التكرار. استمرت حياتنا بين مدّ وجزر الى أن وهبني الله من الدنيا زينتها، رزقت بطفل اكتشفت معه حقيقة العطاء ومعنى المسؤولية. أذكى فيّ صغيري جذوة الحنان واللهفة لكن نحو من أحبّ فقد سميته على اسمه مما زاد في عذاباتي. الندم حاولت التأقلم مع وضعي الجديد وكنت أخفي بين جنباتي طيفا عجزت أن أتخلص منه، تقمصت دور الزوجة المحبّة ودربت نفسي على ذلك الوضع وبين الضلوع ندم يشلّ حركتي ويمنع عنّي محاولة النسيان. ولعب سوء الحظ لعبته القذرة معي عندما انتقل زوجي للعمل ثانية بالعاصمة، لفني الخوف من فكرة ملاقاته فكل مكان سأقصده سيدكرني به... والتقينا . كان يستقل سيارته الخاصة ويرتدي الزي الرسمي لعمله الجديد (ضابط بحريّة). نسيت أنني كنت أرافق ابني وكدت أركض نحوه، لكنني نجحت في النهاية في إخفاء مشاعري التي تحركت فجأة ، دفنت حنيني عميقا ورغبتي في البكاء والهروب، ضقت ذرعا بالمكان وكانت أنفاسي لاهثة تطلع الى ما تخفيه هذه الصادفة. تحدث هو مطولا فيما كنت أنا مذهولة مذعورة ولم أنتبه الى ما يقول فجلّ همّي ساعتها أن أعثر بين أصابعه على خاتم غير به مجرى حياته وأخرجني به من حساباته فيريحني من عذاب الضمير ، لكنه ابتسم وخذلني حين قال «كرهتني في النساء». مزّقني ردّه أشلاء وتمنيت لو كنت خرساء فلا أسمع ما يقول، دسست رأسي لأرفعه على صوت سيارته ينخر عباب الارض. وتضاعف ندمي لأدرك أي ذنب اقترفت نتيجة تسرعي ... لملمت رداء الأمس فقد كنت بحاجة الى ممحاة أزيل بها كلّ هفواتي العاطفية وها أنا أحاول من جديد ولا أطلب إلا الاستقرار .