لأنّ العاصمة وأحوازها غرقت مرّة أخرى في أقل من شهر في مياه الأمطار التي نزلت عليها، نعود من باب «التكعرير» إلى الحديث عن إذاعة الطوارئ موضوع حلقة سابقة من هذا الركن. والحق أقول أنّ الاذاعة الوطنية حاولت بمناسبة الفيضانات الأخيرة أن تجعل من نفسها إذاعة الطوارئ التي حلمنا بها ووصفناها منذ نحو 3 أو 4 أسابيع، فكان أن خصّصت للأمطار وانقطاع الطرقات وتجمعات المياه صدارة مواجيزها ونشراتها الاخبارية كامل يوم السبت والأيّام الموالية. في المواجيز والنشرات فقط، رأس كل ساعة فقط. وهذا طبعا لا يكفي، ولم يكف، ولن يكفي في صورة تجدّد الحالة لا قدّر اللّه. كنت مع العائلة عشيّة السبت في السيارة مندفعا في شارع ظننته محميا من أي طوفان، لكن ما أن سارت بنا السيارة بعض المئات من الأمتار حتي وقعنا في تجمّع من المياه، وجرى لنا بعض الذي جرى لمن كانوا في وضعي. في رأس الساعة الموالية، أعلنت الاذاعة أنّ الشارع المعني تجمعت فيه مياه كثيرة مثلما تجمعت في شوارع كثيرة ثم سكتت المذيعة وعاد الغناء، و»يامن عاش للساعة الموالية». في الأثناء كانت السيارات تقع الواحدة تلو الأخرى في مصيدة تلك المياه المتراكمة ومع تزايد عددها يتزايد الصراخ ونداءات الاستغاثة والخوف من المجهول... كان من المفروض على إذاعة الطوارئ: أولا أن تبث أخبارها واعلاناتها الخاصة بالحادث كل ربع ساعة ولم لا كل عشر دقائق. ثانيا أن لا تكتفي بإعلان أنّ الشارع الفلاني به تجمع مائي، بل كان واجبا أن تضيف معلومة أخرى تقول.. لأنّ الشارع (أ) غمرته المياه فالمقترح على أصحاب السيارات المارين عبره تحويل وجهتهم عبر الشارع المحاذي أو النهج المتفرّع، وإ ن تعذّر فعليهم الوقوف حيث هم حتى لا يزيدوا في تعقيد الأمور بتراكم سياراتهم عند تراكم المياه. ثالثا أن تبادر بدعوة مسؤولين من شرطة المرور ومن البلدية والتجهيز، والتطهير والنقل والحماية للحضور في الاستوديو وتقديم النصائح الضرورية في مثل تلك الحالات. رابعا أن تقوم بتكوين صحافيي طوارئ، سواء من العاملين الدائمين فيها أو المراسلين، ومهمتهم، بعد التنقّل قريبا من مسرح الأحداث، تقديم المعلومات الدقيقة عن أي حالة وتقديم الوصف المطلوب لها، بما يساعد المواطنين أوّلا على فهم ما يجري حقيقة، ويسهل ثانيا على المسؤولين امكانيات التدخل والانقاذ. خامسا الامتناع عن بثّ ما من شأنه أن يسيء إلى المشاعر وأن يقلّل من اهتمام غير المعنيين بالحادثة مقابل التركيز على الاعلام والارشاد والتوجيه وتقديم نصائح الوقاية والحماية. تحدّثنا مرّة أخرى عن الاذاعة الوطنية، لأنّها ملك الشعب، لكن أين البقيّة، وأين غرقت ولماذا سكتت؟ ولماذا كافأت الشعب الذي خدّرته بالجحود؟، لماذا وهي النافذة الى الأعماق كما تقول وتدّعي تخذل ذلك الشعب الكريم الذي مرض بهواها، فتبخل عليه باعلام أو نصيحة أو إرشاد أو توجيه، كيف وهي صاحبات المبادرة الخاصة، تغرق في التهاني والتهريج والقدح تارة والمدح أطوارا كثيرة؟ فننسى أنّ... والعزوزة هازها الواد... وهي تقول العام صابه!