في مسرحيته المؤلفة من فصل وحيد «Marx in soloo» (الذي وقعت ترجمته الى الفرنسية ب «Karl Marx, Le retour» كارل ماركس، العودة) يتخيل المؤرخ الامريكي «هوارد زين» بأن ؤلف كتاب «رأس المال» قدم الى نيويورك لكي يذكر امام جمهور مبتدئ بالحياة الصعبة التي عاشها مع عائلته في القرن 19 بلندن، ولكي يبين أن نقده للرأسمالية على الشكل الذي آلت اليه في أواخر القرن 20 هو دائما نقد جذري. لقد كتب «هوارد زين» في مقدمته «إننا نعيش داخل مجتمع حيث تصف مقولة ماركس «سلطة السلعة» الواقع على نحو جيد للغاية. وكما قال «رالف والدو اميرسون «Ralph Waldo Emerson» الذي عاش في نفس الفترة تقريبا ولاحظ بدايات النظام الصناعي الامريكي: «اصبحت السلعة سلطان البشرية». ان حماية الملكية الفردية للمصانع اصبح اهم من حماية الحياة الانسانية. لقد وقع تشخيص المسرحية لأول مرة سنة 1995 بمسرح شورتش ستريت «Church Street» بواشنطن (والتي نترجم منها هذه المقتطفات). (يدخل كارل ماركس وهو يرتدي سترة وصدرية سوداء، مع قميص أبيض وربطة عنق (...) يدحرج حقيبة رياضية، يتوقف، يتحرك ذهابا وايابا على الركح، يلتفت نحو الجمهور وعلامات الرضى بادية عليه ولكنه متفاجئ). بفضل الإله ثمة من يوجد هنا! (يخرج اشياءه من الحقيبة الرياضية: بعض الكتب، جرائد، قارورة بيرة، كأسا، يلتفت ويسير متجها نحو الركح). اشكر لكم قدومكم: كل اولئك الاوغاد الذين يعلنون «بأن ماركس مات» لم يفلحوا في اثنائكم عن المجيء الى هنا. بالتأكيد، انا موجود... وغير موجود، بالنسبة اليكم هذا هو الديالكتيك. (لا يجد اي حرج ان يضحك من نفسه ومن نظرياته. ربما تذهب مع مر السنين. ولكن عندما يحس ان ماركس اصبح اقل حيوية ينفجر غضبه). بدون شك، انتم تتساءلون كيف وصلت الى هنا (يبتسم بكل خبث وسخرية) بواسطة النقل العمومي (مزاجه يتغير) لماذا عدت؟ (يبدو غاضبا) لكي ألمع اسمي! (يظهر إحساسه) اني قرأت صحفكم ... (يلتقط واحدة) كلهم يعلنون ان افكاري ماتت! لكن ليس في هذا اي جديد. هؤلاء المهرجون يكرورن ذلك منذ ما يزيد عن القرن ألم تتساءلوا قط لم الاصرار على اعلان موتي؟ (...). (يعطس، وهو ما يفعله من وقت لاخر، يطاطئ رأسه). أخبرني الاطباء بأني سأكف عن العطس في غضون اسابيع (كان هذا سنة 1858) لتخفيف الوطأة الناتجة عن رأس المال انتقاداتي تقول دائما ما يقوله الكتاب الرادكاليين، انه يعيش تجربة خاصة مريرة حسنا، اذا أردتم ذلك، اوقل ان طريق العودة عبر «سوهو» يغذي الغضب الموجود في رأس المال. إني اسمعكم تقولون: «بكل تأكيد، هذا ما كان عليه الوضع في ذلك العصر، لقد مر قرن». هل في ذلك العصر وحسب؟ اليوم وعند وصولي، قمت بجولة عبر شوارع مدينتكم، انها ممتلئة بالقاذورات تنفث هواءا ملوثا تستنشقها اجسام نساء ورجال متراصة ينامون على الارصفة الواحد حذو الاخر لمقاومة البرد. وعوضا عن سماع أنشودة لطفل بصوت منخفض، سمعت صوتا (به حشرجة): «سيدي هل تمنحني قليلا من النقود لأشتري فنجانا من القهوة؟». (الان وبغضب) هل تسمون هذا تقدما لأنكم تمتلكون سيارات بمحركات وهواتف والات تطير والف نوع من العطور؟ وما موقفكم من البشر الذين ينامون في الطريق؟ (يلتقط صحيفة ويتأملها). تقرير رسمي: ارتفع الناتج القومي الخام للولايات المتحدةالامريكية (هذا اذا أردنا ان نكون غير مهذبين!) في العام الماضي الى سبعمائة مليار من الدولارات. انه لأمر مدهش، لكن هل بإمكانكم ان تقولو لي اين يوجد كل هذا؟ من الذي يتمتع به؟ ومن هو المحروم منه؟ يتناول الصحيفة مجددا ويقرأها). «أقل من خمسمائة شخص يسيطرون في المجال التجاري على ألفي مليار من الدولارات». هل هؤلاء الاشخاص هم الاكثر نبلا من غيرهم؟ هل يعملون اكثر؟ هل هم اشرف داخل المجتمع من ام مع صغارها الثلاث في فصل الشتاء لا تجد ما تطعمهم اياه ولا ما يمكن ان يدفع عنهم غائلة البرد؟ ألم أقل لكم منذ مائة وخمسين سنة ان الرأسمالية ستحقق الثراء بصورة تصاعدية مذهلة ولكن هذا الثراء سيتركز بين ايادي ستكون في انخفاض متزايد؟ (يقرأ الصحيفة). «انصهار هائل بين بنك شيميكول «Chemical Bank» وبنك شيز مانهاتن «Chase Manhattan Bank» اثني عشر الف عامل سيفقدون عملهم...» ويقولون ان افكاري قد ماتت. (يتنهد، يحتسي قليلا من البيرة، يلقي نظرة على الصحف ويلتقط واحدة منها). انهم ينتظرون موت الشيوعية بمجرد انحلال الاتحاد السوفياتي (يخفض رأسه). هؤلاء الأوغاد هل يعرفون ما هي الشيوعية؟ هل يعتقدون ان نظاما يقوده حيوان يقتل رفاق ثورته يمكن ان يكون شيوعها؟ «Scheibkopfe» (شيئا من قبيل الاغبياء) ان الذين يصرحون بهذه الترهات صحافيون وسياسيون! ما هي الدراسات التي امكنهم انجازها؟ هل اطلعوا على البيان الذي كتبته مع انجلز عندما كان عمره ثمانية وعشرون سنة وانا في الثلاثين. (تناول كتابامن فوق الطاولة وبدأ يقرأ)» عوضا عن المجتمع البرجوازي القديم بطبقاته وبتناقضاته الطبقية، ستكون جمعية حيث سيكون النمو الحر لكل واحد شرط امكان النمو الحر للمجتمع». هل سمعتم بهذا؟ جمعية! هل يفهمون هدف الشيوعية؟ الحرية الفردية! حيث يمكن لكل واحد ان يكون انسانا ممتلئا بالرأفة. هل تعتقدون ان احد يدّعي انه شيوعي او اشتراكي في حين انه يتصرف كالمرتزقة يمكن ان يفقه اي شيء عن الشيوعية؟ ان تقتل كل من يختلفون معك هل من الممكن ان تكون هذه هي الشيوعية التي منحتها حياتي؟ هل سمح هذا الكائن الغريب «monstre» الذي ابتلع كل السلطة في روسيا والذي فعل كل شيء من اجل تأويل افكاري وكأنها عقيدة مقدرة، وقاد كل رفاقه الشيوخ الى منصة الاعدام للمواطنين بقراءة الرسالة التي كتبتها في «النيويورك تايمز» والتي قلت فيها بأن فعل القتل لا يمكن تبريره داخل اي مجتمع يقال عنه متحضر؟ (في غضب) من المفترض ان لا تتكرر الاشتراكية خطأ الرأسمالية. هنا، في امريكا، سجونكم تحتوي اكثر من طاقة استيعابها، من هم الذين يملئونها؟ الفقراء، البعض ارتكب جرائم فظيعة. أغلبيتهم سارقون، انهم عصابات، تجار مخدرات. انهم جميعا يؤمنون بالمؤسسة الحرة. انهم يفعلون ما يفعله الرأسماليون ولكن على مستوى اقل. (يأخذ كتابا اخر) هل تعرفون ما الذي كتبته مع انجلز حول السجون؟ «عوضا عن معاقبة الافراد على جرائمهم، علينا القضاء على الظروف الاجتماعية التي تسبب الجريمة، وان نوفر للفرد كل ما يحتاجه داخل المجتمع من اجل تنمية حياته الخاصة». حسنا، نحن تحدثنا عن ديكتاتورية البروليتاريا وليس عن ديكتاتورية الحزب او ديكتاتروية اللجنة المركزية، ولا عن ديكتاتورية الرجل الواحد. اطلاقا، نحن تحدثنا عن ديكتاتورية مؤقتة للطبقة الشغيلة سيتولى الشعب قيادة الدولة وسيحكم بما فيه مصلحة للجميع الى ان تصبح الدولة ذاتها بدون فائدة وتأخذ في التلاشي شيئا فشيئا. (يقرأ صحيفة) اذن، انهم يواصلون القول بأن «الرأسمالية قد انتصرت». انتصرت!؟ في اي شيء؟ لان الاسواق تسلقت الى حدود السماء واصبح المضاربون اكثر ثراء من قبل؟ انتصرت!؟ هل لأن ربع الاطفال الامريكيين يعيشون في الفقر؟ هل لان أربعين الف منهم يموتون سنويا قبل الاحتفال بعيد ميلادهم الاول؟ (يقرأ الصحيفة) «في نيويورك مائة الف شخص يصطفون منذ الفجر من اجل عرض يطلب ألفي وظيفة» ما الذي سيحدث للثماني وتسعين الف الذين لن يتم قبولهم؟ هل من اجل هذا تنشئون سجونا اضافية؟ انكم تحققون معجزات تكنولوجية، لقد أرسلتم بشرا الى خارج الكرة الارضية، لكن ما هو مصير الذين تركتموهم على الارض؟ لماذا يعيشون الارهاب؟ لماذا يلجئون الى المخدرات والكحول؟ لماذا اصبحوا عصبيين مجانين وتحولوا الى قتلة؟ (يرفع الصحيفة) ايه نعم، ان هذا في الصحيفة. ان سياسييكم المشبعين بمعتقداتكم يقولون بأن العالم يتجه نحو «نظام المؤسسة الحرة». هل اصبح العالم بأسره ساذجا؟ ألا يعرفون تاريخ نظام المؤسسة الحرة عندما لا تفعل الحكومة اي شيء لصالح الشعب وكل شيء من اجل الاغنياء؟ عندما تعطي الحكومة الامريكية خمسين مليون هكتار من الاراضي الحرة لصالح السكك الحديدية، ولكن لاحظوا ما الذي يحدث عندما يعمل المهاجرون الصينيون والايرلنديون عشرين ساعة يوما في هذه السكك الحديدية؟ انهم يموتون بسبب الحر أو البرد؟ وعندما تمرد العمال ودخلوا في اضراب ارسلت اليهم الحكومة الجيش لتحضعهم بالقوة. يا أيها الشيطان لم كتبت «رأسمال Das Capital» لو لم ألاحظ بؤس الرأسمالية وبؤس «نظام المؤسسة الحرة»؟ في أنلترا يشغل الاطفال (في مصانع النسيج لان اصابعهم الصغيرة قادرة على التحكم في الات الغزل. وفي منشاشوزاتز «Massachusetts» بأمريكا يكلف الفتيات الصغيرات بالعمل في المصانع عند سن العاشرة ويمنعنا في سن السادسة والعشرين. لقد تحولت المدن الى مراكز للرذيلة والفقر. تلك هي الرأسمالية بالامس واليوم. نعم، لقد شاهدت عبر صحفكم وشاشاتكم اعلانات الاشهار التي تدل على الرفاهية. (يتنهد) نعم، كل هذه الشاشات مع كل هذه الصور انكم ترون اشياء كثيرة ولكنكم تعلمون القليل! ألا يوجد احد قرأ التاريخ؟ (تبدو عليه علامات الغضب) اي ترهات نعلمها في المدارس...؟ (الاضواء على الركح تشتعل وتنطفئ انذار بالخطر. يرفع عينيه الى السماء) انها حساسة للغاية. اني افتقد «جيني Jenny». ان ما تقوله حول كل هذا. لقد رأيتها تخبو، مريضة، وحزينة في النهاية. لكنها بكل تأكيد تتذكر سنواتنا السعيدة، واللحظات الجميلة في باريس وحتى في سوهو اني افتقد بناتي. (يتلقط من جديد صحيفته ويقرأ)، «ذكرى حرب الخليج. انتصار سريع وخاطف» نعم اني اعرف هذه الحروب السريعة والخاطفة التي تترك الاف الاجسام ملقاة في ساحة المعركة، واطفالا يموتون بسبب نقص في التغذية وفي الادوية. (يتصفح الجريدة) في اوروبا، في افريقيا وفي فلسطين، شعب يقتل شعب اخر بانتهاك حدوده (تبدو عليه علامات الرعب). ألم تسمعوا ما قلته منذ مائة وخمسين سنة؟ امسحوا هذه الحدود الوطنية المضحكة! ألغوا جوازات السفر والتأشيرات وألغوا حراس الحدود وفكرة سقف المهاجرين. ألغوا الاعلام وبطاقات الانتماء الى هذه الكيانات المصطنعة التي تسمى أوطانا. يا عمال العالم اتحدوا (يمسك بخصره ويتحرك في شكل دائري) يا الاهي ان هذه الاكتاف تقتلني. اني اعترف: لم أتمكن بدقة من تحديد السن التي ستعيشها الرأسمالية. لم أتخيل وجود جرعات بإمكانها ألا تبقي على حياة نظام مريض. خلق الحرب من اجل حماية المصانع وجعل الاشخاص مهووسين بالوطن لكي ينسوا بؤسهم. خلق مشاعر دينية تعد البشر يقدوم المسيح. (يطاطئ رأسه). انه غير مستعد للرجوع. كان من المبكر عندما فكرت سنة 1848 بأن الرأسمالية اشرفت على الأفول، كانت حساباتي سابقة لأوانها بقليل، ربما بمائتي سنة (يضحك). لكن الامور ستتحول. كل النظم الحالية ستتغير. الناس ليسوا اغبياء. اني أتذكر رئسكم لنكولن «Lincoln» عندما قال اننا لا نستطيع ان نخدع كل العالم كامل الوقت، ان عقولهم وتعطشهم للحصول على الاحترام الادمي والعدل هو الذي سيوحدهم. لا تسخروا! لقد وصلنا الى تلك المرحلة وكل شيء يمكن اعادة انتهاجه على مستوى اكبر فهؤلاء الذين يقودون المجتمع ورغم ما لهم من ثراء وكل ما لهم من أسلحة فانهم لا يستطيعون منع شيء. فخدامهم يرفضون خدمتهم، وجنودهم يرفضون طاعة اوامرهم. نعم ان الرأسمالية خلقت معجزات غير متوقعة عبر التاريخ اكتشافات علمية وتكنولوجية باهرة ولكنها تحفر قبرها بنفسها، ان شهيتها اللامحدودة للربح ايضا ايضا، ايضا هي التي ستخلق عالم من الفوضى. انها تحول كل شيء الفن، الادب، الموسيقى وحتى الجمال الى بضاعة تباع وتشترى. انها تحول الكائنات البشرية الى بضاعة ليس العمال بتقسيم عملهم فحسب بل وكذلك الفيزيائيون ورجال العلم ورجال القانون والشعراء والفنانون. على الجميع ان يبيع انفسهم لكي يتمكنوا من العيش اذن ما الذي سيحدث عندما يدركة كل هؤلاء الاشخاص انهم كادحون؟ وان لهم جميعهم نفس العدو المشترك؟ انهم سيتحدون لكي يحققوا ذواتهم ولن يكون هذا الا... فيما بينهم وداخل اوطانهم الخاصة فحسب. لان الرأسمالية تحتاج الى سوق عالمية. ان شعارها هو «السوق الحرة» فهي تحتاج الى ذلك لكي تتمكن من التحرك بحرية على كامل مساحة الكرة الارضية وتحقق ربحا أوفر ايضا ! ايضا ! لكنها وهي تفعل ذلك تكون قد أنشأت وبصورة لا ارادية ثقافة عالمية. ان الاشخاص يجتازون الحدود بطريقة غير مسبوقة في التاريخ وكذلك الافكار. هناك شيء جديد سيلد بالضرورة من كل هذا. (يقف وقفة تأمل). عندما كنت في باريس مع جيني «Jenny» سنة 1843، كان عمري خمسة وعشرين سنة، وكتبت بأن الاشخاص داخل النظام الصناعي الجديد سيكونون غرباء من عملهم لانه لا يروقهم. لقد اصبحوا غرباء عن الطبيعة باعتبار ان الالات، الدخان والروائح والضجيج يخترق حواسهم ونسمّي هذا تقدما انهم غرباء بعضهم عن بعض لأنهم موجهون بعضهم ضد البعض الاخر، يدوس بعضهم على بعض لكي يتمكنوا من العيش. وانهم غرباء حتى عن انفسهم، انهم يعيشون حياة ليست لهم، انهم يحيون، كما انهم لا يريدون الحياة، فالحياة الحقيقية لم تعد ممكنة الا داخل الحلم، الا عبر الفنطازيا (الخيال) لكن كل هذا الذي يحدث ليس قدرا لا يمكن مقاومته، هناك دائما خيار ممكن. اني أقر ان الذي يحدث ليس الا امكانية من بين الامكانيات الاخرى. لا يوجد شيء يقين. هذا واضح الان. لقد كنت واثقا من نفسي الى اقصى حد. لكني أدرك ان كل شيء يمكن ان يقع في المستقبل وعلى الافراد ان يحركوا مؤخرتهم! هل يبدو لكم هذا راديكاليا جدا؟ تذكروا، ان تكون راديكاليا ليس شيء اخر غير ارجاع المشاكل الى اصولها. وأساس العلة هو نحن.
مقتطف من «كارل ماركس العودة» ل «هواردزين» ترجم النص من الانليزية الى الفرنسية Thierry Discepolo تياري ديسا بولو (2002). نجد النص الفرنسي في مجلة الملاحظ الجديد اكتوبر / نوفمبر «Le nouvel obsservateur 2003 ص 6 7 8 9. هوارد زين Howard Zinn هو أستاذ التاريخ السياسي بجامعة بوسطن في الولاياتالمتحدة.