كان عنوان المحاضرة «نزعة التفكير: مقاربة سوسيولوجية» التي ألقاها الدكتور عبد اللطيف الهرماسي على منبر منتدى الجاحظ واعدا، ولكن الدكتور ترك المستمعين يسبحون بين ثلاثي الحقيقة والتقديس والعنف دون ان يجد الخيط الواصل بينها ولا شفافية الالفاظ في تموجات دلالاتها بين المجتمعات وعبر التاريخ، وانما اكتفى بشذرات من هنا وهناك كمحطات لخطابه ليستنجد في الاخر بالحس العام والحداثة للتقييم قبل ان يعترف امام انتقادات المتدخلين من بعده وكانوا كثرا بان الظاهرة معقدة وزوايا طرحها متعددة، كما ان الحداثة حداثات ذات اوجه وصارت واضحة اخلالاتها حيث ولدت واينما حلت وانه بالامكان الاقتداء ب «ماكس فيبر Max Wber وعلم الاجتماع التاريخي. وعلى كل حال فقد امتع رواد منتدى الجاحظ في هذه الامسية برؤية القمة الطافحة لجبل الثلج قبل رياضة الغوص نحو جذره لاتمام المتعة، كنت أتمنى لو أطل على الجمع عالم موسوعي اسمه أبو عثمان الجاحظ ليدغدغ حاسة الشك فينا ويطرح مع الشاعر أدونيس (1) تعجبه من أن لم يفكر أي من المسلمين في تكفير معاوية.. بسبب افتكاكه بحدّ السيف الخلافة والامامه بنفس المناسبة، وتوريثها لسلالته. فماذا يكون موقف المحاضر منه؟ أينتصر مبدئيا لمعاوية ليحشر رائد المعتزلة في زمرة «التكفيريين»؟ أما سبيل الخطأ، حسب نظري، وقد يكون المحاضر تاه فيه فهو الى جانب أخذ المفاهيم في غير سياقها التاريخي اعتبار الله طرفا نقيضا للانسان مجاراة للحس العام بينما اعتبرت المسيحية عيسى بن مريم الانسان ابنا لله وذلك في غياب او تغيب رجل معروف أباله(2) وإن ناقش الاسلام هذه الابوة الالهية فللتدليل على أن روح الله مبثوثة في كل إنسان بل وفي كل شيء موجود في الكون مثلما ذهب الى ذلك عظماء المتصوفة مثل الحلاج القائل «مافي جبتي إلا الله» والذي انغمس في حب الإله على غرار رابعة العدوية إلى حد الذوبان الشيء الذي لم يرق للسلطة المعنية بالترويج لإله قاهر جبار شديد العقاب فسلطت عليه جمعا من الفقهاء ليفتوا بقتله وهو يقول لقاتليه «طهري حمى ودمي حرام ولي كتب في السنة موجوده في الوراقين فالله الله في دمي» (3) فكان هذا الحب الى حد الفناء والاستشهاد أسمى تجسيم للوحدانية ومنارة ساطعة للتوحيد بين البشر منارة تسعى «الصهيونية المسيحية» أداة بوش التوسعية الحديثة إطفاءها بعواصف من الضغينة تنشر الدمار وتقطع الاوصال تجرّد الكلام من معانيه. ------------------------------------------------------------------------ الحبيب حواس هامش: (1) انظر كتابه «الثابت والمتحول» (2 ) انظر مقال محمد الطالبي le christ et son double في جون أفريك عدد 2143 حيث نقرأ «حتى الاناجيل تنبئنا عن مسيحيين من أبوين مختلفين» (3) انظر محمد عبد الحميد الحمد «البهائية ولادة دين جديد».