نيرودا كان صوتا على الظلم والقمع والاستبداد... كان صوتا ضد الامبريالية الطاغية. خلافا لشعرائنا اللطفاء جدا والسعداء جدا بواقعهم الغارق في الوحل الى حد النخاع. لا ضير إن احتفلوا بأمريكا او تسابقوا لإرضاء الأكاديميين والسياسيين. حتى يكون نصهم نصرة للامبريالية وللطغيان والانفراد بالسلطة والقمع السياسي والثقافي. وان لم يمدحوا فقط سكتوا والسكوت فراش للخيانة. في الوقت الذي ما زالت «ثعالب التاريخ» ترتع في أراضينا رافعة مخالبها الآثمة. علّمنا نيرودا ان لا حقيقة «لنهاية الايديولوجيا» ولا حقيقة لكتابة الشعر من أجل الشعر، على قياس الفن للفن... الحقيقة، كما يرويها نيرودا هي: «أن لا أتعب من أن أكون أو لا أكون» علمنا أن لا نتعب ... أن لا نتوقف... ان لا نستسلم... ان لا نسلم. فالحياة كما يراها وكما يجب ان نتعلمها... «تعني الموت / تعني الحياة» فان مت من اجل الحياة فأنت حي، وان حييت هربا من الموت فأنت ميت لا محالة. نحن الاحياء الاموات.. نحن الاموات... نحن «النحن» نقبع في الدرك الاسفل من التاريخ بقياس فقهي. وسعداء بتلك المرتبة، بفضل شعرائنا وسياسيينا وعلمائنا وفنانينا و ... و ... ونحن. إذن أي معنى للشعر عند نيرودا؟ أي معنى للشعر عندنا الآن؟ يقول شاعر الشيلي الأكبر: ... «أستيطيع ان اكتب عن الوردة، عن الجمل، عن الحب.. لكن لو حدث في وطني حادث خطير او تهديد لكرامة شعبي فإنني استعمل شعري كسلاح». أين نحن من هذا؟ يتحدث نيرودا عن التهديد والكرامة... ونحن بلا كرامة وبلا أوطان. الأوطان المسحوقة والمسروقة والمغزوة والمريضة والبائسة... إنها أوطاننا. مع ذلك ما زال الشعراء يصفقون ويحتفلون ويتمسحون على العتباب. وكأن لا شيء قد حصل. لقد علمنا نيرودا ان «البرجوازية تطلب شعرا منعزلا لا بقدر الامكان عن الواقع. والشاعر الذي يعرف تسمية الخيز خبزا والخمرة خمرة، فهو خطر على الرأس المال المحتضر». لماذا اذن لا نسمي الاشياء بأسمائها؟ هل هو العجز؟ أم هو الخوف؟ أم هي الدهشة؟ عفوا ليست «الدهشة» بالمفهوم الفلسفي التي تعني بداية الفلسفة، كما علمنا «هيدغر». وإنما الدهشة بمعنى «الغياب» أو «الغيبوبة». يقول نيرودا: «أحببت ان اكون خبزا الصراع ما وجدني قط متغيبا» «الصراع» الذي فهمه الشعراء على انه الترهات والجدالات والنزاعات المفقهية والسفسطائية، حول المدارس الاكاديمية والحركات النقدية وقصيدة النثر والعروض. علمنا نيرودا ان نكتب بأي رصاصة نشاء... بأي صوت نصدح... بأي أصابع نحفر... بأي أياد ندك الصخر دكّا. المهم ان يبقى الضوء ساطعا وقد توقف كل شيء... المهم ان نحرك المياه الراكدة، بعد ان سكنت قرونا... المهم ان نكتشف ينابيع الحياة. والحياة ليست شيئا اخر غير ان يكون الشاعر «قريبا من الارض». مع ذلك... أصفّق المطبّعون... أهتف الشعراء والملوك... أمرروا أنفلونزا الرأسمالية القاتلة... أركنوا للثابت والراهن... أتملقوا... أتسلقوا... سيبقى الشعر هو الشعر. نأخذه عن نيرودا وسارماغو ولوركا وممدوح عدوان ومعين بسيسو ودرويش وبوشكين والنواب... الخ ونترك للتعساء من الشعراء نقيقهم، يسبحون به في غدران الطحلب الوطني الراكد. وسنردد بصوت نيرودا، ومعنا البقية من التقدميين: «لا تقل ان القيثارة قد صمتت بعد ان جفت كنوزها لأنها لم تجد نغمة تعزفها قد لا يوجد شعراء، ولكن الشعر موجود سيوجد دائما ما دامت موجات النور هي القبلة تنبض ملتهبة وما دامت الشمس تكسو الغيوم الممزقة بالنار والذهب ( ... ) وما دام يوجد في العالم ربيع فسيوجد الشعر» هكذا علمنا نيرودا، وسنبقى نحتفظ بدروسه تلك ما دامت أرضنا الان لا تنبت العشب / الشعراء. وفي انتظار ان ينبت الشعراء كالعَرَق من جلودنا، نكون قد نسينا الشعر او نسينا